وأخيرا تم التوقيع على اتفاقية تعاون استراتيجية بين روسيا الاتحادية وإيران تضمنت العديد من النقاط المهمة أبرزها الاتفاق على تعزيز التعاون الثنائى فى المجالات التجارية والاقتصادية والطاقة النووية وغيرها.
هذه المعاهدة التى وقعها الرئيسان الروسى فلاديمير بوتين والإيرانى مسعود بزشكيان فى 17 يناير الماضى لم تتضمن بندا حول التعاون العسكرى والتكنولوجى، واستعاضت عنه بإعلان التزام كلا البلدين بعدم تقديم العون لأى طرف يعتدى على أى منهما.
ويبدو أن موسكو لم تكن راغبة فى الإشارة علنا إلى وجود تعاون عسكرى بين البلدين نظرا لأن الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة إسرائيل تنظران بريبة وتوجس حيال اتساع رقعة التعاون بين موسكو وطهران فى المجالات الدفاعية، خاصة بعد ما تردد عن قيام إيران بتزويد روسيا التى تخوض حربا فى أوكرانيا بمسيرات عصرية وإعلان عن موافقة روسيا تزويد إيران بمقاتلات عصرية من طراز «سوخوي- 35 ».
وحقيقة هناك الكثير من المصالح التى تجمع بين روسيا وإيران أبرزها أن كلا البلدين يعانيان من عقوبات اقتصادية ومالية أمريكية وغربية شديدة الوطأ، وكلاهما يسعيان للتخلص من هذه العقوبات ويتبادلان الخبرة والتجربة فى احتوائها والالتفاف عليها. يضاف إلى ذلك أن إيران اعتمدت ولا تزال على دعم روسيا فى معالجة قضية الملف النووى الإيرانى بشكل سلمى، فيما يحرص الجانبان على تنسيق مواقفهما فى المنابر الدولية وخاصة منظمة الأمم المتحدة. وليس سرا أن موسكو ساعدت إيران فى الانضمام إلى الاتحاد الاقتصادى الأورواسيوى وكذلك مجموعة بريكس وقبل ذلك إلى منظمة شنغاى للتعاون.
ولا بد من الإشارة فى معرض الحديث عن الوضع الإقليمى إلى أن موسكو وطهران خرجتا خاسرتين من سوريا لصالح تركيا التى بسطت عمليا سيطرتها على الدولة المجاورة وإسرائيل التى تخلصت من الوجود الإيرانى فى المنطقة.
ولدى موسكو وطهران مصالح فى منطقة بحر قزوين وجنوب القوقاز، حيث تراقب الدوائر الروسية والإيرانية المتغيرات فى سياسة أذربيجان التى تحاول استثمار بعض الظروف والأزمات بهدف الابتعاد عن روسيا، وكذلك أرمينيا التى تعمل للخروج بوتائر سريعة من دائرة المصالح الروسية، وتتجه بخطوات حثيثة للتقارب مع الاتحاد الأوروبى عبر بوابة فرنسا.
إيران هى الأخرى قلقة من النهج الذى تتبعه أذربيجان فى علاقاتها مع تل أبيب فى المجالات الأمنية والعسكرية، وترى أن هذا التعاون يشكل تهديدا مباشرا لها. وربما أرادت طهران من روسيا أن تلعب دورا فى إقناع باكو بضرورة تخفيف حجم التعاون مع إسرائيل، لكن روسيا لم تعد قادرة على التأثير فى السياسة الأذربيجانية لا سيما بعد أن حسمت أذربيجان بمساعدة تركية النزاع العسكرى مع أرمينيا لصالحها ولم تعد بحاجة إلى التودد لموسكو.
ولعل الحملة التى تشنها وسائل الإعلام الأذربيجانية ضد روسيا بتهمة التجسس وتقديم الدعم لأرمينيا وتضخيم التباين فى وجهات النظر حول حادث الطائرة الأذربيجانية من طراز «امبراير 190» التى سقطت فى مدينة «اكتاو» الكازاخستانية أثناء قيامها برحلة من باكو إلى جروزنى فى نهاية ديسمبر الماضى تؤكد حدوث تغيير فى النهج الأذربيجانى حيال العلاقة مع روسيا.
ناهيك أن السلطات الأذربيجانية تتهم روسيا بإسقاط الطائرة والتمويه على الظروف التى أحاطت بالحادث والتملص من المسئولية المترتبة على ذلك. والأكثر من ذلك فإن السلطات الأذربيجانية قررت إغلاق البيت الروسى فى العاصمة باكو.
هذه الخطوات أدت إلى حدوث توتر فى العلاقة مع موسكو التى لا تخفى استياءها حيال تقلبات السياسة الأذربيجانية، وهى ترى أن باكو تنكرت للدور المركزى الذى لعبته روسيا فى العمل على وقف الحرب مع أرمينيا قبل عدة أعوام، وحالت دون تدخل الدول الأعضاء فى منظمة معاهدة الدفاع الجماعى فى النزاع لصالح أرمينيا رغم إصرار أرمينيا التى كانت عضوا فى هذا التحالف العسكرى على ذلك.
وفى الوقت نفسه فإن إيران التى لا تخفى هواجسها حيال التعاون الأذربيجانى الإسرائيلى واعتراضها على النشاط الأمنى الإسرائيلى فى منطقة جنوب القوقاز، بدأت العمل على بلورة معاهدة شراكة استراتيجية طويلة المدى مع أرمينيا.
وربما سيتوجب على موسكو وطهران العمل من أجل بلورة معادلات إقليمية جديدة فى جنوب القوقاز ردا على خسارتهما فى سوريا؛ رغم ما يعترى هذا التوجه من محاذير واحتمال حدوث صدام بين القوى الإقليمية. ولهذا بالذات سارعت أرمينيا إلى الإعلان أن ميثاق التعاون الاستراتيجى الذى وقعته يريفان وواشنطن الشهر الماضى ليس موجها ضد إيران وأن يريفان لن تتخذ أى إجراءات من شأنها إلحاق الضرر بالمصالح الإيرانية فى المنطقة. وحرصت إيران من جانبها على التأكيد على لسان سفيرها فى موسكو مهدى صبحانى أن تحالفها الاستراتيجى مع روسيا ليس موجها ضد طرف ثالث ويراعى تماما مصالح أرمينيا.
ويبدو جليا أن المضى قدما فى تطوير العلاقات الروسية الإيرانية استراتيجيا يتطلب من موسكو وطهران على حد السواء تطوير التعاون العسكرى والأمنى والتكنولوجى بين البلدين دون إعارة اهتمام لردود الفعل الأمريكية أو الإسرائيلية.
لدى موسكو وطهران مصالح فى منطقة بحر قزوين وجنوب القوقاز، حيث تراقب الدوائر الروسية والإيرانية المتغيرات فى سياسة أذربيجان التى تحاول استثمار بعض الظروف والأزمات بهدف الابتعاد عن روسيا