وسط عنفوان وسائل التواصل الاجتماعى أصبحت هناك متاهة أمام الشباب، والأطفال تحديدا، فى التعرف بقوة اليقين على تاريخ الوطن ومعارك الحاضر وتوجهات المستقبل.
ليست متاهة فقط، بل فقدان المعرفة الحقيقية والموضوعية عن أى قضايا تخص الوطن.
ومن ثم تكون هناك مجموعة من الأسئلة، نحصرها فى الآتي:
أليس من حق الشباب والأطفال التعرف بشكل موضوعى على تاريخ الوطن وحاضره ومستقبله؟
وكيف يتعرفون؟ وما الوسيلة الإعلامية المناسبة التى يمكن أن تحقق ذلك بحيث تصل إليهم فى التوقيت المناسب وبشكل ينقذهم من الغرق فى مستنقعات وسائل التواصل الاجتماعي، التى قد يكون من بينها أهداف تشوه فكر الأطفال وتدمر الانتماء بشكل أقوى من تأثير كل أنواع المخدرات القاتلة للشباب؟
وما المحتوى المناسب والشكل الذى ينبغى أن نخاطب به كلا من الأطفال والشباب؟
وهل من حق كل من الأطفال والشباب أن نعيد إليهم ذاكرة الوطن التاريخية بالصور والأحداث قبل عقود؟
وما الحدود الزمنية للأحداث التى ينبغى أن نقدمها للأطفال والشباب، كلٌّ على حدة، ووفقا للمحتوى والرسالة المستهدفة لكل فئة عمرية؟
أسئلة كثيرة ينبغى أن نطرحها من خلال مشروع قومى لتعريف الأطفال والشباب بتاريخ وحاضر ومستقبل الوطن.
ورغم أن تلك الفكرة فى ذهنى منذ فترة طويلة، فإن الصور التى رأيتها فى معرض مئوية «المصوّر» بدار الأوبرا الأسبوع الماضى أيقظت هذه الفكرة من جديد.
تلك الصور التى أرى أنه من الخطأ ألا يراها الأطفال والأجيال المختلفة من الشباب.
وإذا كانت هذه الصور تحكى تاريخ وطن فى مائة سنة، فهل تظل حبيسة الأدراج أو فى بعض الإصدارات التى تصدر؟، فمن الممكن ألا يعرف عنها الأطفال والشباب شيئا فى ظل الزحف المدمر لوسائل التواصل الاجتماعي، والتى تقطع الصلة بين الماضى والحاضر بالأطفال الشباب لينحصر أقصى طموح هؤلاء فى كيس شيبسى أو زجاجة مياه غازية أو سندوتش برجر لمَن لديه القدرة، أما مَن لم يملك القدرة فإنه يعيش حالة من الاغتراب عن الوطن، وسط هذه الشراسة الإلكترونية.
وعندما أقول إن صور مصر من مئوية «المصوّر» قد أيقظت تلك الفكرة، للوصول إلى مشروع قومى لتعريف الأطفال والشباب بتاريخ وحاضر ومستقبل الوطن، فهذا يمتد أيضًا إلى كافة الصور والمعلومات التاريخية فى بقية الصحف القومية مثل الأهرام والأخبار والجمهورية وغيرها، حتى إننى أدعو المهندس عبدالصادق الشوربجى، رئيس الهيئة الوطنية، أن يكون هناك كيان لمعرض متنقل يجوب مصر المحروسة بتلك الكنوز التى تملكها كافة إصدارات الصحف القومية، وبخاصة المدارس والجامعات والأندية وغيرها.
وإن كنت أطالب المهندس عبدالصادق الشوربجى بذلك، فقد علمت أنه قد بدأ بالفعل فى إعداد مشروع لكى يتعرف الأطفال وأجيال الشباب على تاريخ الوطن من خلال الكنوز التاريخية التى تملكها كافة المؤسسات الصحفية، سواء بشكل مباشر أو بدراسة إجراء اتفاق مع أحمد المسلمانى، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، للبحث عن صيغة مناسبة، لكى يتكامل هذا المشروع الذى بدأت فى إعداده الهيئة الوطنية للصحافة برئاسة المهندس عبدالصادق الشوربجي، وهذا يجعلنا أن ننتقل لإمكانية أن تقوم قناة الأطفال التى وعدنا أحمد المسلمانى بإنشائها.
وتلك خطوة مهمة يمكن أن تساهم بشكل كبير فى تعريف الأطفال تحديدا، وكذلك الشباب، بتاريخ الوطن مع إمكانية أن يمتد دور تلك القناة للشباب حتى لو تم البحث لها عن اسم آخر، بحيث يشمل الأطفال والشباب.
لكن قبل الاسم، ما رسالة هذه القناة؟ هل هدف توعوى أم تثقيفى؟
وما المحتوى؟ هل سيعتمد على رسوم كرتونية من قبيل تسلية الأطفال، كما تفعل بعض قنوات الأطفال الأخرى فى المنطقة أم ستعيد أمجاد بعض الرسوم الكرتونية التى سبق أن قدمها التلفزيون المصرى فى عقود ماضية وحققت نجاحا باهرا مثل «بكار» و«بوجى طمطم»؟
ولسنا ضد أن تكون هناك رسوم كرتونية هادفة.
لكن هذا وحده لا يحقق الهدف من أن يكون هناك مشروع قومى لتعريف الأطفال والشباب بتاريخ وحاضر ومستقبل مصر المحروسة.
ومن ثم لا بديل عن أن يكون هناك مزج بين الرسوم الكرتونية بهدف التسلية وبرامج أخرى، لتعريف الأطفال والشباب بتاريخ وحاضر مستقبل مصر المحروسة، كلٌّ بالأسلوب واللغة التى تناسب الفئة العمرية.
وذلك بخلاف أن تكون هناك برامج ميدانية فى أنحاء مصر المحروسة للأطفال والشباب.
وهنا أتساءل: ماذا يمنع أن نذيع للأطفال والشباب أفلاما وفيديوهات عن أحداث مضت فى تاريخ مصر؟
وعلى سبيل المثال، ماذا يمنع أن تكون هناك برامج على هذه القناة عن ثورة 1919 وثورة 1952 وثورة 25 يناير وثورة 30 يونيو؟
ماذا يمنع أن تعرض هذه القناة بلغة الأطفال والشباب أفلاما وبرامج عن أحداث تاريخية مثل خروج الاحتلال الإنجليزى من مصر، وتأميم قناة السويس وحرب 1956 وبطولات الفدائيين ضد الغزاة؟
وماذا يمنع أن تكون هناك أفلام عن معارك الشرطة ضد الاحتلال وكذلك حرب الاستنزاف التى تلت نكسة 1967 ونصر أكتوبر 1973 على إسرائيل ودور المقاومة فى مواجهة العدو الإسرائيلى واستعادة كامل سيناء وطابا؟
ماذا يمنع أن يتم عرض أفلام للأطفال والشباب عن زيارة الرئيس السادات للقدس وما تلا ذلك من معاهدة السلام؟
وماذا يمنع أن يعرف الأطفال والشباب الظروف التى أدت إلى اغتيال الرئيس السادات ثم تولى الرئيس حسنى مبارك الحكم؟
ماذا يمنع أن تقدم هذه القناة أفلاما للأطفال والشباب، أفلاما عن الظروف التى تلت ثورة 25 يناير ومعارك الجيش والشرطة ضد الإرهارب؟
ماذا يمنع أن يعرف الأطفال والشباب ماذا فعل الإخوان بمصر عقب ثورة 25 يناير وخلال السنة السوداء التى تولوا فيها الحكم؟
وماذا يمنع أن يتم عرض أفلام على هذه القناة عن ثورة يونيو والدور العظيم للرئيس السيسى والجيش والشرطة فى إزاحة حكم الإخوان؟
ماذا يمنع أن يعرف ويرى الأطفال والشباب أفلاما عن المشروعات القومية التى تشهدها مصر والمبادرات التى تمت من أجل الأطفال والشباب؟
وعندما أقول المشروعات القومية فهذا ليس بهدف الدعاية السياسية ولكن لأن تلك المشروعات للوطن وللأجيال القادمة.
تلك مجرد أمثلة، حتى لا تكون القناة التى يقترحها أحمد المسلمانى مجرد قناة كرتونية فقط، لأنها ينبغى أن تقوم بدور كبير بتعريف الأطفال والشباب بتاريخ وحاضر ومستقبل هذا الوطن، بداية من الملكية وحتى الجمهورية الجديدة، وقبل هذا وذاك، تاريخ مصر القديم، وكذلك حرب غزة، والموقف ضد تهجير الفلسطينيين من أرضهم.
ولدىّ معلومات قوية أن الهيئة الوطنية للصحافة برئاسة المهندس عبدالصادق الشوربجى فى إطار المشروع الذى تعده الآن، من منظور «اعرف تاريخك» سوف تتيح لأحمد المسلمانى كافة الإمكانات من كنوز وصور الصحافة القومية لتلك القناة، وكذلك أفضل الرسامين فى مجلات الأطفال مثل «سمير» و«علاء الدين».
وإذا كنت أتحدث عن مشروع قومى لتعريف الأطفال والشباب بتاريخ وحاضر ومستقبل مصر، فإننى أقترح أن يكون هناك اجتماع بين المهندس خالد عبدالعزيز، رئيس المجلس الأعلى للإعلام، والمهندس عبدالصادق الشوربجى، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، وأحمد المسلمانى، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، لصياغة مثل هذا المشروع، لأنه دون أن نهتم بالأطفال والشباب إعلاميا من خلال مشروع قومى سوف تكون الآثار خطيرة على وعى الأجيال القادمة ومواجهة الأعداء.