رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

مائة عام من التميز


25-2-2025 | 20:38

مائة عام من التميز

طباعة
بقلـم: أشرف غريب

 

صدرت «المصور» لتبقى وتستمر.. هذه حقيقة لا جدال فيها، صحيح ظهرت قبلها ومعها مجلات أخرى، لكنها ثانية اثنتين– بعد شقيقتها مجلة الهلال –التى حافظت على استمراريتها طوال مائة عام، وهو عمر لو تعلمون عظيم، وعدد من السنين يفوق عمر كثير من دول المنطقة بل والعالم كله، ومنذ صدور «المصور» فى أكتوبر 1924 وهى تعطى – من بين اهتماماتها المتعددة – اهتماما ملحوظا بالثقافة والفنون وكافة مجالات الإبداع المختلفة، ما تجلى فى وجود صورة تمثال نهضة مصر للفنان محمود مختار على الغلاف الأخير للعدد الأول من «المصور» قبل مائة عام.

وقبل صدور «المصور» كانت هناك العديد من المجلات والنشرات الفنية، لكنها كانت أقرب إلى مجلات الهواة وعشاق الفنون، وتفتقر إلى أسباب نجاحها وبقائها، وهو ما توفر للمولود الجديد المستند إلى دار صحفية عريقة وراسخة هى دار الهلال التى كانت فى ذلك الوقت قد تجاوزت اثنتين وثلاثين سنة من عمرها، ومن هنا التف المبدعون حول مجلة «المصور» وراحوا يعتبرونها واجهتهم أو لسان حالهم، ووجد القارئ على صفحاتها ما يشبع نهمه للمعرفة ومتابعة النشاطات الفنية المختلفة.

 

ظهرت «المصور» بالتزامن تقريبا مع بزوغ نجم كل من أم كلثوم وعبدالوهاب فى عالم الغناء واستقرار دولة نجيب الريحانى ويوسف وهبى فى المسرح، وبداية محاولات رائد السينما محمد بيومى، ومحاولة الإيطالى المتمصر «فيكتور روسيتو» تقديم فيلم روائى طويل هو «فى بلاد توت عنخ أمون» مواكبا للاكتشاف الهائل لمقبرة الفرعون الصغير، ذلك الاكتشاف الذى هز العالم فى حينه، ولم تكن «المصور» على صفحاتها بعيدة عن هذا كله، ومع توالى المحاولات لتقديم أول فيلم روائى مصرى طويل معترف به كانت مجلة «المصور» فى عام 1927 شاهد عيان على هذا الجدل الذى صار حول الفيلم الذى له فضل السبق فى العرض الأول وهل هو «ليلى» الصامت فيلم المنتجة والممثلة عزيزة أمير أم هو «قبلة فى الصحراء» فيلم الأخوين إبراهيم وبدر لاما، بل إنى أزعم أن تغطية «المصور» لمراحل تنفيذ وعرض الفيلمين بين عامى 1927 و1928 هى التى حسمت الأمر لصالح فيلم «ليلى»، الذى تم عرضه فى السادس عشر من نوفمبر 1927 بسينما متروبول فى القاهرة قبل أسابيع من عرض الفيلم الآخر بداية عام 1928، وبفضل تلك التغطية امتلكت دار الهلال أقدم صورة سينمائية فى كل الأرشيفات العربية. 

 

ورغم قيام دار الهلال بإصدار مجلة فنية متخصصة هى الكواكب بداية من عام 1932 فإن «المصور» لم تتوقف عن العمل على مد القارئ العربى بكافة التغطيات الفنية والأدبية لا سيما أخبار السينما والمشاهير، مع إعطاء أهمية واضحة لنجوم هوليوود باعتبار المجلة نافذة مهمة على الثقافات العالمية خاصة مع توافر الإمكانات الطباعية المتقدمة فى ذلك الوقت التى أتاحت لها الاهتمام بالصورة وعناصر الإبهار المختلفة، ولم يكن هذا الاهتمام فقط نقلا مترجما وإنما كان صحفيو «المصور» يصنعون الحدث أيضا، فى عدد العشرين من يناير 1950 مثلا أجرى الأستاذ فكرى أباظة حديثا تليفونيا مع النجمة إيستر ويليامز، ونقل الكاتب الكبير أجواء هذا اللقاء التليفونى إلى قراء «المصور» حيث قال:

 

«أعدت شركة اليونايتد بريس حديثا تليفونيا بين المس إيستر ويليامز النجمة الأمريكية المعروفة وبينى، ولعل الشركة قد علمت أننى زميل قديم فى السباحة للكوكب السينمائى وأننى كنت بطلا من أبطال العوم كما هى الآن، وقد كان أول اتصال تليفونى بينى وبين صديقتى وزميلتى إستر فى فيللا الدكتور نجاتى بك بالمعادى منذ أيام، وكنت بين مجموعة من السابحات الفاتنات المصريات اللواتى لا تتجاوز أعمارهن الثامنة عشرة وفى مقدمتهن البطلات الناشئات ليلى نجاتى وبيللا طوبجى وصفية ثروت، فلما تكلمت إيستر ويليامز هجمت الفتيات على سماعة التليفون وكل منهن تحاول أن تقتنصها منى، فقطعت المخابرة ولم تسمع إيستر شيئا، لكن الفتاة العظيمة لا تنسانى أبدا ولقد أصرت على أن تتصل بى مرة ثانية، ولن أنسى هذا الشرف.»

 

ولم ينس فكرى أباظة من جانبه أن يزف إلى قراء «المصور» فى نهاية الحوار بشرى أن نجمة هوليوود سوف ترد على استفسارات القراء التى تصل للمصور بالبريد.

 

كما ابتكرت «المصور» فكرة أن يتحدث الفنانون فى الأمور السياسية وها هى تفسح المجال للموسيقار محمد عبدالوهاب حيث قال فى عدد الأول من سبتمبر 1950: إن السياسة المصرية بحاجة إلى رجل يبعث فيها دما جديدا كما فعل سيد درويش بالموسيقى المصرية، فمتى يظهر سيد درويش آخر فى دنيا الموسيقى، ومضى عبدالوهاب فى هذا المقال يتحدث عن الشيوعية وعن الحرب الكورية وعن قوة الدولار الأمريكى، وعن أداء الحكومة المصرية.

 

كما انفردت «المصور» فى عدد الثامن من سبتمبر 1950 بالصور الأخيرة التى التقطها مصور دار الهلال للممثلة كاميليا قبل صعودها إلى الطائرة التى احترقت بها قبل ذلك التاريخ بأيام، ومع قيام ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952 زاد اهتمام «المصور» بالفن وبالدور الذى يلعبه، وتجلى ذلك بوضوح فى معركة السويس عام 1956 بداية من الفنانين التشكيليين الذين خلدوا صمود بور سعيد فى لوحات وتماثيل شاهدة على هذه الملحمة ومرورا على أغنيات النصر وأفلامه لا سيما فيلم بور سعيد الذى قدمه فريد شوقى تلبية لدعوة الرئيس عبدالناصر، وواكبت «المصور» التفاف الفنانين فى الستينيات حول مشروع السد العالى، كما أعطت فى عهد الكاتب أحمد بهاء الدين اهتماما خاصا لأخبار نجمته المفضلة فاتن حمامة سواء فى مصر أو بعد خروجها هاربة من مطاردة صلاح نصر، وكذلك قامت بتغطية المشاركات المصرية المتعددة فى المهرجانات والفعاليات الثقافية والفنية المختلفة.

 

وبعد هزيمة يونيو 1967 لم تتخلف «المصور» عن متابعة انعكاس ذلك على الحياة الفنية فى مصر كما قامت بتغطية رحلات أم كلثوم لصالح المجهود الحربى فى كل من لبنان والكويت وفرنسا وتونس والمغرب وليبيا والسودان وأبو ظبى، ثم كان نصر أكتوبر 1973 وكل ما صاحبه من زخم فنى ملموس انعكس على صفحات «المصور»، فكانت حاضرة مثلا فى الحفل الذى أقامه الرئيس السادات لجرحى أكتوبر بحديقة مستشفى المعادى للقوات المسلحة بحضور كوكب الشرق أم كلثوم والموسيقار محمد عبدالوهاب وبعض الفنانين الآخرين، ونشرته بالكلمة والصورة فى عدد السابع عشر من مايو 1974، كما أصدرت أعدادا خاصة بمناسبة النصر، يقول الموسيقار بليغ حمدى مثلا فى الاحتفال بالذكرى الأولى لانتصارات أكتوبر: «الكلام عن الأغنية بعد 6 أكتوبر يدفعنى للرجوع بذاكرتى إلى 5 يونيو 1967 عام النكسة، عندما أسترجع هذا التاريخ أشعر أننا نحن الملحنين كنا قد اشتركنا فى جريمة دون أن نعى، كنا نلهب حماس الشعب بلا هوادة حتى وصلنا به إلى قمة الثقة بالنصر ثم خر صريعا على صخرة الهزيمة، وربما كان هذا الشعور الداخلى هو نفسه الذى تناول الأغنية فى حرب العبور، فجاءت الأغنية فى قالب رصين هادئ متدفق لا يثير فى النفس إلا الحنين إلى النصر» ولم تنس «المصور» فى العدد ذاته إلقاء الضوء على السينما والفنون التشكيلية والأدب وكيف عبر مبدعوها عن انتصارات أكتوبر.

 

وفى الثمانينيات وقت تولى الكاتب الكبير مكرم محمد أحمد رئاسة تحرير «المصور» ازداد الاهتمام بصفحات الفن مواكبا لكثير من الأحداث والمستجدات مثل المد الإرهابى وظاهرة حجاب الفنانات وافتتاح العديد من الصروح الثقافية والفنية، وهو ما دأب عليه كل من أتوا بعده، وصولا إلى تجربة الصديق عبداللطيف حامد رئيس التحرير الحالى الذى أكملت «المصور» فى عهده عامها المائة وهى لا تزال على العهد فى تقديم خدمة صحفية مميزة تشبع نهم القارئين المصرى والعربى باعتبارها المجلة الأم لكل الإصدارات اللاحقة عليها، وأنا على يقين من أن كتيبة صحفيى «المصور» تعى تماما نبل الرسالة التى لا تزال المجلة تضطلع بها، ومسئولية التاريخ الذى يحملونه أكتافهم، إذ ليس من السهل أن تكون مسئولا عن الحفاظ على مائة عام من النجاح بل والتأسيس عليه من أجل مئات أعوام أخرى من الإنجاز والتميز.