الطبيعى أن يقوم الأبناء بدفن الآباء
وفى وقت الحرب يدفن الآباء الأبناء
وفى العدوان على غزة الأحياء، يدفنون الشهداء فى جنازات جماعية، وقد يكون بعضهم غير معروف ولكن الأكيد للعالم أن أرض فلسطين المحتلة بها مئات
الآلاف من الشهداء على مر العقود، ومنذ بدء جيش الاحتلال الحرب على غزة تخطى أعداد الشهداء الخمسين ألف شهيد وإصابة أكثر من مائة ألف فلسطينى، بالإضافة إلى المفقودين بنسبة تقارب 10 فى المائة من إجمالى سكان قطاع غزة بالكامل.
القطاع الذى دُمرت بنيته بالكامل يعيش الأغلبية فى خيام رغم موجة البرد الشديدة بلا طعام أو شراب وبلا خدمات، ومع بدء سريان الهدنة شاهد العالم أعداد النازحين وهم يعودون مرة أخرى للشمال فى تحدٍ وإصرار.
والتساؤل الذى يطرح نفسه، هل يعتقد أى شخص أو من الممكن أن يتخيل أن هذا الشعب يقبل بالتهجير بعد صموده عامًا ونصف العام، مع العلم أنها ليست المرة الأولى لعدوان جيش الاحتلال على القطاع ويقين الشعب الفلسطينى أنها لن تكون الأخيرة فالإجابة لا ومليون لا.
وكما قالها الرئيس عبدالفتاح السيسى مرارًا وتكرارًا منذ سنوات وليس اليوم إنه ضد تهجير أهالى غزة وتفريغ القضية الفلسطينية.
فالقضية الفلسطينية منذ بداية الاحتلال وهى قضية مصر على مر العصور حتى فى أحلك الفترات التى مرت على مصر فى عهد الجماعة الإرهابية كانت القضية الفلسطينية قضية الشعب المصرى الذى رفض صفقة القرن بتفريغ غزة من أهلها ومنحهم أرضًا بسيناء، واستطاع الشعب المصرى بمساندة الجيش من حماية الوطن وحماية القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطينى.
ومنذ بداية تصريحات الرئيس الأمريكى ترامب عن خطته لإعادة بناء غزة عن طريق التهجير والموقف المصرى ثابت لا يتغير مهما كانت المغريات التى يتم تداولاها من إعلام المحتل أو من تابعيه من اللجان الإلكترونية للجماعة الإرهابية.
موقف مصر الرسمى أعلنه الرئيس السيسى كثيرًا من قبل، وللحق هو أول مَن حذر من هذا المخطط وخطورته على تصفية القضية الفلسطينية، وأعلن مرارًا وتكرارًا رفضه لهذا المخطط فى فترة بايدن وحتى بعد وصول ترامب للرئاسة كان موقف الرئيس السيسى ثابتًا لا يتغير، بل على العكس زاد من موقف مصر، بالإضافة إلى التحرك السريع، سواء من الرئيس السيسى لتدويل القضية فى كل مناسبة مع كل الشركاء سواء داخليًا أو خارجيًا بجانب الدور الدبلوماسى الذى يقوم به وزير الخارجية من خلال الزيارات المكوكية أو الاتصالات مع كل دول العالم ولا ننسى البيانات الرسمية من الخارجية التى تصدر فى وقتها الصحيح وليس متأخرًا، كما كان يحدث فى الماضى ونظرًا لخطورة الموقف والتحديات التى تقع على كاهل مصر تجد فى مقابل التحرك الرسمى هناك وعيًا شعبيًا ينم حقًا عن الشخصية المصرية التى تظهر وقت الشدائد أو وقت الخطر على البلاد، فنسى الشعب بجميع فئاته وطوائفه كل مشاكله الخاصة ليعلن عن دعمه لسياسة رئيس الجمهورية، وحقًا عندما أقول الشعب المصرى هو جيش الوطن الذى يحمى ويدافع ليس فقط عن تراب الوطن ولكن عن كرامة ومكانة الوطن والأشقاء العرب؛ فمصر التى تحوى أكثر من عشرة ملايين من الأشقاء سواء فلسطينيين وسوريين وسودانيين وغيرهم هل ستكون أمامها عائق على استقبال مليونين من الأشقاء من القطاع مع الوضع فى الاعتبار أن مصر تتعامل مع الأشقاء من فلسطين معاملة المصريين فى كل شيء، سواء تعليمًا أو زواجًا أو حتى فى الرياضة وغيرها فى كل مناحى الحياة فالعائق الحقيقى هنا ليس فى الأشقاء ولكن فى تفريغ القضية الفلسطينية.
فمصر ليست دولة كبيرة من فراغ ولكن التاريخ يؤكد أن مصر على مدار آلاف السنين استطاعت أن تدافع وتحمى المنطقة بأكملها من خطر العدوان المختلف على مر التاريخ وان وقت الخطر ستجد صوت من الشعب ينادى (هنحارب هنحارب)، حتى فى عز الانهزام ولكننا لا ننكسر هذه هى الشخصية المصرية التى ننتمى لها جميعا.
مقترحات ترامب بالتهجير حتى الآن مرفوضة شعبيًا وسياسيًا والشارع العربى بأكمله ينتظر قرار الحكام العرب فى الاتفاق على خطة الإعمار وإعلاء شأن القضية الفلسطينية، ولا أجد إلا الحل الذى أعلنه الرئيس السيسى كثيرا وهو السلام القائم على حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو، وغير ذلك فهو إضاعة للوقت فبدون السلام الحقيقى لا وجود لإعادة إعمار لأنه ما هو الضامن مع بدء عملية إعادة إعمار غزة ألا يقوم جيش الاحتلال بعمليات جديدة.
فالتقديرات الأولى لإعادة إعمار غزة يتخطى 100مليار دولار وهو رقم ضخم لن تتحمله دولة بمفردها، ولكن دول العالم أجمع سوف تشارك بنصيب لإعادة إعمار غزة كما حدث من قبل.
والتساؤل الآن الذى يجب أن يتم طرحة هل يعتقد أحد أن هذا المبلغ الكبير يجد له ضامنًا من عدوان جديد من المحتل بدون سلام حقيقى؟
أثق فى بلدى وفى رئيس بلادى من وضع خطة لسرعة إعمار غزة لحماية أهلنا هناك وسرعة إعادة الحياة الطبيعية لهم وإفساد أى مخطط للتهجير ومصر قادرة على البناء بمواصفات عالمية وجودة فى أسرع وقت والسنوات الماضية فى مصر تشهد على هذا الكلام وفى ظل وجود أهالى غزة فى القطاع وهى ليست المرة الأولى التى تُسهم بها مصر فى إعادة إعمار غزة وان كان أقربها عام 2021 عندما أعلن الرئيس السيسى عن تخصيص نصف مليار دولار لإعادة إعمار غزة ونفذ على الفعل، وأتذكر جيدًا إحدى اللافتات فى شوارع غزة تحمل صورة الرئيس السيسى وكلمته «سأظل داعمًا ومساندًا للقضية الفلسطينية بالفعل قبل القول».
هذه الكلمات البسيطة تلخص الموقف المصرى والذى يؤكد أن مصر دولة كبيرة ليس ذلك وفقط ولكنها محوريه ولاعب أساسى مؤثر، وهو دليل على أن مصر عادت لمكانتها كما كانت فى الماضى دوله لها سيادة حقيقية ليست تابعة لأحد ولا تأخذ قراراتها الخاصة من الخارج، رغم كل عواقب هذه القرارات التى ندفع ثمنها من حصار اقتصادى والتلميح بتهديدات بالمساعدات وغيرها، ولكن الرئيس السيسى وبجانبه الشعب المصرى يرفض الرضوخ ويعلى قيمة الكرامة والسيادة المصرية على قراراتنا ونتحمل كل العواقب برضا نفس لأننا كبار ولا يمكن أن نعود لنجلس فى أماكن المستمعين الذين يُملى عليهم القرار مهما كانت الضغوط، فالشعب المصرى طوال تاريخه تحمل الكثير والكثير ومر بتجارب عديدة واستطاع أن يتخطاها جميعًا وهو محافظ على الشخصية المصرية.