رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الخروج عن سرب العولمة


28-2-2025 | 00:36

الخروج عن سرب العولمة

طباعة
بقلـم: د.وفاء على

تراكمت الأحداث وأمريكا تلهب النار بالحروب التجارية من أجل إثبات من يحكم العالم اليوم، أما العولمة كحلم فقد اختفت فى ظروف غير غامضة ومعطيات جلوس العالم للبحث عن السلام الاقتصادى غير موجودة وقد حل محل العولمة ما يسمى بالمصلحة أى لا توجد مصالح سياسية وإنما مصالح اقتصادية، أي ببساطة إن جاز التعبير بيع سياسة وشراء اقتصاد.

 

ولا شك أن الجميع ظل كثيراً يهلل للعولمة استبشاراً بالرفاهية والتقدم ثم اكتشف العالم أن العولمة الاقتصادية تحديداً أصبحت أشبه ببيوت العنكبوت فى عالم متعدد الأزمات فقد تمنى الجميع في دول العالم وتطلع الكثير إلى نظام متعدد الأقطاب لتخفيف الأضرار التي عانى منها العالم على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

المؤكد الآن أن الواقع الذي نعيشه هو أننا بصدد عالم متعدد الأزمات وأن الخطوات التي يمكن أن تؤهل لنظام عالمى متعدد الاقطاب لكنه شديد البطء ،والتنمية الاقتصادية غير متكافئة فى مختلف أنحاء العالم.

 

وقد تؤدى بصورة متزايدة إلى التطرف وإلى حالات النزاع التى تهدد الحياة فى نهاية المطاف وتؤدي الاتجاهات السلبية فى التنمية الاقتصادية إلى تكثيف الاختلالات القائمة التى تسهم بدورها في تزايد التهديدات والتحديات التى تواجه الأمن والتنمية الاقتصادية المستدامة عالميًّا، ولذلك هناك نموذج من التكتلات العالمية التى تدعو إلى الوحدة بدلاً من الانقسام والتعاون بدلاً من الصدام الاندماج بدلاً من الانفصال والتحذير قد لا نرى ذلك فى ظل إمساك أمريكا والغرب بالعديد من خيوط الواقعين السياسي والاقتصادى رغم تلك الثقوب التى أوجدتها الأحداث الأخيرة خاصة مع الممارسات الروسية في سوق النفط والغاز ووضع أوروبا في مأزق أزمة غير مسبوقة فيما يتعلق بالطاقة.

 

وما نتج عنها من تداعيات اقتصادية واجتماعية جعلت بعض مكونات العولمة الاقتصادية كخيوط العنكبوت.

 

وطرحت سؤالاً مهمّاً: هل مازال العالم يحتاج إلى العولمة وخصوصاً الاقتصادية،؟. والمتابع لحلبة الصراع فى الحرب الروسية- الأوكرانية يلاحظ أن كلّاً من روسيا من جهة وأوروبا من الجهة الأخرى، ومعها أمريكا تراهنان على الزمن لحسم الصراع وهو أمر يعنى بالفعل سيراً على جسد العالم وروحه اقتصادياً وسياسياً.

 

فروسيا مثلا تراهن على انتهاء الحرب فى أسرع وقت قادم بعد انحياز ترامب لروسيا وطمعه فى معادن أوكرانيا وإمكانية الدخول فى مفاوضات وحوار سياسي لتسوية القضية من خلال وجهة نظر أمريكا وخروج روسيا من دوامة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

 

ولتعويض خسائرها الاقتصادية التى ترتبت على دخولها هذه الحرب، أما أمريكا وأوروبا اللتان كانتا تراهنان على إطالة زمن تلك الحرب بما يؤدى إلى مزيد من الخسائر واستنزاف روسيا اقتصادياً لتتحقق خسائرها عبر الأسلحة التقليدية والعقوبات الاقتصادية دون الدخول فى دوامة استخدام السلاح النووى، لذلك السيناريو الأسوأ للعالم كان استمرار الآثار السلبية على الاقتصاد العالمى المرتبطة بالرهان الأمريكي على إطالة أمد الحرب واستنزاف العالم .

 

وتستمر أزمة الطاقة وتداعياتها على معدلات التضخم والتى ضربت العالم كله وعلى رأسها أمريكا نفسها وترامب صاحب أمريكا أولاً ،بينما ستكون هى الضحية الأولى الانعزال والخروج عن سرب العولمة.

 

ومن الطبيعي أن أمريكا وأوروبا لا ترغبان فى أن يتطور الصراع مع روسيا مما يجعل خسائر تمويل الصراع تزيد وانتزاع ورقة النفط والغاز نهائياً من روسيا فى إدارتها لهذا الصراع وهو أمر غاية فى الصعوبة .

 

لكن إذا نجح الغرب في تأمين إمدادات الطاقة إلى الأسواق العالمية بما يسمح لأسعار النفط والغاز أن تكون بأسعار مقبولة مما يدفع التضخم إلى الهبوط وهنا سيصبح من السهل التعامل مع بقية أجندة الأزمات التى يعيشها الاقتصاد العالمى.

 

النفط والغاز الأمريكى أولاً.. رسائل متضاربة يوجهها ترامب فى هذا السياق، ويتصور أنه يعيد الهدوء إلى المنطقة وتأمين المعروض النفطي في محاولة للسيطرة على التضخم العالمى خلاصاً من العولمة الاقتصادية التي جلبت التشديد النقدى والتضخم وتعطيل الاستثمارات.

 

لا شك أن الأمر لا يحتاج إلى شرح لتلك السلسلة المعقدة من حيث السبب والنتيجة فكون الحرب الروسية الأوكرانية قائمة ولا يرى أحد لها حلّاً إلا الحل السياسي ومعنى ذلك أن مشكلة الطاقة مستمرة وستظل مشتعلة وعاملاً أساسياً ومغذياً لاستمرار موجات التضخم وجاء تخفيض إنتاج (الأوبك+)، وأيضاً روسيا لإنتاج النفط ليعمق المشكلة، ونظل فى دائرة أكذوبة العولمة الاقتصادية. وأكدت الحرب فى غزة تغيير ديموغرافية المفاهيم نحو العولمة ومصيرها بعد الانحياز الكامل من الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل والمشهد العالمى يتشكل من جديد واستغنت الصين عن سياسة منتصف العصا وبدأت فى جذب الجنوب العالمى باستثمارات للقارة الإفريقية تقدر بـ 50 مليار دولار خلال ثلاث سنوات مقبلة وعلى أمريكا صاحبة دبلوماسية اللحظات الأخيرة أن تلحق بها، فالدعم الكلى لإسرائيل من أمريكا جعل كفة الميزان تكسر حاجز العولمة الواهية .

 

فالعالم يعيش مرحلة غير مسبوقة من التضخم وتسعى السياسات النقدية في العديد من الدول لكبحه إلا أن الخطر الأكثر تهديداً هو أن يتحول تباطؤ النمو إلى ركود وهو ما قد يحدث بالفعل وعلى رأسها الولايات المتحدة نفسها التى وضعت السم فى العسل بما يسمى العولمة التى ضربت وجودياً وقد أطاحت رغبات ترامب بالعولمة بصفة نهائية.

 

وهذا ما يدفعنا للتساؤل عن العولمة الاقتصادية وما جلبته للدول خصوصاً العربية من منافع ومسالب فى ظل الأوضاع الجديدة .

 

فالعولمة الاقتصادية تعنى نشر القيم الغربية في مجال الاقتصاد مثل الحرية الاقتصادية وفتح الأسواق وترك الأسعار للعرض والطلب وعدم تدخل الحكومات في النشاط الاقتصادى، وربط اقتصاد الدول النامية بالاقتصاد العالمى.

 

وهذا يعكس زيادة حركة رؤوس الأموال ،وتفسح المجال واسعاً أمام أصحاب رؤوس الأموال لجمع المزيد من المال وهناك تعريف آخر يعبر عن الحالة السانحة ألا وهي تحول العالم إلى منظومة من العلاقات الاقتصادية المتشابكة التى تزداد تعقيداً لتحقيق سيادة نظام اقتصادى واحد يتبادل فيه العالم الاعتماد بعضه على بعضه الآخر فى كل من الخامات والسلع والمنتجات ورؤوس الأموال والعمالة والخبرة حيث لا قيمة لرؤوس الأموال من دون استثمارات ولا قيمة للسلع دون أسواق تستهلكها .

 

ولا شك أن العولمة الاقتصادية هى الأكثر اكتمالاً وتحققاً على أرض الواقع من العولمة الثقافية أو السياسية وبالنظر إلى أهداف العولمة الاقتصادية وهل تحققت؟، نرى منها أهداف المؤيدين للعولمة بالطبع هى أهداف جاذبة فى شكلها ولكن طالتها خيوط العنكبوت.

 

ومن المفترض أن تحل العولمة المشكلات الإنسانية المشتركة، وكان من الطبيعي ان يتبنى المتفائلون والهيئات هذه الأهداف وكذلك المنظمات الرئيسية التى تلعب دوراً مهماً في العولمة الاقتصادية كالبنك الدولى وصندوق النقد الدولى ومنظمة التجارة العالمية لكنها لم تتحقق على أرض الواقع نظراً لعدم التزام المنظمات الدولية بها أصلاً.

 

والهيمنة التى تبديها الدول الرأسمالية على هذه المنظمات تتعارض مع هذه الأهداف المعلنة فرفع مستوى المعيشة وزیادة الدخل يعارض سياسة إزالة دعم السلع المعيشية أو زيادة الضرائب أو الخصخصة وما يترتب عليها من بطالة ولكن الحقيقة التى يراها معارضو العولمة وهى موجودة بالفعل على أرض الواقع، فالعولمة لها أهداف خفية تتمثل في هيمنة الدول الرأسمالية على الاقتصاد العالمى باستخدام أسالیب كثيرة كالشركات متعددة الجنسيات والبنك الدولي وصندوق النقد الدولى وفرض توسيع النظام المصرفى وربط اقتصاديات الدول النامية باقتصاديات الدول الرأسمالية والسيطرة على الدول بقصد استغلال ثرواتها والقضاء على الهوية الثقافية والوطنية للإنسان وتغيير مفهوم الأسرة القائم على القيم الاجتماعية وإضعاف دور الدولة هكذا يرى معارضو العولمة .

 

وكان لزاماً علينا ونحن بهذا الصدد أن نناقش ماذا فعلت العولمة بالعالم العربى، تزايد تبعية الاقتصاد العربى للاقتصاد العالمى مما يعنى إضعاف الأمن الاقتصادى بسبب تأثر الاقتصادات الوطنية بتقلبات السياسة الخارجية. وتزايد التفاوت في الدخول . والتأثير على الميزانية العامة فى الدول العربية بسبب خفض التعريفة الجمركية على المنتجات المستوردة .

 

وتعرض القطاعات الاقتصادية السلعية والزراعية والصناعية والخدمية والخدمات المالية والاتصالات والنقل والتوزيع وغيرها لهجمات تنافسية من السلع والخدمات المستوردة من الدول المتقدمة مما يؤدى لإخفاء الصناعات غير القادرة على المنافسة.

 

وأن إلغاء الدعم الزراعى وتطبيق برامج الإصلاح الزراعى في البلدان الصناعية و التقدمية يؤدى إلى ارتفاع أسعار السلع الزراعية الغذائية وينعكس ذلك سلباً على موازين المدفوعات فى الدول العربية خاصة التي تستورد الغذاء .

 

وتفشي البطالة وزيادة عدد الفقراء والتخلف الاقتصادي والجريمة المنظمة .وتشجيع الاستثمارات غير المنتجة التي تدر أرباحاً فقط . وتصدير الصناعات الأكثر تلويثاً للدول العربية .

 

وغيرها من الانعكاسات السلبية لآثار العولمة على العالم العربي ولذلك لابد من العمل على فهم العولمة والتعامل معها عربياً وعدم التسرع في اتخاذ القرارات والحذر الشديد، فالعالم وقع فى خيوط العنكبوت كما قلنا وإعادة هيكلة المنظومة العربية ككتلة واحدة تستطيع أن تتابع المعطيات والمتغيرات والنتائج .

 

والآن خرجت العولمة بإفراز جديد هو “صراع الحضارات” سواء على الصعيد السياسي، الاقتصادى، الاجتماعى، الثقافى وبدأت العولمة تصطدم بأيديولوجيات مختلفة مما تسبب فى تصادم في معتقدات الشعوب ومفاهيم العولمة.

 

إن العولمة الاقتصادية وغيرها قد لا تكون عادلة حيال الدول العربية والنامية فالمجتمعات العربية دخلت ضمن إطار العولمة مجبرة دون أن تشارك في تقرير مصيرها واستجابتها لهذا النظام الجديد وهناك اتجاهان لدخول الدول العربية فى هذا النظام العالمى من خلال التدخلات الخارجية حيث سعت القوى المهيمنة لزعزعة الأمن وعدم الاستقرار أو القوة التى استخدمت لتفكيك الدول والأنظمة القومية .

 

ومحاولة إدخال الدول العربية فى إطار العولمة التى تهدف في المقام الأول إلى فرض الهيمنة من الدول الكبرى على الشرق الأوسط ولعل أهمها المشروع الذى جاءت به الولايات المتحدة الأمريكية وهو مشروع الشرق الأوسط الكبير الذى تحطم على يد رجل الأقدار المضيئة الرئيس عبد الفتاح السيسي .

 

لقد أتى ترامب بمعركة المبررات تحت عنوان أمريكا أولاً لنسأل السؤال العالق هل قوة التوازن أم توازن القوى هو الأهم لنرى روح ترامب تسيطر على تراكم الأحداث بعيداً عن المنحنيات العالمية .

 

ومجمل القول أننا، نستطيع أن نقول إن الدول النامية والناشئة والعالم العربي هى أول المتضررين من نظام العولمة وأن العالم متعدد الأقطاب لا متعدد الأزمات هو (الأفضل) فقد عانت دول العالم غير القوى الكبرى من نقص السلع الرأسمالية والتكنولوجية . لقد أخرت العولمة فى كثير من الدول التخطيط لمشاريع البنية التحتية ذات النفع العام مثل الكهرباء والمواصلات والنقل وساهم ذلك وتأخره فى تأخر وعرقلة النهضة الصناعية في عدة دول .

 

كما تسببت آثار العولمة فى نقص الموارد المالية لدعم الصناعات حيث اتسمت كثير من الدول النامية بالاحتياج وقلة توافر الموارد التى تدعم قيام المشروعات، وهنا نستطيع القول إن العولمة من وجهة نظر ترامب تعنى إبقاء الدول النامية فاقدة السيطرة على استثماراتها من خلال رسم ملامح السير على الروح.

 

لقد أصبحت الدول النامية بسبب العولمة غير قادرة على إحداث نمو حقيقى بسبب الهزات الشديدة القوية التى يتعرض لها العالم بسبب الأحداث الاقتصادية العالمية فتحرير الخدمات المالية والمصرفية والتجارية قد أثر بشكل كبير على صعيد زيادة الدخل من العملة الصعبة إذن فالعولمة لم تأت بأحسن ما عندها والمطلوب منها ولكن عملت على تحقيق أهدافها الخفية في السيطرة والهيمنة

 

أما عن الشأن المصرى فقد استطاعت مصر خصوصاً بعد ثورة 30 يونيو “الإبحار بعيداً عن الخطر” بكسر أحلام قوة الهيمنة فى مشروع الشرق الأوسط الجديد وترى أن العولمة الحقيقية هي فى جذب الاستثمارات إلى القطاعات المختلفة، وزيادة النشاط التجارى الدولى وسمحت بتحريك الكفاءات البشرية، واعتماد سياسة التخصص في الإنتاج والحصول على التكنولوجيا المتقدمة، ولم تقع مصر فى براثن الخلط بين الصراع بين الأيديولوجية والتكنولوجية أو فقدان التوازن فى أى صورة وأيضاً استطاعت التخلص من أى تبعية اقتصادية، أو ازدواجية فى المعايير أو إذابة الهويات والخصوصية.