رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

توافق مصرى أوروبى لمواجهة خطط «ترامب»


23-2-2025 | 18:56

توافق مصرى أوروبى لمواجهة خطط ترامب

طباعة
تقرير: سلمى أمجد

 

منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى رئاسة مصر فى عام 2014، شهدت العلاقات بين مصر ودول الاتحاد الأوروبى طفرة كبيرة ونقلة نوعية فى شتى المجالات، حتى أصبح الاتحاد الأوروبى الشريك التجارى الأول لمصر. وكما يولى الرئيس السيسى اهتمامًا كبيرًا لتعزيز العلاقات مع دول القارة العجوز، تحترم الأخيرة السيادة المصرية والثقل المصرى، وظهر ذلك جليًا فى الموقف الأوروبى الرافض لخطط الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الممثلة فى تهجير الفلسطينيين قسرًا من قطاع غزة، ودعمها لمصر فى التوصل إلى حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.

تتمتع السياسة الخارجية فى عهد الرئيس السيسى بنهج ثابت، فهى على مسافة واحدة من جميع الدول مع الأخذ فى الاعتبار مصلحة مصر فى المقام الأول. هذه المعادلة الصعبة التى حققها الرئيس السيسى تمكّن من خلالها من خلق شراكات وعلاقات تعاون أقوى مع العديد من دول العالم، وعلى رأسها دول الاتحاد الأوروبى. عمق العلاقات التاريخية بين مصر والاتحاد الأوروبى أكد عليها الرئيس السيسى فى العديد من المناسبات واللقاءات، باعتبار الاتحاد شريكًا اقتصاديًا واستراتيجيًا رئيسيًا لمصر. وكانت جولة الرئيس الخارجية الأخيرة خير دليل على ذلك، حيث زار الدنمارك والنرويج وأيرلندا فى ظل اتساع رقعة التعاون بما يحقق المنفعة المتبادلة والاستقرار الإقليمى. ويعتبر الاتحاد الأوروبى الشريك التجارى والاستثمارى الأبرز للاقتصاد المصرى، حيث تجاوز حجم التجارة بين الجانبين 32 مليار يورو عام 2023.

 

كما حرص الرئيس السيسى على تعزيز الاستقرار والتعاون فى شرق البحر المتوسط من خلال تحالف ثلاثى يشمل قبرص واليونان. وبدأت القمم الثلاثية عام 2014 فى القاهرة، ثم توالت فى عواصم الدول الثلاث، لدعم سبل التعاون وبحث القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

 

والتقى الرئيس السيسى، الاثنين، الرئيس القبرصى نيكوس خريستودوليديس، وتناول اللقاء الأوضاع فى الأراضى الفلسطينية. وأشاد الرئيس القبرصى بالجهود المصرية الجارية لوضع مقترح متكامل لإعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير الفلسطينيين أو خروجهم من أرضهم. وأكد الرئيسيان أن إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس تمثل الضمانة الوحيدة للتواصل إلى السلام الدائم فى المنطقة.

 

وفى يناير الماضي، انعقدت القمة الثلاثية العاشرة فى القاهرة، حيث استقبل الرئيس السيسى، خريستودوليديس، ورئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس. ويجمع الدول الثلاث تعاون اقتصادى، وتبادل تجارى واستثمارى قوى. ويعد مجال الطاقة عنصرًا محوريًا فى الاستراتيجية المشتركة، حيث يعد مشروع الربط الكهربائى بين مصر واليونان نقطة تحول حقيقية فى تعزيز التكامل الإقليمى فى هذا المجال، بما سيوفره من إمكانية تبادل الطاقة النظيفة ومساهمة فعالة فى تحقيق أهداف التحول نحو الاقتصاد الأخضر. كذلك التعاون فى مجال الغاز الطبيعى مع قبرص، والتطلع لنقله إلى محطات التسييل المصرية، لإعادة تصديره إلى الأسواق الأوروبية، فضلًا عن امتداد الشراكة بين الدول الثلاث لتشمل العلاقات الثقافية والتعليمية التى تعكس الروابط الإنسانية والتاريخية.

 

وتعليقًا على ما سبق، قال الدكتور محمد اليمنى، الخبير فى العلاقات الدولية: حرص الرئيس السيسى على عقد اتفاقيات وشراكات مهمة جدًا مع الدول الأوروبية. وساهم التبادل التجارى والتعاون فى المجالات الاقتصادية فى تقوية العلاقات مع هذه الدول، خاصةً أن مصر تلعب دورًا مهمًا فى منطقة الشرق الأوسط. وقد تطورت العلاقات «المصرية - الأوروبية» تطورًا ملحوظًا فى السنوات الأخيرة بالنظر إلى الواردات والصادرات بين مصر والاتحاد الأوروبى، وزيارات الرئيس السيسى إلى دول أوروبية مثل سويسرا والنرويج والدنمارك، هذا فضلا عن نمو العلاقات مع قبرص واليونان والمنتدى الاقتصادى الذى ترأسه مصر. كل هذه الأمور زادت من الثقل المصرى والثقة الكبيرة لهذه الدول الأوروبية فى مصر والقيادة المصرية والرئيس السيسى مما أنتج تعاونا مثمرا، حيث أصبحت مصر أرضا خصبة لجذب الاستثمارات الأوروبية ورجال الأعمال.

 

مع إعلان ترامب عن خططه المتمثلة فى التهجير القسرى للفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر أو الأردن أو السعودية، ورغبته فى السيطرة على القطاع وتحويله إلى منتجع سياحى فاخر على غرار الريفييرا الفرنسية، بدأت مصر فى تكثيف اتصالاتها وتحركاتها، الإقليمية والدولية للتوحد وراء رؤية سياسية لتسوية القضية الفلسطينية والتوصل إلى سلام شامل وعادل فى المنطقة من خلال حل الدولتين، مؤكدة اعتزامها على طرح تصور متكامل لإعادة إعمار القطاع، وتمسكها بالثوابت الراسخة والمرتكزة على حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

 

ونظرًا للشراكة القوية بين مصر والاتحاد الأوروبى، تبنّت العديد من الدول الأوروبية موقف مصر الرافض لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، بعدما أثارت تصريحات ترامب قلقًا إقليميًا واسع النطاق. ووفقًا لصحيفة «فاينانشال تايمز»، تعمل الدول الأوروبية بالتعاون مع الدول العربية على إعداد خطة عاجلة لقطاع غزة تكون بديلًا أفضل لمقترح الرئيس الأمريكى لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، ووضعه تحت الوصاية الأمريكية. وأشارت الصحيفة إلى أن اقتراح ترامب فاجأ وأثار قلق الدول العربية والأوروبية، لكنه فى الوقت نفسه، «أعطى زخمًا جديدًا لأشهر من النقاش المبدئى حول كيفية حكم غزة وتأمينها».

 

أوضح «اليمنى»، أن «الدول الأوروبية تهمها مصالحها فى المرتبة الأولى، وهناك توافق دولى إلى حد كبير فى عدم تهجير الفلسطينيين فى قطاع غزة إلى مصر، وعلى رأسهم أوروبا، وأرى أن سبب ذلك هو أن الاتحاد الأوروبى لا يريد زعزعة استقرار الشرق الأوسط لأنه لا يصبّ فى مصلحة الدول الأوروبية على الإطلاق، بل العكس سوف تتضرر هذه الدول لأن حجم التعاون مع دول منطقة الشرق الأوسط كبير بالأخص مع مصر، باعتبارها الركيزة الأساسية للمنطقة، وحلقة وصل بين الاتحاد الأوروبى والقارة الإفريقية والوطن العربي.

 

أما علاء ثابت عميد الجالية المصرية بألمانيا، فقال إن «الاتحاد الأوروبى رفض دعوات التهجير القسرى والتطهير العرقى للفلسطينيين من قطاع غزة، وكان هناك اجتماع فى مقر الاتحاد الأوروبى فى نيويورك جمع سفراء الاتحاد الأوروبى مع السفراء العرب بشأن ذلك. أما الموقف الألمانى فهو واضح من المستشار أولاف شولتس الذى وصف مقترح ترامب بـ«الفضيحة»، وقال إن نقل الفلسطينيين غير مقبول ومخالف للقانون الدولى، وهو ما يتوافق مع معظم آراء الشعب الألمانى، فمقترح ترامب لا يقبله منطق ولا عقل.

 

وأكد «ثابت»، أن الجالية المصرية بألمانيا ترفض هذه القرارات التعسفية من ترامب، وأنهم يقفون على قلب رجل واحد مع القيادة المصرية والجيش المصرى والشعب المصري، وأن تهجير الفلسطينيين من أرضهم إلى سيناء خط أحمر، وهو ما أعلن عنه الرئيس السيسى.

 

وانضمت إسبانيا أيضًا إلى فريق الرافضين، حيث رفض وزير الخارجية خوسيه مانويل ألباريس بشدة فكرة سيطرة الولايات المتحدة على غزة. وأكد التزام إسبانيا بدولة فلسطينية مستقبلية تضم غزة كجزء من أراضيها، وبحسب ما أفاد به بيان وزارة الخارجية، التقى وزير الخارجية والهجرة الدكتور بدر عبدالعاطى مع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون على هامش الاجتماع الوزارى حول سوريا الذى عُقد فى باريس الخميس الماضي، واستعرض الجهود التى تقوم بها مصر لتثبيت وقف إطلاق النار فى غزة بمراحله الثلاث، بالإضافة إلى تسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وأشار «عبدالعاطى» إلى أن التصور الشامل الذى تعمل مصر على بلورته يهدف إلى تقديم مساعدات عملية من خلال تنفيذ برامج ومشروعات للتعافى المبكر، وإعادة الإعمار، مع التأكيد على ضرورة بقاء الفلسطينيين فى أراضيهم، ومن جانبه، أشاد «ماكرون» بالجهود الحثيثة التى تبذلها مصر لتحقيق الاستقرار فى المنطقة ودعم الأمن فيها، وأكد دعم فرنسا لهذه الجهود، معربًا عن تقديره لدور مصر.

 

وتعليقًا على ذلك، أوضح خالد شقير الكاتب الصحفى المختص بالشأن الفرنسى، ورئيس جمعية مصر فرنسا 2000، أن هناك تطابقًا بين وجهتى النظر المصرية والفرنسية فيما يخص القضية الفلسطينية، حيث رفض ماكرون فى لقائه مع قناة «سى إن إن» الأمريكية شكلًا وموضوعًا الاقتراح الأمريكى وأدان قيام الجيش الإسرائيلى بالإفراط فى استخدام القوة وارتكاب جرائم حرب، ويرجع موقف ماكرون إلى احترامه للرئيس السيسى ورؤيته الثاقبة للأحداث وثقته فى القيادة المصرية فى الملفات المهمة، وقد ساهم ذلك فى وجود علاقات استراتيجية متميزة بين البلدين حسب تصريحات وزير الخارجية الفرنسى جان نويل بارو ووزير الجيوش الفرنسى سيباستيان لوكورنو. وهنا لا بدّ من الإشادة أيضًا بدور الخارجية المصرية والسفير علاء يوسف سفير مصر بفرنسا وهو دور كبير فيما وصلت إليه العلاقات بين البلدين، وفى إيصال التكامل الثقافى والفنى والتاريخى بين البلدين منذ فترة طويلة، وفرنسا تدرك أن مصر تمثل حجر الزاوية فى جنوب المتوسط والشرق الأوسط.

 

وأضاف «شقير»: أنه يجب أيضًا أن نثمّن دور الدكتور بدر عبدالعاطى وزير الخارجية والهجرة والذى طرح وجهة النظر المصرية والتى تدفع إلى رفض فكرة التهجير لما لها من تداعيات خطيرة ليس فقط على غزة ومنطقة الشرق الأوسط بل على جميع أنحاء العالم، وتوحيد المواقف ليس فقط مع الدول العربية ولكن مع القارة الأوروبية من خلال فرنسا، والتى تتبنى وجهة النظر المصرية فى أهمية إيجاد حل سياسى سريع، وهو حل الدولتين ورفض مشروع ترامب نتنياهو للتهجير.

 

وعلى هامش مشاركته فى الدورة الـ61 لمؤتمر ميونخ للأمن الجمعة الماضي، التقى «بدر عبد العاطي» مع عدد من كبار القادة والمسئولين الدوليين أعضاء مجموعة «The Elders»، والتى أسسها الزعيم الراحل نيلسون مانديلا لدعم السلام حول العالم حرص فيه على استعراض الجهود المصرية المتواصلة برعاية الرئيس السيسى حيث تناول اللقاء الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط، وما تشهده مصر من تحديات من كافة اتجاهاتها الحدودية، ولا سيما الحرب على قطاع غزة، ودار نقاش حول سبل الحفاظ والبناء على اتفاق وقف إطلاق النار فى القطاع وصولًا إلى تنفيذ حل الدولتين، بالإضافة إلى ترتيبات التعافى المبكر وإعادة الإعمار فى القطاع.

 

وفى سياق متصل، تعددت لقاءات وزير الخارجية مع نظرائه من إستونيا وبولندا وأيسلندا والنرويج ورومانيا وإسبانيا والدنمارك فى إطار تنسيق التعاون بين مصر والشركاء فى الاتحاد الأوروبي، وحرص «عبدالعاطى» كذلك على تناول آخر التطورات فى قطاع غزة وتوضيح الجهود المصرية الرامية إلى تسوية القضية الفلسطينية فى اللقاءات كافة، وفى لقائه مع أنطونيو كوستا، رئيس المجلس الأوروبي، طلب رئيس المجلس الأوروبى نقل تحياته لرئيس الجمهورية، مثمنًا الدور المحورى لمصر فى إنجاز اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة، ودعم الأمن والاستقرار بالشرق الأوسط، مؤكدًا أن مصر تعد شريكًا هامًا للاتحاد الأوروبي، ومن جانبه، أشاد «عبدالعاطى» بالتطورات التى تشهدها العلاقات مع الاتحاد الأوروبى منذ صدور الإعلان المشترك لترفيع العلاقات للشراكة الاستراتيجية والشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبي، والأهمية التى توليها مصر للتنفيذ الكامل لكافة محاور الشراكة الاستراتيجية، ورحّب بالحزمة المالية الأوروبية المقدمة لمصر، مشيرًا إلى التطلع لدعم رئيس المجلس الأوروبى لسرعة اعتماد الشريحة الثانية بقيمة 4 مليارات يورو.