فى العلاقات بين الدول لا يوجد مكسب وخسارة كما يتخيل البعض، فهناك مصالح مشتركة بين الدول حتى فى ظل وجود خلافات أو حتى صراعات فيما بينها والأمثلة كثيرة جدا وإن كان أشهرها أمريكا والصين وحالة الصراع للهيمنة الاقتصادية
ففى عالمنا الجديد أصبح الاقتصاد اللاعب الأول فى المعادلة السياسية للدول، ولم تعد قوة الجيوش هى المتحكم الأوحد، كما لم تعد هناك سيطرة لدولة على العالم، وأصبحت القوة للتجمعات الاقتصادية لأصحاب المصالح المشتركة.
ومنذ عشرات السنوات ظهرت المطالبات بإنشاء الدول العربية لسوق مشتركة أو اتحاد أو تحالف عربى قوى لمواجهة السيطرة العالمية على المنطقة سياسيا واقتصاديا، ولكنها كانت محاولات ضعيفة نظرا لحجم التحديات التى تقابلها من القوى العالمية ضد وحدة الدول العربية.
ولعلنا نذكر جميعا آخر مرة توحدت فيها الدول العربية كانت أثناء حرب أكتوبر المجيدة وظهرت قوة توحد العرب، ومن وقتها تيقنت القوى العالمية لخطورة مثل هذا التوحيد فى الموقف العربى والتى قادته مصر، وعلى مدار أكثر من نصف قرن كانت المخططات تدور لإحباط أى توحيد للموقف العربى سواء بإشعال الفتنة بين الدول وبعضها وفتنة السنة والشيعة، ودفع الدول للدخول فى حروب مع دول شقيقة حتى تنهار الجيوش، ومنها ما حدث مع جيش العراق ومن بعدها الجيش السورى، بجانب الغزو الثقافى للمجتمع العربى، وتارة بوصم العرب بتهمة الارهاب لاستغلال الدول العربية لمحو هذه التهمة بأى شكل ومخططات لإسقاط الدول من خلال المظاهرات مثلما حدث فى ثورات الربيع العربى ومخططات أخرى كثيرة.
ويظل الهدف منها عدم توحيد صفوف العرب مرة أخرى؛ رغم المحاولات على فترات متباعدة ولكنها لا يكتب لها النجاح أو أن يكون لها تأثير حقيقى بجانب عدم الاستمرارية، ولكن تظل مصر رغم كل الظروف وضعف الإمكانيات قادرة على أن تدافع عن العرب ليس بالكلام، فما حدث من مخططات ثورات الربيع العربى مازالت آثاره واضحة على المنطقة، ولم يحبط ذلك المخطط إلا مصر بشعبها وجيشها وكشف المخطط أمام دول العالم أجمع، ورغم مرور حوالى 14عاما على مخطط الربيع العربى، فهناك دول لم تذق طعم الاستقرار حتى يومنا وما زالت غير قادرة على العودة لوحدتها ومكانتها السابقة، وهنا لا أريد أن أتخيل ماذا كان وضع مصر بدون 30 يونيو أو بالأدق ماذا سيكون وضع المنطقة بأكملها ؟!
ولا أدعى أن مصر دولة كبيرة لأنها حقيقة تاريخية لا يستطيع أن ينكرها أحد وخاصة الدول المهيمنة عالميا، والتى تسعى دائما أن تكون مصر دولة ضعيفة وأيضا لن أقارن مصر بأى دولة شقيقة بعد مخطط ثورات الربيع العربى من حيث الاستقرار وإعادة بناء الدولة.
اليوم عندما أتحدث عن موقف الرئيس السيسى الرافض لمقترحات الرئيس الأمريكى ترامب أقول إنه موقف ليس بجديد سواء عن شخصية الرئيس أو عن الشخصية المصرية.
فالرئيس السيسى عندما كان وزيرا للدفاع رفض صفقة القرن بمنح أرض من سيناء لأهالى غزة، ولم يخرج على الشعب للإعلان عن المخطط الذى رفضه الجيش المصرى لكى يكسب تأييد ودعم الشعب المصرى؛ لأنه كمواطن مصرى قبل أن يكون ضابطا بالقوات المسلحة يرفض تصفية القضية الفلسطينية، ويرفض بيع أرض مصرية، وللعلم منْ كشف عن صفقة جماعة الإخوان الصهيونية الأمريكية كان الرئيس محمود عباس أبو مازن.
وهذا دليل على أن ما يدور اليوم عن مقترحات للتهجير هو مخطط موجود منذ سنوات؛ ولذا كان الرئيس السيسى أول رئيس يحذر منه، بل ويعلن رفضه أكثر من مرة لإدارة بايدن بشجاعة، مما زاد من الضغوط الأمريكية الصهيونية على مصر بشكل اقتصادى.
وكان الرئيس السيسى فى كل مناسبة يعلن عن موقفة الشجاع لرفض أى محاولات لتهجير أهالى قطاع غزة وإعلانه للعالم؛ حتى جاء الرئيس الأمريكى ترامب وطالب بتنفيذ اقتراح التهجير، وهنا استطاعت مصر بقيادة الرئيس السيسى إعادة توحيد كلمة العرب قيادة وشعبا ضد التهجير وإعادة إعمار غزة.
وهنا شقان؛ الأول عربى والثانى مصرى.
فالشق الأول هو توحيد الموقف العربى لمساندة القضية الفلسطينية، فهل من الممكن أن تكون قمة القاهرة وما تشهده الأحداث من تقارب عربى وموقف واحد معلن تجاه القضية الفلسطينية بداية لتجمع عربى اقتصادى حقيقى فى ظل وجود كل الإمكانيات التى تخلق كيانا عربيا اقتصاديا كبيرا قادرا على المنافسة العالمية فى ظل تواجد رءوس الأموال والأيدى العاملة والموقع الجغرافى المتميز والثروات الطبيعية المتواجدة بالمنطقة بالإضافة إلى الثروة الشعبية؟.
نعم هو حلم ظل يراود الشعوب العربية على مدار عقود، ولم يتحقق منه سوى جامعة الدول العربية والتى يتراجع دورها السياسى غير الملزم للدول الأعضاء.
أعتقد أنه حان الوقت للتفكير جديا فى تجمع اقتصادى عربى كبير لتوحيد العرب اقتصاديا، وسيكون له تأثير قوى سياسيا أيضا لكل الأنظمة العربية.
أما الشق الثانى فهو شأن داخلى مصرى، فمنذ 30 يونيو والمخططات على مصر لا تتوقف، وظلت مصر على مدار عام فترة تولى المستشار عدلى منصور رئاسة البلاد تعمل فى عدة اتجاهات خارجية لتوضيح حقيقة الثورة فى مصر، وأن الشعب المصرى هو صاحب القرار ونفى كل أكاذيب الجماعة الإرهابية عن مصر، وداخليا كانت محاربة الإرهاب أهم قضية لإعادة الاستقرار والأمن للبلاد والتمهيد لإجراء انتخابات رئاسية، ومنذ تم انتخاب الرئيس السيسى استكمل ما بدأ فيه المستشار عدلى منصور، واستطاع محاربة الإرهاب وإعادة الأمن للبلاد والاستقرار فى فترة زمنية وجيزة؛ لأنه حارب الفكر الإرهابى بالفكر وحارب الإرهابيين بالجيش والشرطة، واستطاع أيضا أن يحارب ويسقط كل المخططات التى تُحاك ضد مصر بالتعمير والبناء، واستطاع خلال سنوات قليلة بناء جمهورية جديدة أهم عنصر بها هو المواطن المصرى، فالمشاريع العملاقة والقومية التى تمت فى زمن قياسى لم تكن من نصيب المحافظات الكبرى، ولكنها فى كل محافظات الجمهورية بدون أى تفرقة، وأنا هنا لا أسرد تفاصيل المشروعات التى يعلمها المصريون جيدا ولكن أريد أن أذكرهم وأذكر نفسى أنه لولا تلك المشروعات لكنا ما زلنا نغرق فى مشاكلنا الداخلية ونعيش على بنية تحتية متهالكة وزحام متواصل وخدمات سيئة، وكان البناء مستمرا فى نفس توقيت محاربة الإرهاب، واستطاع الرئيس السيسى محاربة الإرهاب فى سيناء بسلاح تنمية سيناء التى ظلت عقودا تعانى من إهمال الدولة لها، وهو الأمر الذى شعر به المواطن السيناوى من اهتمام الدولة بتقديم كافة الخدمات لهم كمواطنين مصريين بعد عقود من النسيان.
وفى الجمهورية الجديدة لم تكن الدلتا هى محور الاهتمام بل إعمار الصحراء مثلما حدث فى العاصمة الإدارية الجديدة أو التطرق لمناطق مهملة مثل رأس الحكمة وغيرها، وكانت السمة الرئيسية مع كل مشروع قومى هو حالة الهجوم من اللجان الإرهابية وغيرها عن مدى الاستفادة من تلك المشروعات، كما كان الهجوم عن إعادة بناء قدرات القوات المسلحة بأحدث الأسلحة والمعدات وتنوع مصادر السلاح، ورغم حالة الهجوم إلا أن الرد من الرئيس السيسى كان دائما بمتابعة البناء وجذب الاستثمارات، فالجمهورية الجديدة هدفها المواطن المصرى وإعادة مصر لمكانتها التاريخية.