لم تكن محض صدفة، إنه القدر، منحة ربانية، أعطاها لى الوهاب، تفاءلت بها جداً، حيث أحتفل باليوبيل الفضى على بداية عملى بالصحافة، بينما أعيش عامى الـ 50، وفى الوقت نفسه أخصص هذه الكلمات لمجلتى الحبيبة، احتفالاً بعددها المئوي، على صدور أول أعدادها فى العام 1924م.
«المصور»، تلك المجلة الصحفية المهنية متكاملة الأركان، مجلة تربت عليها أجيال لا تحصى من القراء، كذلك أخرجت أجيالاً من عظماء بلاط صاحبة الجلالة، وكنت أنا ضمن هذه الأجيال الذى نشأت ذاكرتهم عبر صفحاتها، وكان من حسن حظي، انتدابى بها، محرراً متدرباً، أيام أحد عمالقتها، ممثلاً فى شخص الراحل مكرم محمد أحمد قائد تحريرها ورئيس مجلس إدارتها.
توليت ملف الاحتلال الإسرائيلي، وتجاوزات هذا الكيان فى حق العرب، وكانت مهمتى الصحفية هى البحث والتدقيق فى الصحف العبرية، ثم اختيار أبرز الملفات لعرضها على رئيس التحرير، ليختار أهمها، ليتم ترجمته ونشره، وذلك تحت إشراف وتوجيهات أستاذتى نهال الشريف، رئيس القسم الخارجى بالمجلة - وقتها، وصاحبة الفضل عليّ، بعد الله عز وجل فى تدريبى وإرشادى وصقل موهبتي، وكانت ولا تزال خير مثال لمعنى التربية والتقويم والتوجيه، بمنتهى التواضع والحكمه المفرطة.
فى «المصور»ـ وجدت معنى مصطلح مهنى كثيراً ما كان يتردد داخلي، رأيت المعنى الأصيل للأسرة الصحفية، الكل يتعامل بحب ومسئولية لإصدار المجلة فى أبهى صورة، ملفات قوية وانفرادت صحفية - كعادة «المصور»، طوال مائة عام.. ثم رأيت هذا المعنى واستمتعت به بقوة، عندما حانت الفرصة لأتشرف بالعمل فى العدد التذكارى برئاسة تحرير شابة مميزة، بقيادة زميلى وصديقى عبداللطيف حامد، الذى أنجز فى رئاسته عددا تاريخيا يؤرخ للصحافة المصرية والعربية أجمع، فى وقت قياسى بشهادة كبار المهنة.
ولعلنى أذكر هنا، أن رحلة العدد المئوي، هى الأصعب، فتاريخ 100 عام، يجب أن نسرده فى صفحات، لذا كانت مهمة شاقة، بداية من مرحلة البحث عن المواضيع والأحداث المهمة فى قرن من الزمن، فهنا، يجب أن نسير داخل «قطار سريع لا يهدأ»، يومياً رحلة جديدة فى جعبة زمنية مختلفة خلال مراحل حساسة فى كافة المجالات، سياسية واجتماعية وفنية وثقافية ورياضية.
وكنت أنا وزملائي، كلما بدأنا مرحلة أو حقبة من الزمان ننبهر بالمواضيع والأفكار، فماذا نختار من بين هذا وذاك وتلك، وكيف نتناولها بأسلوب يمتع ويثرى القارئ.. ورغم هذه المهمة الشاقة، إلا أننى كنت أتمنى ألا أنتهى منها.. فتحية لجنود كتيبة مجلتى الغراء (المصور.. تاريخ مصر يكتب هنا).
......
شعر: السيد عثمان
مَا لِى إِذَا صُغْتُ الكَلَامَ أُحلِّقُ
(مِائةٌ) وأَلْهَثُ خَلْفَها لا أَلْحَقُ
الحَرْفُ حَاورَنى فكيفَ أُجِيبُه
والغَرْبُ قد أَصغَىٰ لَنا والمَشْرِقُ
لسْتُ السُّطورَ يَدُ الزَّمانِ تَصُوغُها
لـٰكنَّها حُجَجٌ تَرُدُّ ومَنْطِقُ
فأنَا (المُصَوَّرُ) و(الهِلالُ) أُبُوَّتِى
عَقَدُوا الرِّهَانَ فكَيْفَ لا أتَفَوَّقُ
فَهُنا الثقافةُ لا يَضِلُّ غِرَاسُها
نحْوَ الوَرَىٰ وهُنَا المَشاعِرُ تُوْرِقُ
كمْ طافَ حولَ منَائِرى مُتَشَوِّقٌ
وببابِ حُبِّى العَارِفُون تَحَلَّقُوا
لا تحْفَظُ الأيَّامُ إلَّا صِدْقَها
ولِكُلِّ هَاويَةٍ يسيرُ الأحْمَقُ
ما غَيْرُ كَفِّ الصُّبْحِ خَطَّ حَقِيقَتِي
والصَّبْحُ ما غَيْرُ الحقيقةِ يَعْشَقُ
ليسَ التأَلُّقُ للسُّطِورِ وإنَّما
أمْجَادُ مَنْ صَاغُوا السُّطورَ تَأَلَّقُ
وهُنَا الرِّيَادَةُ أقْسَمتْ كَلِمَاتُها
وشَذَا العَرَاقَةِ دَائِماً لا يُسْبَقُ
وأَسِيرُ إنْ رَفَّتْ طُيورُ مَدِينةٍ
هذا يَراعِى شاهدٌ ومُوثِّقُ
صفحاتُ وجْهِى لا تبيعُ سماءَها
أبداً لِمنْ رَكِبوا الهَوىٰ وتملَّقُوا
(مِائةٌ) تَمُرُّ وللمسافَةِ رَوْعَةٌ
وكتيبةُ العُشَّاقِ لا تتفَرَّقُ
قَلْبِى ومصْرُ تَحَالفَا إذْ حَيْثُما
أعلامُها خفَقتْ فقلْبىْ يَخْفِقُ
عهْدِى إلىٰ هـٰذى البلادِ منَحْتُه
قَلَمٌ يَرُدُّ المُعْتَدِينَ وفَيْلَقُ
هَذِى يَدِى حَمَلتْ قضِيَّةَ شَامِخٍ
وأَدُوسُ فى قَدَمى رِيَاحَاً تَنْعِقُ
جاهَدْتُ حيْثُ يكونُ وجْهُ مُجاهِدٍ
ولِرَمْيَةِ الحَقِّ المُبِينِ أُصَفِّقُ
وهُنَاكَ مَا انْكَفَأَ المَدَىٰ أَبَدَاً ولا
أُفُقُ اليقينِ مِن الكِنانَةِ يُسْرَقُ
والعُرْبُ قد صَفُّوا الصفوفَ تَقُودُهم
للمجْدِ قَاهِرةُ المُعِزِّ وجَلَّقُ
صلّتْ أَغارِيدُ الأَمَانِ عَلَى فَمِي
وانْسَابَ عُصْفُورُ السَّلامِ يُزَقْزِقُ
(مِائةٌ) ومَازالَ الرَّبيعُ ببَابِنا
والشمسُ حاضِرَةٌ هُنَا والمَشْرِقُ
(مِائةٌ) مِن الأَعْوامِ تَحْكِى قِصَّةً
ما انفَضَّ مسْرَحُها ولا المُتَذَوِّقُ
شِعْرِى إِذَا ذَكَرَ المُصوَّرَ يَنْتَشِى
صِدْقَاً وعَاطِفَةُ السِّنينِ تُعَبِّقُ
شعْرى إذا ما لِلْمصوَّرِ صُغْتُه
فَهَوَ الأَمَانةُ للأَمِينِ تُطوِّقُ
...................
إلهام الأجيال
بقلم: منار عصام
مائة عام من العطاء تجعلنا ننحنى إجلالًا لمجلة «المصور»، التى كانت وما زالت منارة للثقافة والفن والصحافة العربية. منذ تأسيسها عام 1924، حملت إلينا صورًا وكلماتٍ رسمت تاريخ الأمة، وسجلت أفراحها وأتراحها. كانت شاهدة على الثورات، منبرًا للأدباء، ومرآةً لعصرٍ متغير. «المصور» ليست مجرد مجلة، بل هى حكاية حب بين القارئ والكلمة والصورة. فى ذكراها المئوية، نرفع لها التحية، لأنها جزء من روحنا وذاكرتنا الجميلة.
مجلة «المصور» ليست مجرد صحيفة، بل هى تاريخ حى يحمل بين طياته مائة عام من الإبداع والثقافة. منذ تأسيسها عام 1924، أصبحت رمزًا للصحافة العربية، تنقل الصور والكلمات التى شكلت وجدان الأمة. من الأحداث السياسية الكبرى إلى التحولات الاجتماعية والفنية، كانت «المصور» دائمًا فى القلب، تروى حكايات الوطن بأسلوب يجمع بين الجمال والعمق. هى مدرسة للصحافة، ومنبر للأدباء والفنانين، ومرآة تعكس تطور المجتمع. بمناسبة مئويتها، نعشقها أكثر لأنها جزء لا يتجزأ من ذاكرتنا الجماعية.
منذ صدورها، كانت «المصور» مجلة أسبوعية تتنوع موضوعاتها بين الأخبار السياسية، التحقيقات الصحفية، المقالات الأدبية، والصور الفوتوغرافية التى كانت تعكس الأحداث الجارية فى مصر والعالم. وقد تميزت المجلة بكونها من أوليات المجلات التى اهتمت بالصورة كعنصر أساسى فى نقل الخبر، مما جعلها تحظى بشعبية واسعة بين القراء.
تُعد مجلة «المصور» تعد إرثًا صحفيًا وثقافيًا لا يُستهان به، ومنبرًا مهمًا لتغطية الأحداث الوطنية الكبرى حيث كانت شاهدة على تحولات كبيرة فى التاريخ العربى الحديث. وبمناسبة مرور 100 عام على تأسيسها، تظل المجلة رمزًا للصحافة العربية الأصيلة، التى تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتستحق أن تُحتفى بها كواحدة من أبرز الإنجازات الإعلامية فى العالم العربي.
على الرغم من التحديات التى واجهتها المجلة، خاصة مع ظهور الصحافة الرقمية وتراجع الإقبال على الصحافة الورقية، إلا أن «المصور» استمرت فى الصدور، محافظة على مكانتها كواحدة من أهم المجلات العربية. وقد حاولت المجلة التكيف مع العصر الحديث من خلال إطلاق نسخة إلكترونية منها، لتواكب التطور التكنولوجى وتصل إلى جمهور أوسع .
لعبت «المصور» دورًا بارزًا فى تشكيل الوعى الثقافى والسياسى للقراء العرب، حيث كانت تناقش قضايا هامة مثل الاستقلال الوطني، الحرية، والعدالة الاجتماعية. كما كانت المجلة منصة لنشر أعمال كبار الكتاب والأدباء المصريين والعرب، مثل نجيب محفوظ، طه حسين، ويوسف إدريس، مما ساهم فى إثراء الحركة الأدبية ا
لعربية.