التاريخ يعيد نفسه، مجلة المصور تتبع ذات النهج الذى وضعه مؤسسوها العظماء فى الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينى، وتسير على نفس الخط الذى رسمه روادها الأوائل فى الإصرار على مواجهة كل الدسائس المضادة لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وجيلا وراء جيل نحن على العهد مستمرون، وعلى جمر القضية قابضون، ولن يضيع حق وراءه مطالب، لأن موقف «المصور» نابع من الإرادة الصلبة للدولة المصرية شعبًا وقيادة على مر العصور، وتتابع العقود، رغم الثمن الغالى الذى دفعته مصر عن طيب خاطر فى 4 حروب متتالية عقابا لها على موقفها الثابت كالجبال فى مساندة الحق الفلسطينى فى أن يعيش فى أرضه حرا، وفى دولته المستقلة كريمًا بداية من حرب 1948، ثم العدون الثلاثى فى 1956 ثم نكسة 1967 لنصل إلى محطة نصر أكتوبر المجيد الذى ضرب غرور تل أبيب وأعوانها من أمريكان والأوروبيين فى مقتل، وزلزل فيه جنودنا البواسل من رجال القوات المسلحة الأرض تحت أقدام جيش الاحتلال، وداس على كرامته بالأقدام، وهزم أبطالنا كل التحديات الميدانية، وتفوقوا على أعتى الأسلحة والمعدات العسكرية، وغيروا جميع النظريات العسكرية، وإنا لقادرون على إعادة الكرة، وتحقيق المعجزة فى كل الملاحم.
إن مجلة المصور وأسرة تحريرها التى تقف اليوم بالمرصاد لمؤامرة تهجير الشعب الفلسطينى، وتجسد بالكلمة والصورة والفيديو عزيمة الدولة المصرية كافة فى دعم الأشقاء، ورفع شعار «تعمير لا تهجير» ليس وليد الشهور الأخيرة التى تلت الحرب الوحشية على قطاع غزة وعموم الأراضى الفلسطينية، بل إن هذا المسار الوطنى والصحفى تاريخى، وموثق بطول عمر «المصور» فى 5237 عددا، وعبر أكثر من 500 ألف صفحة، وما يزيد على مليونى صورة فى أرشيف المصور، و7 ملايين صورة مازالت «نيجاتف»، وتلك السياسة التحريرية الواضحة فى تأييد حقوق الفلسطينيين وعروبة فلسطين واضحة كالنار على العلم، ويدل على ذلك فى هذه الأيام، وتلك الشهور حرص إدارة تحرير المجلة على أن تكون المطالبة بحل الدولتين حاضرا بشكل مستمر على أغلفة المصور، وكثيرا ما نكتفى بمانشيت رئيسى فقط تأكيدا على مكانة القضية لفلسطينية لدى المصريين عمومًا، ودار الهلال والمصور خصوصًا، وعلى سبيل المثال لا الحصر مانشيت غلاف العدد 5236 كان «مؤامرة التصفية» وقبله كان غلاف العدد 5234 «التهجير مخطط خبيث.. الإعمار بأيد مصرية»، وقبله كان غلاف العدد 5233 «من اتفاق غزة إلى إعادة الإعمار.. عبقرية المفاوض المصرى»، وقبله غلاف العدد 5199 «مصر وفلسطين.. فاتورة الحماية والتفاوض»، وقبله غلاف العدد 5196 «مصر.. مهمة إنقاذ غزة، وهذا غيض من فيض اهتمام مجلة المصور بالقضية الفلسطينية، لكن المساحة لا تكفى، والوقت ضيق، ونحتاج إلى مجلدات عديدة، وأقلام كثيرة، وجهود مضنية.
وبالطبع فى حال الغوص السريع فى بعص صفحات أرشيف مجلة المصور ندرك بدون عناء، ونتحقق بغير تعب أن دعم القضية الفلسطينية حاضر لا يغيب بالكلمة والصورة، ففى 1929 تصدر مانشيتات غلاف العدد 256 الصادر فى سبتمبر 1929 مانشيت يوضح كواليس مؤامرة الصهيونية على أرض فلسطين وهو «الاضطرابات الدموية المفجعة فى فلسطين»، وجاء فى مضمون التغطية داخل العدد، تفاقمت الحالة فى فلسطين على إثر حوادث القدس المفجعة ما يدل على أن الفتنة التى جرتها تلك الحوادث فى أذيالها لم تكن وليدة ساعات معدودة، بل جاءت نتيجة مباشرة لضغائن ما فتئت تنمو فى النفوس السنين الأخيرة لاعتقاد العرب أن الصهيونية لا ترمى إلا لاكتساح الديار الفلسطينية، مع نشر صور تظهر نزوح اليهود الى الأراضى فى يافا.
وكما هى حقارة جيش الاحتلال والمستوطنين الإسرائيليين دائما فى ارتكاب أبشع الجرائم ضد الفلسطينيين لدفعهم إلى الخروج من أرضهم، تحدثت «المصور» فى هذا العدد عن جرائم العصابات اليهودية، فقد كانوا مسلحين ويمثلون بجثث القتلى من الفلسطينيين فى حين لم يفعل أهالى فلسطين هذا، بل لم يتعرضوا للنساء والأطفال، مع التأكيد أن الاضطرابات ناشئة مباشرة عن السياسة البريطانية الصهيونية، ونشرت المصور فى نفس العدد صورًا لمجموعة من الجرحى والمصابين رجالا ونساء وأطفالا من سكان مدينة حيفا نتيجة الاعتداءات الصهيونية عليهم، كما أظهرت مجموعة من الصور العمليات الجراحية التى خضع لها العشرات بسبب ما تلقوه من رصاص فى المستشفى الإسلامى بالقدس الذى امتلأ بعشرات المصابين، فضلا عن رصد المجلة لبدايات المدينة اليهودية الجديدة التى سميت بتل أبيب على مقربة من يافا بعد الحرب العظمى، وهى المدينة التى دار فيها حروب ومنازعات بين العرب واليهود، وهو ما أظهرته «المصور» بالكلمة والصورة.
وتكرر نفس السيناريو من مجلة المصور فى عددها 1099عام 1945 لتأكيد الإجماع العربى فى رفض وعد بلفور باعتباره خطوة لنزع فلسطين العربية من أيدى أبنائها، لتكون وطنا قوميا لليهود، ونقلت لمجلة على صفحاتها، كيف أن موقف مصر من شقيقتها الصغرى رائع تحدث عنه الناس فى كل مكان، فخرجت جموع الشعب المصرى والقيادات العربية والقيادات الحزبية فى مظاهرات سلمية تجوب الشوارع، منددين بذلك الوعد المشؤوم، ووقتها اتفق جموع المصريين على إضراب شامل، وترى من خلال الصور التى عرضتها مجلة المصور شارع فؤاد الأول بالقاهرة، كما بدأ فى فترة الإضراب، وفى نفس التوقيت كان مندوب «المصور» يتابع ويرصد حوادث الإرهاب الصهيونى فى فلسطين، ووصف الهجوم المسلح على محطة اللد، وما تدل عليه تلك الحوادث من بشاعة الإرهاب الصهيونى حينذاك.
وسجلت «المصور» على مدار عشرات الأعداد أحداث حرب فلسطين، ومظاهر تكاتف العرب لنصرة فلسطين وأهلها، ففى 30 يناير 1948 بعدد 1216 أعلنت «المصور» على غلافها عن وجودها فى ميدان القتال بفلسطين، ورصد مندوبها كيف تحول القتال بين العرب واليهود فى فلسطين من اضطرابات دموية إلى حرب حقيقية، وأفردت صفحاتها بالصور لفضح اعتداءات القوات اليهودية على الأماكن المقدسة، فقد اعتدوا على الجوامع فى مختلف فلسطين حتى أنهم أطلقوا الرصاص على إحدى واجهات مسجد الأقصى على مرأى ومسمع من البريطانيين، الذين لم يحركوا ساكنا لمنع الاعتداء، كما اعتدوا على الكنائس، وكذلك على القنصليات العربية.
ونددت المجلة على أغلفة عشرات الأعداد بالصهيونية، وعلى نفس المسيرة، واكبت «المصور» قضية فلسطين والحرب التى دارت على أرضها خاصة فيما قبل إعلان قيام دولة إسرائيل فى 15 مايو 1948، وجاء عدد 1230 فى 7 مايو سنة 1948 زاخرا بأكثر من موضوع حول الحرب والمهاجرين والهدنة المؤقتة بين العرب واليهود، وكذلك العدد السابق عليه واللاحق له، وكشهادة للتاريخ كان موقف «المصور» منبها ومنذرا ومحذرا بالخطر قبل وقوعه، وما كتبه صحفيوها من موضوعات مزودة بالصور الحية من الميدان كفيل بإعداد موسوعة كاملة بعنوان «المصور والقضية الفلسطينية».
وأجرت «المصور» خلال هذه الفترة الصعبة حديثا مع الملك عبدالله ملك شرق الأردن قال فيه: نحن نشارك فى إطفاء الفتنة وليس القتال، وإن يهود البلاد العربية آمنون ما داموا التزموا بالقانون، وإن العرب رفضوا قرار تقسيم فلسطين حتى لا تكون لليهود دولة على الأرض العربية، إلى جانب نشر موضوع آخر عنوانه: «المصور» فى اجتماع الهدنة فى أريحا، وهو الاجتماع الذى حضره المندوب السامى البريطانى فى فلسطين السير ألن كننجهام ، ونصت شروط الهدنة فى القدس كما وضعهتا اللجنة الدولية، أولا: الاتفاق على أن تبقى القدس مدينة مفتوحة لا يجوز لأحد الطرفين أن يتخذها مركزا لأعماله الحربية، وتتراجع قوات اليهود مساحة قطرها كيلومترين عن المدينة، ثانيا، أن تنسحب القوات اليهودية من القرى العربية التى احتلتها، وأن يعود السكان العرب إلى قراهم، وحين فشلت الهدنة بفعل المؤامرة الإسرائيلية، كما هى العادة، عبر كل مراحل الصراع العربى الإسرائيلي، عادت مجلة المصور فى أعدادها المتتالية طوال شهر يوليو سنة 1948 توضح بطولات النضال فى مواجهة أسلحة الكيان الصهيونى، ولم يخل عدد دون موضوع أو أكثر عن حرب فلسطين.
ومن اللافت للانتباه أن مجلة المصور كانت سباقة فى قراءة المستقبل، وتنبأت بأطماع الصهاينة فى سيناء، وهذا ما تم توثيقه فى عددها 1279 الصادر فى 15 أبريل 1949 من خلال الأمر اليومى الذى أصدرته قيادة القوات اليهودية إلى عناصرها، وقد وجدت صورة من هذا التوجيه العسكرى فى جيب أحد كبار الضباط الإسرائيليين ممن لقوا مصرعهم على مقربة من غزة هو وآلاف من جنود اليهود الذين حاولوا عبثا اختراق التحصينات المصرية، ونصه كالتالى: «إن مهمتكم هى إبادة القوات المصرية فى فلسطين والقضاء على القوات المعسكرة فى العريش وفتح الطريق إلى الإسماعيلية»، وكان القائد العام للقوات الصهيونية الكولونيل بيجال بادين قد أمر رجاله بالقضاء على جميع القوات المصرية فى فلسطين وسيناء، وتوهم بخياله المريض أن القوات المصرية ستتراجع إلى الإسماعيلية إذا استولى الصهيونيون على العريش فتقع سيناء كلها فى يده غنيمة سهلة، لكن القوات المصرية كانت على أتم الاستعداد، وهاجمت القوات الصهيوينة فى كل مكان، وفشل هؤلاء فى الاستيلاء على موقع مصرى واحد أو إحراز أى تقدم رغم استخدام كل الوسائل الممكنة.
وإيمانا بأهمية الوحدة العربية إصدرت «المصور» عدد سنوى بعنوان «نحن العرب» يسلط الضوء على القضايا العربية، ظل هذا العدد يصدر بشكل دائماً منذ الخمسينيات حتى توقف فى الثمانييات.
والخلاصة، أن الموقف المصرى بكل مكوناته الشعبية والرسمية والإعلامية وفى القلب منه مجلة المصور سنظل مناصرين لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود ما قبل 1967، ولن نقبل بأى حال تجهير الشعب الفلسطينى إلى أى مكان آخر، فهم أصحاب الأرض، وآن الأوان لرفع الظلم عنهم، حل قضيتهم المشروعة.
حمى الله مصر وشعبها وقيادتها ومؤسساتها الوطنية من كل سوء، ودامت السند الأول لنصرة القضية الفلسطينية.