رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

السينما تنتصر للحب على كل الفوارق الاجتماعية


17-2-2025 | 13:34

السينما تنتصر للحب على كل الفوارق الاجتماعية

طباعة
بقلـم: أشرف غريب

 

مع حلول عيد حب فى الرابع عشر من فبراير كل عام يبحث واضعو خريطة البرامج فى القنوات التليفزيونية المختلفة عن الفيلم الرومانسى الذى يتماس مع هذه المناسبة، فلا يجدون إلا ما تركه لنا المخرجون الأقدمون فى زمن الأبيض والأسود، صحيح أن صناع السينما فى زمن الألوان والصورة المبهرة دأبوا على تقديم تجارب رومانسية، لكنها كانت عابرة ومحدودة لا ترقى إلى مستوى هذه العاطفة النبيلة، أو حتى إلى تطلعات من هم شغوفون بمثل هذه النوعية من الأعمال.

ولهذا تبقى تجارب مخرجى الأبيض والأسود ولا سيما فى عقدى الخمسينيات والستينيات هى الأبرز والأكثر بقاء فى ذاكرة مشاهدى السينما، وتبقى معها أسماء صانعيها عنوانا للتميز ورهافة الحس: عز الدين ذو الفقار، هنرى بركات، حلمى حليم، محمود ذو الفقار، سعد عرفة، حسين كمال فى بداياته، وغيرهم، لكن يظل عز الدين ذو الفقار هو العلامة المهمة والمثال البارز على صدق التوجه وبراعة التخصص فى تقديم سينما ناعمة تخاطب المشاعر الإنسانية فى كل زمان ومكان.

 

قدم عز الدين ذو الفقار (1919 – 1963) ثلاثة وثلاثين فيلما بين عامى 1947 و 1962 قبل أن يختطفه الموت وهو دون الرابعة والأربعين من عمره، ينتمى عدد كبير من هذه الأفلام إلى نوعية الفيلم الرومانسى، يكفى أن نذكر له أفلاما مثل: خلود، سلوا قلبى، موعد مع الحياة، موعد مع السعادة، وفاء، إنى راحلة، رد قلبى، بين الأطلال، نهر الحب، والشموع السوداء، لكن يبقى فيلم «إنى راحلة» المأخوذ عن رواية الكاتب يوسف السباعى هو أول أعماله الرومانسية المهمة – زمنيا – وسابقا على أفلام مثل رد قلبى وبين الأطلال ونهر الحب.

 

ويأتى عيد الحب هذه السنة وقد مر على عرض «إنى راحلة» سبعون عاما حيث تم عرضه للمرة الأولى عام 1955 ولا يزال الفيلم محتفظا بطزاجته وقدرته العالية على التأثير فى متلقيه فى سردية بصرية ناعمة تحمل كل مقومات العمل الرومانسى كما عرفته النظريات النقدية.

 

فجأة بعد طول غياب وجدته أمامها من جديد ليستعيدا معا مشاعر ظن كلاهما أنها بقايا طفولة أو حتى أضغاث مراهقة، وفجأة أيضا تحول الفوارق الاجتماعية وقسوة الأب دون أن يمضى الحبيبان نحو حضنهما الدافئ، فيسير كل إلى غايته، ويصبحان من بين ملايين التعساء، لكن القدر الذى فرقهما ذات ليلة باردة شاء أن يجمعهما مرة أخرى ذات ليلة كان كل شىء فيها أكثر برودة إلا مشاعرهما التى لم تطفئ ظمأها الأيام، فالحبيب ماتت زوجته، والحبيبة خانها زوجها ليتأكدا أن نداء الحب أقوى من أن يسكت صوته الآخرون، فيندفع العاشقان نحو اللحظة التى انتظراها طويلا بعيدا عن الناس، عن كل الدنيا، عن أولئك الذين أحالوا حياتهما إلى عذاب وألم، لا شىء سوى الأشواق والبحر والأحلام المتكسرة .. نعم إذ تداهم الحبيب نوبات الأمل وتئن عليه علله، فيموت متأثرا بانفجار الزائدة وكأن القدر استكثر عليه أن يختلس لنفسه أياما من السعادة بقرب من أحبها وحرمته منها الأيام، فتقرر الحبيبة أن تلحق به ما دامت الحياة قد ضاقت بحبهما، أن تموت محترقة إلى جواره، أن ترحل معه، ولكن بعد أن تودع البحر والأمواج قصتها:

 

«إنى راحلة, وماذا يدعونى إلى البقاء فى هذه الدنيا بعد أن فقدت كل ما لى فيها، بعد أن صرت جسدا بلا روح ، ولا أمل.. ما أسهل الموت، خطوة واحدة وأنطلق هاربة تاركة لكم جثة هامدة».

 

هكذا ودعت عايدة الحياة، واستلقت بجوار حبيبها المسجى فى فراشه مستسلمة للنيران التى أضرمتها ومعلنة رحيلها عن الدنيا التى ظلمتها حية وميتة، ولم تسمح لها حتى بلحظات السعادة التى حاولت انتزاعها من قلب المأساة.

 

وقد فتح نجاح «إنى راحلة» شهية الثنائى يوسف السباعى وعز الدين ذو الفقار لتكرار هذا التعاون بعد عامين فقط من تعاونهما الأول، وكان ثمرة هذا التعاون فيلمهما المهم «رد قلبى» فى دراما رومانسية جديدة مكتسية برداء وطنى ثورى أكدت أن الحب أقوى من أية فوارق طبقية.

 

فكأنها خطيئة إذن أن يحب «على» ابن عبد الواحد الجناينى «إنجى» ابنة أفندينا ساكنة هذا القصر المنيف، أو كأنها جريمة أن يرفع ابن الفلاح البسيط رأسه ليرنو ببصره إلى هذه الدرة المكنونة، لكنه قد حدث، وأحب على إنجى وبادلته هى حبا بحب، ذابت الفوارق بحرارة الشوق، وتلاقت المشاعر رغم كل قيد، وأصبح ما يعتبره النبلاء خطيئة – بالفعل – واقعا، وما يراه مجتمع الأربعينيات جريمة – بالجزم – حقيقة، لكن الفارق كبير بين أن تحب وبين أن تظفر بمن تحب، بين أن تحلم، وبين أن تحقق ما تصبو إليه، فإذا كان مجتمع الأربعينيات أو أى حقبة زمنية أخرى لا يستطيع أن يتحكم فى مشاعرك فهو قادر وناجز فى أن يتحكم فى مصيرك، وكان بالإمكان أن يظل حب إنجى وعلى موصوما بالخطيئة أو موصوفا بالجريمة لولا أن قامت ثورة يوليو– وهو فعل رومانسى أيضا – ليتغير كل شىء أو هكذا بدا لنا لحظة زوال سوء الفهم بين على وإنجى حين قررا التصالح مع الماضى الأليم رغم بقايا فلوله، والنظر إلى المستقبل بأعين العاشقين الحالمين بحياة جديدة بمذاق الثورة لا مكان فيها للطبقية، ولا موطئ فيها لكِبر أو غطرسة.

 

لقد أصبح ارتباط على وإنجى فى نهاية «رد قلبى» رمزا لتلاقى نقيضين بعد أن ظنا أن لا تلاقيا، وتجسيدا لقيمة «الحب فى زمن الثورة» ومبعث أمل لكل حبيبين بأن لا مستحيل فى الحب مهما كانت الفوارق والعقبات ومهما طال الانتظار.