يوما وراء يوم يؤكد أن الدولة المصرية صاحبة إرادة لا تلين، وعزيمة لا تنكسر، وقدرة لا تنهزم، فى كل المواقف التى تمس الأمن القومى، وذات بأس شديد فى مواجهة جميع المخاطر التى تتربص «الدوائر» باستقرار الوطن، وتسعى كالأفاعى لضرب أمنه، فعلى الفور، وبلا حسابات لأى ثمن، ودون تردد من أى عائق، يعلو صوت القاهرة يزلزل الأرجاء محذرا، ويزعزع الأعداء مهددا، وفى الوقت نفسه يطمئن المصريين، أنه لا تراجع عن حماية الحدود وتأمين الثغور مهما تتابعت الضغوط، وتنوعت التحديات، فلا مهادنة مع أصحاب المخططات الخبيثة، ولا مجال للدخول فى جدال عبثى مع المتآمرين الذين يتلونون كالحرباء لتمرير أوهامهم الخيالية، وأحلامهم المريضة، على حساب الأمن القومى المصرى.
إن سياسة «الخط الأحمر» التى تتبناها مصر، فى التصدى لكل المهددات، وجميع المؤامرات، نجحت فى إجهاض المخططات كافة، والمكائد عامة، فقد سبق أن قال الرئيس السيسى فى 2017: «إن أمن الخليج خط أحمر بالنسبة لنا، ويجب على الآخرين ألا يتدخلوا فى شئوننا، ولا يصلوا بالأمور إلى شكل من أشكال الصدام»، وكان ذلك رسالة واضحة لإحدى القوى الإقليمية حتى تقف عند حدها، وتمتنع عن استخدام لغة القوة فى ابتزاز الأشقاء، لأن التحرك المصرى «مسافة السكة»، وبالفعل كان ولايزال هذا التحذير محل تقدير واحترام، فلا استعراض للعضلات، ولا تمادى فى الاستفزازات، وعادت الأمور لنصابها الصحيح، وفرضت القاهرة إرادتها، ونفذت رغبتها بلغة الأفعال وليس الأقوال والشعارات، كما تفعل بعض القوى فى المنطقة من أجل الشو الإعلامى، وادعاء الأدوار حتى تسوِّق نفسها بأنها مؤثرة وفاعلة وذات ثقل بغض النظر عن حقيقة ما تقوله، أو جدية ما تدعيه، وهو ما شاهدناه رأى العين ضمن تداعيات حرب غزة.
وبالصوت والصورة، وكله موثق فى سجل اليوتيوب عملاق الفيديوهات، وأرشيف اللقطات بلا حاجة للمزيد من الشرح والتحليل، لأنه إذا كانت الصورة بألف كلمة فى عالم الصحافة فإن الفيديو بمليون صورة فى عالم الميديا، فقد شاهد العالم كله الرئيس السيسى خلال تفقده عناصر المنطقة الغربية العسكرية فى يونيو 2020، وهو يقول بلهجة حاسمة، وأعصاب حديدية: «سرت والجفرة بالنسبة لنا خط أحمر»، فحلَّت هذه العبارة الرئاسية كالصاعقة على كل الفصائل المتطرفة وأعوانهم وحلفائهم فى الداخل والخارج على السواء، وترجمت الرسالة على أرض الواقع، بإعلان حكومة الوفاق وقف إطلاق النار فى جميع الأراضى الليبية، ومطالبة بعثة الأمم المتحدة ببدء ترحيل القوات الأجنبية والمرتزقة، وفى الوقت نفسه نزلت هذه الكلمات من الرئيس السيسى بردا وسلاما على قلوب المصريين، ثقة فى قدرات قواتنا المسلحة على حماية الأمن القومى على كل الجبهات، وجميع الجهات، ونفس الطمأنينة شعر بها الشعب الليبى، فقد تيقن أن له سندا قويا، وركنا شديدا يأوى إليه وقت الشدة، ويعينه وقت الحاجة، ويستنصره وقت الأزمة.
وبالانتقال إلى تطورات القضية الفلسطينية، وتداعيات حرب إسرائيل الغاشمة على قطاع غزة بغرض تنفيذ مخطط التهجير، وتصفية القضية، لا ينكر أحد أن مصر صاحبة الفضل الأول فى إفشال هذه المكيدة الوقحة، وتلك الدسيسة الدنيئة، فالوقائع متعددة، والشواهد متتابعة، والمواقف متعاقبة على أن القيادة السياسية ممثلة فى الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ الأيام الأولى لتوابع عملية «طوفان الأقصى» فى أكتوبر 2023 سبقت الجميع فى رؤية المشهد، ونبهت إلى ملامح خدعة دولة الاحتلال، وخطورة أن يقف العالم متفرجًا على أزمة إنسانية كارثية يتعرض لها مليونان ونصف المليون إنسان فلسطينى فى قطاع غزة، يُفرض عليهم عقاب جماعى وحصار وتجويــع وضــغوط عنيفــة للتهجير القسرى.
بل إن الرئيس السيسى وضع النقاط على الحروف، وسطر بلسان عربى مبين الخط الأحمر، وكشف النقاب عن مخطط نتنياهو وحلفائه من المتطرفين فى الحكومة، ومن لفَّ لفَّهم من المسئولين الأوروبيين والأمريكان؛ حتى قبل أن تظهر نياتهم الحقيرة فى الترويج لمكيدة التهجير، أو تتردد على ألسنتهم الحداد مقولات نقل الفلسطينيين إلى خارج أراضيهم بحجج واهية، وأكاذيب مفضوحة، وهنا قال الرئيس بحزم وحسم فى قمة القاهرة للسلام فى 21 أكتوبر 2023: «أكدت مصر، وتجدد التشديد، الرفض التام، للتهجير القسرى للفلسطينيين، ونزوحهم إلى الأراضى المصرية فى سيناء؛ إذ إن ذلك ليس إلا تصفية نهائية للقضية الفلسطينية وإنهاء لحلم الدولة الفلسطينية المستقلة، وإهدارًا لكفاح الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية والإسلامية، بل وجميع الأحرار فى العالم، على مدار 75 عامًا، هى عمر القضية الفلسطينية.. كما أؤكد للعالم بوضوح ولسان مبين، وبتعبير صادق، عن إرادة وعزم جميع أبناء الشعب المصرى فردًا فردًا: أن تصفية القضية الفلسطينية، دون حل عادل، لن يحدث وفى كل الأحوال «لن يحدث على حساب مصر».
ولم تحد القاهرة أبدا عن هذه الثوابت فى التصدى لمؤامرة التهجير بكل ما أوتيت من قوة، وما تمتلك من تأثير دولى وإقليمى، فتوالت التأكيدات، وتتابعت الإثباتات، وتواصلت البراهين من المؤتمرات الأممية إلى المنتديات العالمية وصولا إلى اللقاءات الثنائية مع مختلف زعماء ورؤساء العالم على أن هذا التدبير الشيطانى من حكومة الاحتلال مستحيل أن يمشى على قدمين، وأنه سيظل حبيسا فى صدور المتطرفين الإسرائيليين ومنْ على شاكلتهم، وسيتحول هذا التفكير الجهنمى إلى نار تغلى فى قلوب صُنَّاعه، وعلقم فى أفواه منْ سانده، لأن القيادة المصرية بحكمتها المعهودة، وصلابتها المألوفة، وقراراتها المدروسة أغلقت كل الأبواب، وسدَّت جميع الذرائع التى يمكن أن يتغلغل منها حديث الإفك حول التهجير، وعلى مدى أكثر من 15 شهرا ظلت القاهرة قابضة على جمر القضية الفلسطينية، رافعة شعار «لا تراجع عن حل الدولتين وفقا للقوانين والقواعد الدولية، فلا سلام ولا استقرار فى منطقة الشرق الأوسط إلا بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود ما قبل يونيو 1967، ولتذهب أوهام نتنياهو وبن غفير وبتسلئيل إلى مزبلة التاريخ، وكما أفشلت مصر من قبل مخططات مرجومة ضد حقوق الفلسطينيين على مدى 77 عاما تقريبا هى عمر القضية، فإنها قادرة على وأد كل المؤامرات المسمومة الآن مهما راوغ منْ يديرون دفتها كالثعالب من أجل اختطاف الأرض، وإضاعة الحق الفلسطينى التاريخى.
وبلا مبالغة أو تهويل، كانت إجابتى منذ أن سمعت مخطط التهجير على كل المتسائلين حول مدى طاقة الرئيس السيسى على تحمل ما تنوء به الجبال، مفادها على الدوام وبلا أى تفكير أنه طالما الرئيس قال: «لن يحدث»، فهو لن يتحقق أبدا، والدولة المصرية لا يمكن أن تخضع لأى ضغوط أو ترضخ لأية إملاءات، بل الأهم أيضا أنه حتى اللعب بورقة الإغراءات، ونهر المكاسب لم يفلح مع القاهرة، ولن يفلح رغم الأرقام الضخمة، والأموال الباهظة من ماركة أيزنهاور، وبالطبع لا أذيع سرا عندما أقول إن مصر رفضت عروضا أمريكية وغربية نشرت تفاصيلها فى عدة صحف ومواقع إخبارية عربية وأجنبية فى مقابل استقبال أهالى قطاع غزة، وبناء مدينة لهم فى سيناء، ومع تتابع الرفض تزايدت المبالغ حتى وصلت إلى 450 مليار دولار بالإضافة إلى سداد ديون مصر، وبعزة نفس وتأكيدا على الثوابت التاريخية فى الحفاظ على مستقبل فلسطين، تجاهلت القيادة الوطنية كل هذه العروض، وتمسكت بإرادتها القوية، فلم ولن تبيع أبدا القضية.
ومن المؤكد أن هذا الموقف المصرى الراسخ ضد التهجير شعبا ودولة جعل دوائر صنع القرار الأمريكى تتحسب من أمرها، وتتدخل لدى الرئيس دونالد ترامب للتراجع عن خطته أو مخططه الذى تسلمه جاهزا من مجرم الحرب نتنياهو، فمن المعلوم بالضرورة، شاء منْ شاء وأبى من أبى، أن المصريين على قلب رجل واحد فى الوقوف بالمرصاد لأى قوى أو دولة تقترب من محددات الأمن القومى، ومنها القضية الفلسطينية، وأن المواطنين سيقفون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا فى ظهر قائدهم ورئيسهم لإفساد تلك المؤامرة، وها هو الرئيس الأمريكى يعدل تصريحاته، ويغير بوصلته لأنه فوجئ برفضها مصريا وأردنيا، وأُزيده من الشعر بيتا لعله يفهم، عدم القبول بأى حال عربيا ودوليا، فهذا ظلم لن نشارك فيه كما قال الرئيس السيسى، إنها الإرادة المصرية «النافذة» فى كتابة شهادة وفاة التهجير بلا رجعة.
نعم، إرادة مصر «نافذة» فى إعادة إعمار قطاع غزة مع الإبقاء على الأهالى، ويتوالى دخول دفعات المعدات لإزالة آثار العدوان، وإقامة البيوت المتنقلة لتسكين العائدين إلى موطنهم، تمهيدا لانطلاق خطة التعمير بشركات مصرية وسواعد وطنية، وسيتغير وجه الحياة فى غزة خلال وقت قياسى بالخبرات الكبيرة فى مجال التنمية، ومسار البناء المتراكم فى تجربة المشروعات القومية على مدى أكثر من 10 سنوات، مع استمرار شاحنات المساعدات من مختلف السلع، والمستلزمات الدوائية والإغاثية، ناهيك عن أنه بالأدلة القاطعة لم يستطع جيش الاحتلال أن يحرر المحتجزين إلا فى أجواء وقف إطلاق النار والتوافق على الهدنة، وهو ما أكده مرارا وتكرارا المفاوض المصرى خلال الشهور الماضية، ولو كان هناك رجل رشيد فى الحكومة الإسرائيلية، وأجبرهاعلى الاستجابة لنداءات القاهرة وإرادتها الصادقة لتراجع عدد الوفيات فى صفوف المحتجزين الذين يتواصل تسليمهم جثثاً ورفاتاً، وتلك ستظل نقطة سوداء فى مسيرة نتنياهو، فهو وجيشه منْ قتل هؤلاء المختطفين خلال القصف المكثف للأخضر واليابس فى غزة، إنه عمى البصيرة وليس البصر، «وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون«.
حمى الله مصر وشعبها وقيادتها
ومؤسساتها الوطنية من كل سوء