رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

عبدالمنعم قناوى.. وداعاً صقر السويس


17-2-2025 | 07:11

عبدالمنعم قناوى.. وداعاً صقر السويس

طباعة
بقلـم: محمد الشافعي

رحل عن دنيانا يوم الخميس الماضى الفدائى البطل عبدالمنعم قناوى.. أحد أهم أبطال منظمة سيناء العربية.. التى لعبت أدواراً نضالية مهمة خلال حرب الاستنزاف وأكتوبر.. فبعد كبوة عدوان يونيه 1967.. تسابق شباب مدينة السويس لتكوين مجموعات من المقاومة الشعبية.. لحراسة الأماكن المهمة.. ومراقبة قناة السويس حتى لا يتسلل منها أى جندى من جنود العدو.. وفى يوم 14 يوليو 1967.. نجح أبطال السويس فى الإمساك بأول أسير من جنود العدو.. عندما حاول هؤلاء الجنود رفع علمهم على (الشمندورة) فى البر الشرقى للقناة.. وتوجه الشاب عبدالمنعم خالد فى إحدى سفرياته إلى القاهرة - كان يعمل سائقا فى إحدى الشركات- إلى مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بالقاهرة.. وطلب من الموجودين بالمكتب أن ينضم إلى الفدائيين الفلسطينيين الذين يحاربون العدو من داخل الأراضى الفلسطينية.. ورحب به مندوبو منظمة التحرير.. وطلبوا منه أن يترك بياناته..

وعندما عاد إلى السويس.. وجد طلبا باستدعائه إلى مكتب المخابرات الحربية.. وقابله العقيد فتحى عباس.. وبعد حوار سريع سأله: هل هناك شباب مثلك؟ فرد عليه: كل شباب السويس.. وقررت القيادة السياسية ومعها القيادة العسكرية.. تكوين منظمة فدائية أطلق عليها اسم (منظمة سينا العربية).. ضمت أكثر من خمسمائة فدائى.. أغلبهم من شبه جزيرة سيناء.. وطليعتهم من شباب السويس عبدالمنعم خالد – غريب محمد غريب- مصطفى أبو هاشم – فتحى عوض الله – فايز حافظ أمين – إبراهيم سليمان – أشرف البشتل – عبدالمنعم قناوى – محمود عواد – محمود طه – ميمى سرحان.. الخ وكانوا جميعاً من الأبطال فى مجال الرياضة (مصطفى أبو هاشم – محمود عواد – محمود طه) فى كمال الأجسام – ميمى سرحان فى كرة القدم.. عبدالمنعم قناوى فى الدراجات... الخ.

 

وتم تدريب هؤلاء الشباب على يد بعض الضباط من المخابرات الحربية مثل اللواء يحيى شبايك.. وعلى يد بعض ضباط الصاعقة مثل اللواء مختار الفار.. وكانت منطقة تمركزهم من أعلى الجبل قريبا من العين السخنة.. وقد شاركوا فى الكثير من عمليات الاستطلاع وزرع الألغام شرق قناة السويس.. أما عمليتهم الأشهر.. فكانت العملية التى كتبت عنها كل وسائل الإعلام العالمية.. وتناقلتها كل وكالات الأبناء.. وأطلق عليها اسم عملية (وضح النهار).. وشارك فيها اثنا عشر فدائيا يقودهم الشهيد مصطفى أبو هاشم.. ومن بينهم البطل عبدالمنعم قناوى.. وعبروا فجر الأربعاء الخامس من نوفمبر 1969.. من عند منطقة الشط شمال السويس.. انتظارا لدورية من دوريات العدو.. كانت تمر بشكل يومى من هذا المكان.. واستطاع الأبطال تدمير دبابات وعربات العدو.. وقتل أكثر من عشرة من جنود العدو.. ومن يرجع إلى جرائد هذا اليوم سيجد أخبار تلك العملية موجودة فى الصفحات الأولى من كل الجرائد المصرية والعربية.

 

واستمرت عمليات أبطال منظمة سيناء العربية.. فى شبه جزيرة سيناء.. التى تحول أبطالها إلى رادارات بشرية.. يجمعون كل المعلومات عن قوات وتحركات العدو – وفى مدن القناة أيضا.. حيث كانت مجموعة أبطال السويس هى رأس الحربة.. ويؤكد اللواء مختار الغار أحد أهم أبطال الصاعقة.. أن هؤلاء الأبطال المدنيين وصلوا بالتدريب وقبله بالانتماء والعقيدة الوطنية إلى الدرجة التى تجعلهم يتفوقون على جنود الكوماندوز فى أى جيش من جيوش العالم.

 

وفى أوائل سبتمبر من عام 1973.. طلب مكتب المخابرات فى السويس اختيار واحد من أبطال منظمة سيناء العربية للدفع به خلف خطوط العدو.. وتقدم البطل عبدالمنعم قناوى.. ولم يخبر والدته أو أخوته بالعملية.. ولم يكن يعرف بالعملية إلا زميله محمود عواد.. الذى تولى قيادة مجموعة الفدائيين بعد استشهاد البطل مصطفى أبو هاشم فى فبراير 1970.. وعبر قناوى قناة السويس ومعه دليل سيناوى وجلس فى المنطقة التى اختارتها له المخابرات الحربية وراح عبر اللاسلكى يرسل كل تحركات العدو كما كان يتلقى الأوامر والتعليمات والتكليفات عبر إذاعة صوت العرب من خلال شفرة خاصة متفق عليها.

 

وكم كانت فرحة هذا البطل عظيمة عندما رأى الطيران المصرى يعبر القناة ويدك مواقع العدو ثم راح يستمع إلى بيانات القوات المسلحة التى تؤكد عبور جيش مصر العظيم وانهيار السائر الترابى ودك حصون خط بارليف وفجأة حدثت ثغرة الدفرسوار يوم 16 أكتوبر 1973 فجاءته الأوامر بالعودة إلى غرب القناة وعاد يوم 20 أكتوبر ليتم القبض عليه غرب القناة بحجة أنه جاسوس، ولكن التواصل مع المخابرات الحربية أثبت أنه بطل عظيم وتم سفره إلى القاهرة بسيارة من سيارات الجيش، وفى قيادة المخابرات الحربية علم أن جيش العدو يتجه إلى السويس فى محاولة لاحتلالها وحصار الجيش الثالث بعد أن فشل فى احتلال مدينة الإسماعيلية وحصار الجيش الثاني.. فطلب البطل العظيم قناوى العودة إلى السويس ليكون مع زملائه الأبطال للدفاع عن مدينتهم الباسلة.. وعندما وصل إلى قمة جبل عتاقة أخبرته القيادة أن مدينة السويس قد تم حصارها بالفعل، وكان ذلك يوم 24 أكتوبر 1973 وجاءت الأوامر بأن يستمر فوق الجبل لينقل أخبار العدو ويراقب تحركاته ليصبح هذا البطل العظيم على موعد مع بطولات لا حصر لها؛ حيث استمر فوق جبل عتاقة هو وزميله الدليل البدوى لمدة 101 يوم، عاش مثل الصقر ينقل أخبار وتحركات العدو ويهرب بكل الحيل من مطاردات طائرات العدو التى راحت تبحث عنه بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، ولم تتوقف بطولات صقر السويس عند المراقبة ونقل الأخبار والتحركات ولكنه أنقذ قيادة الجيش الثالث من عدوان طائرات العدو حيث نزل إلى القيادة والتقى باللواء عبدالمنعم واصل قائد الجيش الثالث وأخبره بتحركات العدو التى رصدها من فوق جبل عتاقة، وعلى الفور أمر اللواء واصل بنقل قيادة الجيش الثالث إلى الموقع التبادل لتحدث غارات طيران العدو على الموقع الأول بعد ساعات قليلة.

 

وبعد فشل العدو فى احتلال السويس قبِل صاغرا وقف إطلاق النار فى 28 أكتوبر 1973 لتبدأ بعد ذلك مفاوضات فض الاشتباك التى نتج عنها اتفاق بدأ سريانه يوم 29يناير 1974، ونزل صقر السويس عبدالمنعم قناوى من قمة الجبل إلى الساحة الممتدة أمام قصر ثقافة السويس، وكان أشعث أغبر لحيته طويلة وشعره طويل وثيابه رثه، فهو لم يبدل ثيابه منذ شهر سبتمبر ولم يحلق شعره أو لحيته منذ ذلك التاريخ، وعندما نادى على زملائه أبطال المنظمة لم يعرفوه فى البداية ثم تعرفوا عليه ودخلوا جميعاً فى نوبة من بكاء الفرح ابتهاجاً بعودة هذا البطل العظيم الذى قدم بطولات يصعب على الأبطال المحترفين تقديمها.

 

ولم يكتفِ صقر السويس ببطولاته ولكنه تحول على مدى أكثر من سبعين عاماً إلى ذاكرة منظمة سيناء العربية؛ حيث احتفظ بالصور وبالجرائد التى كتبت عنهم وبالكتب التى سجلت بطولاتهم، ومن منح القدر العظيمة أن هذه الكتب كانت من تأليفى حيث كتبت عن البطل عبدالمنعم قناوى ورفاقه فى كتابى (السويس مدينة الأبطال) وفى كتابى (شموس فى سماء الوطن) كما سجلت معهم فى برنامج (شموس فى سماء الوطن) الذى قدمته على قنوات دريم عامى 2009، 2010 واستمرت علاقتى بكل هؤلاء الأبطال العظماء، وكان صقر السويس آخر ضوء من هذا النسيج البطولى الشريف، وقد رحل عن دنيانا بعد رحلة مرض طويلة ليلحق برفاقه فى جنات عدن عند مليك مقتدر، فسلام على هذا البطل العظيم وسلام على كل الأبطال الذين قدموا لنا ولأبنائنا القدوة الشريفة النبيلة والمستطاعة.