رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

عُمان ... التعايش والدعوة للحوار والحل السلمي للنزاعات مرتكزات تاريخية راسخة


26-2-2025 | 12:17

أحمد تركي .... خبير الشؤون العربية

طباعة
بقلم: أحمد تركي

المتتبع لتاريخ سلطنة عُمان منذ القِدم سيجد بأن العقلية العُمانية زاخرة بفكر مستنير قوامه حب المجتمع للسلام وميله إلى إحكام العقل في حل النزاعات ونبذ أي شكل من أشكال العنف أو إقصاء الآخرين أو التصادم مع الغير، والدعوة للحوار والحل السلمي للنزاعات.

لقد حافظت سلطنة عمان على نهج التسامح والتآخي والألفة والمحبة، ونبذ العنف والتطرف والغلو، وعاش المجتمع العماني في انسجام وتلاحم، مستلهما فكره ونهجه من الدين الإسلامي الداعي للتسامح، وانبنت السياسة العمانية الحكيمة على المستويين المحلي والدولي على مبادئ السلام والوئام، وهي انعكاس لطبيعة المجتمع العماني وانفتاحه على الآخر.

ورسخت القيادة السياسية العُمانية على مدار التاريخ، أسس التعايش الاجتماعي، حيث وضعت القوانين والأنظمة التي تحث على المساواة والتعايش بين فئات المجتمع، وسخّرت كل السبل من أجل المضي وفق هذا النهج الذي جنّب البلاد دعوات الفرقة والتطرف التي لا تؤدي إلا إلى الدمار والخراب.

ونأت سلطنة عمان دائما عن التدخل في شؤون الغير أو التدخل في الصراعات، ودعت عبر المحافل الدولية إلى السلام، وأسهمت في حل الكثير من الملفات الشائكة، مما انعكس ذلك إيجابيا على سمعتها كوسيط نزيه لحل النزاعات بين الدول والشعوب، واكتسبت احترام العالم، ويشهد القاصي والداني أن سلطنة عمان تعَد نموذجا ناجحا في التعايش السلمي.

يرجع ذلك لعدة اعتبارات، منها، طبيعة الإنسان العماني ونهجه المتسامح وتقبله للآخر لاعتبارات إنسانية، والأسس الراسخة التي ارتكزت عليها السياسة الخارجية العُمانية.

مجتمع متسامح مع نفسه والآخر

والواقع أن هذا الفكر العُماني المستنير تجسد من خلال العديد من الشواهد التاريخية على مر التاريخ منذ القِدم، وفي مقدمة ذلك، تلك الرسالة المحمدية الكريمة إلى أهل عُمان يدعوهم فيها إلى دخول الإسلام، فتقبلها ملكا عُمان عبد وجيفر ابنا الجلندى برحابة صدر وبعقل حكيم وفكر مستنير وبتدبر سديد، وأجابا دعوته المحمدية الكريمة فدخلا الإسلام الحنيف طواعية ومن خلفهم كافة العُمانيين وبقلوب ممتلئة بمحبة الله ورسوله، ومنفتحة للدين الجديد الذي يدعو الناس إلى مبادئ العدالة والمساواة، وكفالة الحريات الشخصية بما يتوافق مع الشريعة السمحاء لكافة شرائح المجتمع، ويرسي قواعد التعامل مع كافة الدول والشعوب.

ولا شك أن هذا الفكر العُماني المستنير على مر العصور جعل من سلطنة عُمان والعُمانيين محل إعجاب وتقدير وإشادة من قبل مختلف شعوب العالم، وجعلهم ذلك بمثابة صمام أمان ومقصد آمن تلجأ إليه الأطراف المتنازعة لإيجاد حل لنزاعاتهم وخلافاتهم سواء كانت نزاعات أو صراعات عسكرية التي قد تنشأ بين بعض الدول سواء في المحيط الجغرافي لسلطنة عمان أو خارج المحيط الجغرافي، أو صراعات ناعمة إلا أن لها تأثيرات اقتصادية وتداعيات أمنية على مجتمعات تلك الدول.

ولطالما دافعت سلطنة عُمان عن خيار الحوار والوساطة بصفتها أدوات أساسية لحل النزاعات، وهذه مواقف تؤكد أن السلام الدائم لا يتحقق بالقوة، بل من خلال التفاهم والتعاون والاحتكام إلى القوانين والمبادئ الدولية والإنسانية. ويمكن الرجوع في هذا السياق لتجارب عملية مارستها سلطنة عُمان عبر وساطاتها في الملف النووي الإيراني وكذلك في الحرب على اليمن، حيث أدت دورا محوريا في اتخاذ خطوات كبيرة وحاسمة للخروج بنتائج جنبت الجميع ويلات الحرب.

وحقيقة القول، فإن ذلك النهج الدبلوماسي الذي تنتهجه سلطنة عُمان، والذي يتميز بتأكيده على الحوار والتفاهم والحل السلمي للنزاعات، يعد مثالا مشرقا لدول العالم، وفي عالم مليء بالاستقطابات والصراعات والتحولات والأزمات الإنسانية وإن خيار السلام العادل الذي تدعو له سلطنة عُمان هو الخيار الذي يجنب الجميع المزيد من الدماء ويقود العالم إلى التعايش والاحترام المتبادل. 

كما تؤمن سلطنة عُمان بأن العلاقات الدولية يجب أن تُبنى على أسس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة لذا تعمل على هذه الأسس لتعزيز التعاون الثنائي والمتعدّد الأطراف مع الدول المختلفة. وتحرص سلطنة عُمان على أن يكون لها دورٌ فعّالٌ في المنظمات والمؤتمرات الدولية في ظل التحديات المعقدة التي تواجه العالم اليوم لتبقى جسرًا للتواصل ونبراسًا يضيء درب التعاون والتفاهم بين دول العالم.

ومن بين المسببات التي هيأت لسلطنة عُمان هذه المكانة المرموقة بين دول العالم أيضا أنها أبعدت نفسها عن الدخول بشكل مباشر أو غير مباشر في أي نزاع أو خلاف إقليمي أو دولي، أو تأجيج الخلافات، ونأت عُمان بنفسها عن المشاركة في أي عمل عسكري ضد أي دولة من الدول؛ وذلك لإيمانها الراسخ بأن حل أي نزاع يجب أن يكون أساسه الحوار البنّاء بين كافة الأطراف.

المساهمة البنّاءة في حلحلة أي نزاع

وفي المقابل فإنها تبدي دائما استعدادها للمساهمة البنّاءة في حلحلة أي نزاع قد ينشأ بين دولتين أو أكثر بالطرق السلمية وبالحوار البنّاء الذي مؤداه تحقيق العدالة للأطراف المتنازعة، ودائما ما تعمل بشفافية ونزاهة واضحتَيْن لكل الأطراف، وهي بذلك تكون على مسافة واحدة بين كافة الأطراف ذات العلاقة، متمسكة بمبادئ الحق والعدالة وحق العيش الكريم لكافة الشعوب وعدم الظلم، وعدم إقصاء شعب عن أرضه ومقدساته بأي شكل من الأشكال.

واستطاعت سلطنة عمان أن تحافظ على أمنها واستقرارها ومكانتها بالرغم من الأوضاع التي مرت بها المنطقة، لتعيش بعيدًا عن العنف والصراعات طوال العقود الماضية بفضل سياساتها الحكيمة ونهجها القائم على الحوار، والتسامح، والتعايش السلمي، وهذا الأمر لم يكن بالصدفة، بل هو نتاج جهود مضنية ومتواصلة من القيادة الحكيمة، والمجتمع العُماني الذي تبنّى هذه القيم وجعلها جزءا أساسيا من ثقافته وهويته.

ووفقاً للدراسات الاستراتيجية العالمية المعنية بالمنطقة، فإن عُمان تُعد نموذجا يُحتذى به في التسامح ونبذ العنف، فجعلت سياساتها الداخلية والخارجية تقوم على مبادئ التفاهم، والحوار، والاحترام المتبادل، وذلك منذ عهد المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - وهو النهج ذاته الذي يسير عليه قائد عُمان وباني نهضتها المتجددة السلطان هيثم بن طارق، وعَبَّر عنه في الخطاب السامي الأول متضمنا المبادئ والقيم السامية للدولة العُمانية الأصيلة، والمآثر، والركائز الراسخة لأبنائها، ودور كل ذلك في رسم الذات العُمانية المتسامحة والمتعايشة مع بعضها بعضًا ومع الغير بعيدًا عن الفرقة، فكانت عُمان حاضنة الأمن والأمان وقاعدة تنطلق منها رسالة السلام إلى العالم بأسره بفضل سياساتها الحكيمة التي تدعو إلى التسامح والتعايش السلمي داخليا وخارجيا.

ومن أجل الحفاظ على التعايش السلمي والدعوة للحوار ونبذ العنف، الذي تتمتع به سلطنة عمان، ولإستدامة هذه الركائز الإستراتيجية في بنيان الشخصية العُمانية، ثمة توجيهات عُمانية سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي أو المؤسسي، إلى مجموعة من العناصر اللازمة لتعزيز الولاء والانتماء للوطن لدى أفراد المجتمع، وإشعارهم بأهمية التمسك بالقيم الدينية والأخلاقية والعادات والتقاليد وما يترتب على ذلك من انعكاسات إيجابية تحقق أعلى درجات الاستقرار والطمأنية، ومن ثم تحقيق الأمن والأمان كنتيجة حتمية لذلك. 

ومن هذه العناصر تعزيز الهوية العُمانية القائمة على القيم الأصيلة مثل التسامح، والتعايش، والولاء للوطن يجب أن تظل محورا أساسيا في حياة الأفراد، والتركيز على غرس قيم الانتماء والاعتزاز لدى المجتمع العُماني والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي ودعم فئة الشباب وتمكينهم وإشراكهم في تنمية المجتمع من خلال تبنّي برامج خاصة تضمن مشاركتهم في الجوانب الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، والرياضية وتعزيز دور الأسرة في المجتمع.

إجمالاً يمكن القول، أن الإعلام العُماني بكل ألوانه ومؤسساته يقود هذه التوجهات الإستراتيجية والمبادئ الراسخة الثابتة، ويمضي وفق رؤية واضحة ومسار موحداً مرئيا ومقروءا ومسموعا في نقل سياسة سلطنة عمان المتزنة والمتسقة، بين تسامحها الداخلي وحيادها الإيجابي في القضايا الخارجية، والجمع بين قيمها الثقافية ومبادئ الحكمة السياسية.