12 ساعة قضاها الفريق الطبى المصرى للوصول إلى المستشفى الأوروبى بغزة، لم يشغلهم طول السفر، استطاعوا تجاوز ارتباك مشاعرهم وهم يطالعون الركام والهدم المسيطر على المكان، لا سيما أن شغلهم الشاغل هو الوصول وتقديم العون والخدمة الطبية لأهالى غزة، وطوال ساعات السفر الخطرة هذه، لم يجد الخوف طريقًا يمر من خلاله إلى قلوبهم، وعندما وصلوا بدأوا فورًا مهمتهم فى توفير «الشفاء» لأهالى القطاع، كانوا يعملون من الصباح إلى ما بعد منتصف الليل لإنجاز أكبر عدد ممكن من الحالات، وأتموا الرسالة وأدوا مهمتهم بتقديم الخدمة لأكثر من ألف حالة وإجراء نحو مائتى عملية جراحية خلال الزيارة التى بدأت فى الحادى عشر من فبراير الجارى واستغرقت نحو 10 أيام.
«الفخر والسعادة» مشاعر سيطرت على أعضاء الوفد الطبى المصرى الذى سافر إلى قطاع غزة أثناء الحديث معهم، ولما لا وقد شاركوا فى مهمة إنسانية شعروا بقيمتها بشكل لحظى، سواء من خلال الخدمات الطبية التى قدموها أو من خلال ردود أفعال الحالات أو الفرق الطبية التى تُرجمت فى هتافات أو فى حفاوة استقبال وترحيب بهم؛ تعبيرًا عن امتنانهم للدور الذى تقدمه الدولة المصرية حكومة وشعبًا للقضية الفلسطينية.
الفريق الطبى المصرى الذى قاده الدكتور أحمد عبدالعزيز أستاذ جراحة العظام بطب قصر العيني، ضم 13 عضوا منهم 12 طبيبًا وممرضًا، وشمل عدة تخصصات، منها طبيبتان فى تخصص النساء والتوليد، وأطباء فى تخصصات مختلفة، تخدير، جراحة تجميل وتكميل، جراحة ميكروسكوبية، حراجة حوض وعمود فقري، وجراحة المثبتات الخارجية.
«المصور»، تحدثت مع الدكتورة أميمة إدريس، أستاذ أمراض النساء والتوليد بطب قصر العينى، أحد أعضاء الفريق المصرى، والتى قالت: أتابع الوضع فى غزة عن قرب ودائمًا ما أشعر أننا كمصريين وكأطباء لا بد أن يكون لنا دور، لذا تواصلت مع الدكتور أحمد عبدالعزيز وسألته عن نيته للذهاب لغزة، وقال إنه بالفعل تقدم بطلب لدخول غزة، فما كان إلا أن طلبت منه إضافة اسمى، وبعد أسبوع أبلغنى بالاستعداد للسفر.
بسعادة بالغة تلقت «د. أميمة» خبر انضمامها لـ«الفريق الطبى»، وهى سعادة جعلتها لا تفكر فى حجم الأخطار التى ستواجهها وهى تترك الأجواء المستقرة فى مصر، وتعبر «الحدود» إلى القطاع المنكوب، وقالت عن هذه اللحظات: ما سيطر على تفكيرى هو واجبى نحو أهلنا، جيراننا، ولا بد من تقديم المساعدة لهم، المقربون جدًا وأعرف بقلقهم أبلغتهم بسفرى للعريش، البعض الآخر عرف بنيتى لأننى كنت أستعد بتحضير أجهزة ومستلزمات طبية وأدوية وأدوات، حاولت اصطحاب كل الأدوات والأجهزة اللازمة لعملنا تحسبًا لعدم توافرها.
12 ساعة استغرقها وصول الفريق الطبى إلى القطاع، بحسب «د. أميمة» التى أضافت: توجهنا إلى الإسماعيلية وصلنا فى ساعة ونصف الساعة تقريبًا، ثم سلكنا نفق «تحيا مصر» لمدة ساعتين ونصف الساعة حتى الوصول، بعد ذلك دخلنا من معبر كرم أبوسالم لأننا معنا أجهزة ومستلزمات يتم تفتيشها ولم نواجه مشكلة، وبعدما دخلنا غزة كانت هناك حافلة فى انتظارنا، تحركنا، الدمار المشهد المتكرر، الشوارع مجرفة، حتى وصلنا للمستشفى الأوروبى وأقمنا به، ولأن تخصصى أمراض نساء وهذا التخصص موجود فى مستشفى مجمع ناصر الطبى، وفى مستشفى مبارك للنساء وللأطفال الذى تعرض للهجوم واحترق قسم الكلى وطاقته 55 ماكينة غسيل كلى وتوفى 40 فى المائة من مرضى الغسيل الكُلوى، ودُمرت أجهزة قسم حضانات الأطفال، وداخل مستشفى ناصر تقابلنا مع أطباء ممن أُلقى القبض عليهم وقت حصار المستشفى لمدة تسعة أيام، وظلوا بالحبس لمدة عام، أحد الأطباء تحدث عن فترة سجنه وما تعرض له من تعذيب وخلع أظافره وغيرها من وسائل التعذيب، أيضًا المستشفى الأوروبى يشهد تسليم الأسرى الغزاويين، وتقابلنا مع بعضهم، تحدثوا عن ألوان العذاب غير طبيعية تعرضوا لها.
وتابعت «د. أميمة»: الفريق أقام عيادة بالمستشفى الأوروبى يتردد عليها يوميًا فى المتوسط 200 مريض، ويجرون نحو 17 عملية يوميًا، وذلك مجهود جبار، وكنت فخورة بكونى مصرية بما يقدمونه، متحمسون جدًا، ينهون عملهم الثالثة فجرًا، ويبدأون فى الثامنة صباحًا، وكانوا يسابقون الوقت لإنجاز أكبر عدد ممكن من العمليات، وبحكم تخصصى فى أمراض النساء كنا نذهب لمستشفى مبارك، كانوا يحضرون لنا الحالات الصعبة المؤجلة، أجرينا نحو 10 عمليات وتم مناظرة الكثير من الحالات فى الطوارئ.
«د. أميمة»، تحدثت أيضًا عن ردود أفعال الأشقاء فى غزة الذين تلقوا الرعاية الطبية من الفريق المصرى، وقالت: كانت تسيطر مشاعر السعادة والامتنان على الجميع، شعرنا بذلك أثناء تنقلنا داخل المستشفى وبين المرضى، وبمجرد رؤيتنا كانت الأصوات تعلو هتافات «تحيا مصر»، و«إحنا بنحبكم»، فهذه حالة زوجها مصرى، وأخرى قريب لها يدرس بمصر، وآخر شقيقه يعيش بمصر، فرحة غامرة شعرنا بها، أطباء النساء أنفسهم منهم من درس بطب الزقازيق، والآخر بعين شمس وثالث فى قصر العينى، شعرت أننا وسط أهلنا، لذا كان واجبًا علينا الذهاب، أما عن الفرق الطبية، فكانوا فرحين جدًا، ممتنين لدورنا، وكانت هناك حفاوة استقبال عالية، وسعدوا بمساعدتنا لهم وكأنهم ينتظرون الراحة النسبية لالتقاط أنفاسهم.
«د. أميمة»، التى لم تخلُ نبرات صوتها من السعادة بعدما أدت مهمتها، أكملت: مجرد التحرك بين المرضى، ليس فقط تقديم الخدمة الطبية، كان كفيلاً بخلق الفرحة والبهجة لهم ولنا، أما المرضى فشعورهم سعادة أخرى، إحدى السيدات قالت «كنت هموت مرتين من النزيف»، كانت تعانى من نزيف وحالتها الصحية خطيرة، أجريت لها الجراحة وبعدها أهدانى زوجها شهادة تقدير، ولا أعرف كيف صممها سريعًا، حالات كثيرة لقنتنا درسًا أنه لا يأس مع الحياة بحق، فعلى قدر صعوبة الوضع لديهم، حيث لا توجد كهرباء، والمياه تتوفر كل خمسة أيام، ومع ذاك يشعرونك أن الحياة سهلة، فرغم تهدم بيوتهم، وعيشهم فى خيام، يتحركون، يذهبون للعمل، يضحكون، لديهم عزيمة قوية تُدرس، وأذكر أننى اصطحبت معى أطعمة ومعلبات معى تحسبًا لعدم توفرها فى غزة، غير أننا فوجئنا بإحضار سندوتشات شاورما، فأحد المطاعم عاود العمل، أيضًا لا مانع من طبق حلويات شهى فأشهر محل لديهم تم تشغيله، وهذه دلائل على أن الشعب الفلسطينى شعب لا ييأس، لا يضعف، الأطفال يمرحون وسط الركام وحديثهم كله أنهم لن يتركوا بيوتهم وأرضهم.
«د. أميمة»، انتقلت بعد ذلك للحديث عن الحالات المرضية التى تابعتها فى القطاع، وقالت: الحالات صعبة، أجريت حالات أورام على المبيض، أورام على الرحم، حالات سقوط، وكلها كانت حالات مؤجلة رغم صعوبتها وخطورتها، وهناك أيضًا حالات تعرضت لطلقات نارية غير عادية، طلقات تنفجر داخل الجسم، منها حالة تعرضت لانفجار فى الرحم والمهبل والمبيض والشرج، وحالات أخرى كثيرة، ومن واقع الحالات والملاحظ هو استهداف السيدات والأطفال.
«د. أميمة»، نفت شعورها بالخوف أثناء تواجدها فى القطاع، وقالت: على العكس تمامًا شعرت بحالة من الطمأنينة والسكينة، ولم أشعر بالخوف حتى لو للحظة، فرؤيتهم يمارسون حياتهم، لا يخافون، وإحساس الخوف ينتقل من الآخرين وهم لا يخافون، الأسواق نصبت، مظاهر حياة لا تبعث على الخوف، حتى عندما قال «ترامب» يوم السبت سأحول غزة إلى جحيم، رغم قلق المقربين وابنى طلب منى الرجوع، فقلت له «الوضع مطمئن»، وبفضل الله تعالى مضى السبت ورجعنا بسلام، غير أن قلق آخر انتاب ابنى وأسرتى عند تأخرنا يومًا فى العودة لانتظار اصطحابنا من قبل الأمم المتحدة للخروج من معبر رفح بأمان.
وعن تقييمها للزيارة قالت «د. أميمة»: سعيدة جدًا، قبل الزيارة كنت أشعر بتأنيب الضمير، الآن وبعد الزيارة شاركت ولو بنسبة بسيطة ليهدأ نسبيًا تأنيب الضمير، أيضًا تواصل معى كثيرون وشجعتهم على الذهاب، فهذا واجب، يحتاجون للدعم، الحالات كثيرة، الحالة الواحدة تحتاج لأكثر من عملية، أيضًا لا بد من تنسيق بين الوفود لاستكمال ما بدأه الوفد السابق.
رسالة قالتها «د. أميمة»، لم ترد أن تختم حديثها قبل أن توجه رسالة إلى المصريين، نافية ما يحاول البعض إشاعته حول عدم رضا الفلسطينيين عن مصر ودورها، وقالت: لا صحة لما يتردد أنهم يكرهوننا، فكل شخص قابلته قال إنه يحب مصر والمصريين، وجميعهم يقرون بفضل مصر ودعم مصر، الأطباء أنفسهم يثنون على التبرعات الواردة من مصر، وشعورهم وامتنانهم لما تقوم به مصر شعرت به فى أحاديثهم، وهذه سعادة أخرى وفخر كونى مصرية، وأفكر فى العودة فى حال التنسيق مرة أخرى، ولا بد فى الوفود المقبلة التنسيق والتواصل مع الأطباء هناك لمعرفة الاحتياجات الفعلية للحالات لتوفيرها.
الدكتور حازم الحداد، استشارى جراحة العظام بطب قصر العينى، أحد أعضاء الوفد الطبى، هو الآخر يمتلك حكايات يرويها لـ«المصور» حول زيارته إلى قطاع غزة، حيث قال: منذ بداية العدوان على غزة عام 2023 سجلت مع عدد من زملائى الأطباء أسماءنا فى نقابة الأطباء ووزارة الصحة وفى أكثر من جهة للدخول لغزة، وظلت محاولتنا قائمة طوال فترة الحرب، وفى نوفمبر 2023 ذهبت مع مجموعة من الأطباء لمستشفيات العريش والشيخ زويد بالتنسيق مع وزارة الصحة وقمنا بواجبنا فى هذه الأثناء، وظلت رغبة الذهاب قائمة حتى حانت الفرصة بعد التنسيق مع الجهات المختلفة والحكومة المصرية بعد قرار وقف إطلاق النار بالسماح لدخول مجموعة من الأطباء، والحمد لله كنت ضمن هذه المجموعة، وتلقيت خبر السماح بدخول غزة وكان بمثابة فرحة كبيرة، لم أتردد لحظة، فهذا ما كنت أتمناه منذ بدء الحرب، أنهيت رحلة سياحية خارج مصر ورجعت لكى ألحق السفر ضمن هذا الوفد الطبى.
ما بين الخوف والقلق والتشجيع لتأدية الواجب كانت مشاعر المحيطين بـ«د. حازم» للسفر فى هذه الأجواء، والذى قال: أولًا وأخيرًا هذا واجب ومسئولية يجب تأديتها، وتأدية الواجب وتقديم المساعدة لأشقاء هم فى أمس الحاجة للدعم والمساعدة.
وعن لحظة الوصول إلى قطاع غزة قال «الحداد»: دخلنا بحافلة يزينها العلم المصرى، الوقت ليلاً السابعة مساء، الدنيا ظلام فلا وجود للكهرباء، وبمجرد رؤية القافلة ويعلوها العلم المصرى بدأ يتوافد الأطفال مهللين فرحين ويصفقون وكذلك الأهالى، رغم ظلمة الليل التى يقطعها ضوء كشاف الأتوبيس، كان معنًا شحنة مساعدات طبية تضم مستلزمات طبية وأدوات وآلات جراحية التى تمكنا من القيام بدورنا، خاصة أن المستلزمات لديهم مستنفدة، والوفد الطبى ضم 13 عضوًا منهم 12 طبيبًا فى تخصصات مختلفة، وبالأخص التخصصات المطلوبة فى إصابات الحروب مثل إعادة بناء الأطراف، الجراحات الميكروسكوبية، جراحات التكميل وإعادة بناء العضلات والأعصاب، وتخصص العظام، تخدير، وضم الوفد طبيبات نساء وتوليد وأيضًا ضم الفريق ممرضًا، البداية كانت فى المستشفى الأوروبى بغزة شمال رفح، وزعنا أنفسنا بين المستشفى الأوروبى ومستشفى ناصر فى خانيونس، الفريق قاده الدكتور أحمد عبدالعزيز أستاذ جراحة العظام بطب قصر العينى، وكان دائمًا يذكرنا بالثواب المنتظر، وأننا نؤدى عملاً كبيرًا وعظيمًا، ومساعدة إخوتنا وهم فى أمس الحاجة للمساعدة وأنه واجب علينا ونبغى منه إرضاء الله عز وجل».
وقال «د.حازم»: كنا نعمل فى المستشفيين، نجرى قائمة عمليات يوميًا بكل مستشفى، وتم فحص نحو ألف مريض بالعيادة شاملة تم إنشاؤها فور الوصول، وأجرى الفريق ما بين 170 إلى 200 عملية.
«د. حازم»، انتقل بعد ذلك للحديث عن طبيعة الحالات التى أجرى الكشف عليها، وقال: الإصابات معقدة جدًا، بل يمكن القول إنها شديدة التعقيد، حيث تتخطى كونها ناتجة عن طلقات نارية عادية، وتتخطى كونها إصابة، حيث تصل إلى حد الإعاقة، وفقدان فى كل شيء، فى العظام، فى الجلد واللحم، وهناك حالات استوجبت البتر، وحالات أخرى حال بينها وبين البتر خطوة بسيطة، وكانت هناك حالات شديدة التعقيد إلى درجة أننا كنا نجرى اجتماع لأعضاء الفريق للوصول لقرار سليم بشأنها، والمريض الواحد يحتاج لأكثر من عملية وتكون على مراحل مختلفة للوصول لأفضل نتيجة، كما أن العمليات كانت تستغرق وقتًا طويلاً، فكانت شديدة التعقيد، مع الأخذ فى الاعتبار أن عمليات بناء الأطراف ليست سهلة، وهناك عمليات استغرقت 10 أو 12 ساعة.
ذاكرة «د.حازم»، احتفظت بالعديد من الحالات التى لا يمكن نسيانها، والتى قال عنها: هناك حالات كثيرة لا يمكن نسيانها، كل مريض له قصة محزنة، كثير منهم فقد معظم أهله، منهم من يعانى من مشكلات صحية كبيرة تحتاج لسنوات للعلاج، لكن ما أثر فى طبيب فلسطينى شاب فى الثلاثينيات من عمره فى يوم واحد فقد والده ووالدته وزوجته وأولاده، وحالة أخرى وأثناء عبوره الشارع مع أسرته أطلق عليهم النار وفقد ابنه ولم يستطع أخذ جثمانه كلما اقترب منه تطلق عليه النار فتركه وتحرك، وغيرها من القصص المأساوية التى لا حصر لها.
وأضاف: الوضع فى غزة مأساوي، ركام فى كل مكان، الهدم مشهد ثابت، رفح تم إبادتها بالكامل، لا وجود للمبانى بها، خان يونس نسبة الدمار عالية، 80 فى المائة من المبانى مهدمة ولا تصلح للسكن، ونفس الوضع فى مدينة غزة، المبانى لم تسلم من القصف والتدمير، كما أن القطاع الطبى يعانى على كل المستويات، نقصًا فى الأطباء، نقص فى المستلزمات الطبية، كل المستشفيات فى القطاع خرجت من الخدمة فيما عدا ثلاث مستشفيات فقط هى ناصر والأوروبى وشهداء الأقصى، وتوجد محاولات لإعادة تشغيل بعض المستشفيات منها المعمدانى، والشفاء.
وعن ردود الأفعال تجاه الوفد المصرى قال «الحداد»: الحمد لله شعر الجميع بنتائج وفائدة وجود الوفد الطبى سواء على مستوى الأطباء فتحققت الاستفادة لهم، أيضا على مستوى المرضى تم إجراء عمليات كثيرة فى وقت قليل، وكانت مشاعرهم كلها فرح وسعادة سواء من قبل الأطباء والفرق الطبية أو من قبل المرضى والأهالى، تجاه الوفد الطبى المصرى بصفة خاصة، يشعرون بالأخوة، كانوا فى قمة الترحيب والسعادة، على كل المستويات، من إدارة المستشفيات، للفرق الطبية، والمرضى، فرحتهم كانت كبيرة، وحاولوا بكل الطرق إيصال هذا الشعور لنا، كما شعرنا بحزنهم لمغادرتنا على أمل العودة مرة أخرى.
«د. حازم» أضاف: كل منا له دور وعليه مسئولية، وكل يؤدى دوره حسب المتاح له، والإمكانيات المتاحة، الوضع يحتاج كل إيد وكل دعم، ويحتاج جراحين على مستوى عالٍ من الخبرة والمهارة واللياقة والاحترافية والفنية للتعامل مع هذه الإصابات.
الدكتور محمد عبدالواحد قطب، أستاذ مساعد جراحة العظام بقصر العينى، استشارى الجراحات الميكروسكوبية وإعادة بناء الأطراف، هو الآخر كان ضمن الفريق الطبى المصرى، وتحدث عن تفاصيل التحاقه بالوفد، وقال: شاركت فى الوفد الطبى من قصر العينى وهذا بتنسيق من رئيس الفريق أستاذنا الدكتور أحمد عبدالعزيز أستاذ جراحة العظام بطب قصر العينى، وتم التنسيق عن طريق «د. أحمد»، وحدث ترتيب على أعلى مستوى من الجهات المصرية، وفرنا تجهيزات كاملة ومستلزمات طبية وأدوات، فالفريق ليس أفراد فقط ولكن اصطحبنا تجهيزات طبية وهذه تحتاج تنسيق على أعلى مستوى للدخول وهذا الأمر تم بالفعل بفضل الجهات المسئولة، وكان إنجاز أن ندخل من المعبر فى يوم واحد، الزيارة استغرقت 10 أيام منهم يوم سفر ذهاب ويوم عودة.
وتابع «د. محمد»: الكلام يعجز عن وصف الحالات والإصابات الموجودة، فالإصابات عنيفة جدًا ومعقدة، حتى حالات الشهداء المعلنة هى الحالات التى تُوفيت نتيجة إصابة مباشرة، لكن هناك أضعاف هذه الحالات وفيات نتيجة أمراض أخرى مثل القلب والسكر والفشل الكلوى لم تتلق الخدمة الطبية المطلوبة، ولم تجد الدواء بسبب انهيار القطاع الصحى لديهم.
وقال «د.محمد»: أهل غزة يحبون مصر لدرجة العشق، وهذا ما لمسته بنفسى وذهلت من حجم حبهم لمصر، فقد فرحوا جدًا بوصولنا، وفور إنشاء العيادة حضر فى اليوم الأول سبعمائة حالة من مختلف المناطق حتى من الشمال رغم صعوبة التنقل، يعتبرون مصر بلدهم، يقدرون جدًا الدور الذى تقدمه الدولة المصرية، كما قدروا الدور الذى قمنا به كأطباء.
«الخراب والدمار فى كل مكان» بحسب وصف «د.محمد»، الذى أضاف: الوضع يحتاج إلى الدعم بكل صوره، دعم مادى، دعم عينى، دعم بشرى، فالأطقم والفرق الطبية منهكون وفى قمة الإجهاد، على درجة الاستعداد القصوى منذ أكثر من 15 شهرًا، لا يتقاضون رواتبهم، ظروف الحياة صعبة، ونحمد الله على تسيير الأمور وإتاحة الفرصة لنا لتقديم الدعم لهم، وهذا واجبنا تجاه أشقائنا وأقرب جيران لنا، والوضع الحالى غير مقلق نسبيًا، رغم وجود مناوشات وحدوث إصابات، ولو أُتيحت الفرصة لى مرة ثانية وثالثة سأذهب بلا تردد، وأكثر ما أثر فى مقولة لأحد الأطباء قال: « لو لم أمكن فلسطينيًا لوددت أن أكون مصريًا»، وهذا دليل على حبه الشديد لمصر، وصادف وجودنا وقت كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية ورفضه للتهجير وكان موقفًا مشرفًا، شعرنا بالفخر، شعرنا بتقديرهم لموقف مصر القوى، وطمأنة لهم من الخوف.
وأوضح «د. محمد»، أنه «تم التعامل مع حالات معقدة وصعبة، فالكتاب كله موجود فى الحالات، بل والأجزاء الصعبة من الكتاب، وهذا على الجانب الطبى، أما الجوانب الحياتية فتلك صعوبة أخرى، فالجو بارد جدا، يعيشون فى العراء، بعضهم فى خيام لا تقيهم البرد ولا الشتاء، أحيانا يجدون الطعام وأحيان أخرى لا يجدون، وجود المياه بصعوبة، ورغم محاولات جعل الحياة أكثر صعوبة، إلا أن أهل غزة من كثرة صمودهم، تحولوا لأناس فوق مستوى البشر، يتحملون الجوع، يتحملون العطش، يتحملون البرد، محبون للحياة بشكل غير طبيعى، متمسكون بأرضهم يرفضون التهجير ولا خوف على القضية الفلسطينية طالما وجد هؤلاء الأبطال الذين يستحقون كل التقدير والثناء، فقط يحتاجون الدعم من الدول المجاورة».