تنذر قرارات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على عدة دول بتصاعد وتيرة الحرب التجارية العالمية، ويتوقع الخبراء أنه سيكون لهذه القرارات انعكاسات تضخمية على الاقتصاد العالمى، ومن ضمنها الأسواق الناشئة التى من بينها مصر وسط تصاعد التوترات فى الأسواق العالمية.
«ترامب» بدأ حربه التجارية بإصداره أمرا تنفيذيا بفرض رسوم جمركية متبادلة على شركاء واشنطن التجاريين، مؤكدا أن هذه الخطوة تأتى ضمن استراتيجية أوسع لتعزيز الاقتصاد الأمريكى - بحسب رأيه - فى خطوة يتوقع الخبراء أنها ستؤدى لتزايد وتيرة الحرب التجارية العالمية.
ويضع الرئيس الأمريكى القرارات الخاصة بالرسوم الجمركية فى مقدمة أولويات ولايته الحالية، حيث قرر فرض رسوم جمركية بنسبة 25 بالمائة على جميع واردات الصلب والألومنيوم ومشتقاتهما إلى الولايات المتحدة بغض النظر عن بلد المنشأ، وذلك ضمن سياسته لفرض الرسوم الحمائية الاقتصادية، وهو القرار الذى أثار ردود فعل واسعة وتوعد الاتحاد الأوروبى بالرد، مما أشعل الحرب التجارية العالمية على عدة جبهات، والذى يطرح تساؤلا هاما حول كيف تستعد مصر لخطر الحرب التجارية العالمية؟، وما الحلول لتخفيف تأثير تداعيات حرب الرسوم التجارية العالمية على مصر؟ ، فى الوقت الذى تسعى فيه الحكومة المصرية لزيادة الصادرات لـ145 مليار دولار بحلول 2030 .
«الحكومة تولى أهمية كبيرة لهذا الملف ولديها سيناريوهات مختلفة للتعامل مع هذه الأزمات والتحديات الحالية»، هذا وفقا لما أكده رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، وفى إطار تلك الجهود الحكومية عقد «مدبولي» اجتماعا مشتركا ضم أعضاء المجلس التنسيقى للسياسات المالية والنقدية وأعضاء اللجنة الاستشارية للاقتصاد الكلى، بهدف عرض مختلف الرؤى والطروحات التى تستهدف إيجاد حلول عملية للأزمات والتحديات العالمية والإقليمية وتداعياتها على الاقتصاد الكلى، ولدراسة السيناريوهات المتوقعة لنمو الاقتصاد المصرى حال تصاعد الحرب التجارية العالمية.
وقدم أعضاء اللجنة الاستشارية للاقتصاد الكلى عددا من التوصيات التى يمكن أن تعمل عليها الحكومة على المديين القصير والمتوسط، تتمثل فى الإسراع بتنفيذ الإصلاحات الهيكلية، وتعزيز التعاون الدولى لزيادة التبادل التجارى، واستغلال فرص ارتفاع تكاليف الواردات والصادرات بسبب السياسات الحمائية لإنتاج السلع المستهدفة بتكاليف أقل، فضلا عن تنفيذ جميع التوصيات التى طرحتها جميع اللجان الاستشارية الأخرى لتحسين بيئة الأعمال وزيادة مشاركة القطاع الخاص فى مصر.
كما تضمنت التوصيات التى عرضها أعضاء اللجنة الاستشارية للاقتصاد الكلى، ضرورة العمل على النفاذ لأسواق جديدة عبر استغلال الاتفاقيات التجارية القائمة والاتفاقيات الثنائية، والتوسع فى تصدير السلع ذات القيمة المضافة، وتوفير التمويل المُيسر للمصدرين وتوسيع نطاق التجارة الإلكترونية، والترويج للمنتجات المصرية عبر المنصات العالمية، فضلا عن تعظيم الاستفادة من العلاقات التجارية الدولية لمصر، وتعميق التصنيع وزيادة نسبة المكون المحلى.
وأوضح أعضاء اللجنة الاستشارية للاقتصاد الكلى، أن الأثر المباشر للسياسات الحمائية هو زيادة احتمالية تباطؤ الاقتصاد العالمى بما ينعكس على حركة رؤوس الأموال دوليا، مشددين على ضرورة الالتزام بسياسات مالية ونقدية حكيمة للتعامل مع هذا التحدى.
كما أكدوا أنه على الرغم من احتمالية تأثر دخول الاستثمارات الأجنبية إلى مصر بسبب الحرب التجارية العالمية، إلا أن هناك نقطة إيجابية تتمثل فى أن هذه الحرب يُمكن أن تسهم فى جذب الاستثمار الأجنبى المباشر بالصناعات المُوجهة للتصدير من اللاعبين العالميين الرئيسيين الذين قد يسعون إلى تنويع بلد المنشأ لإنتاجهم، مشيرين إلى أن هذا يتطلب تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية والمؤسسية لتحسين بيئة الأعمال مقارنة بالمنافسين.
وخلصت دراسة أعدها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية مؤخرا عن تأثير الحروب التجارية على الاقتصاد المصرى، إلى طرح عدة حلول لتخفيف التأثيرات السلبية لحرب الرسوم التجارية على مصر، جاء من ضمنها تنويع الشركاء التجاريين، وتحسين القدرة التنافسية للصادرات، والاستفادة من موقعها الجغرافى، وإجراء الإصلاحات فى مجال السياسات الجمركية لتيسير التجارة، ودعم الاستراتيجية الصناعية لتعزيز دور مصر فى سلاسل الإمداد العالمية، كما دعت الدراسة إلى التكيف الاستراتيجى والمشاركة الاستباقية للتغلب على التوترات التجارية والاستفادة من الفرص المحتملة فى بيئة تجارة عالمية تتسم بالتغير.
وفى هذا السياق، قال المهندس شريف البربرى، عضو شعبة الاستيراد والتصدير بالغرفة التجارية بالجيزة: لو تم فرض الرسوم الجمركية إضافية فى أمريكا بنسبة 25 فى المائة على جميع وارداتها من الصلب والألومنيوم، هذا معناه خروج السوق الأمريكية لدينا من قائمة المصدرين لأن الأسعار ستكون مرتفعة، لكن تنوع الأسواق سيكون هو البديل الأمثل فى الفترة القادمة.
وأوضح «البربري»، أن صادرات الصلب المصرية إلى السوق الأمريكية انخفضت بنسبة 45 فى المائة، حيث كانت عام 2023 حوالى 230.8 مليون دولار، وأصبحت 126.6 مليون دولار فى عام 2024 حسب تقرير الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات.
وعن الأسواق المستهدفة أمام الصادرات المصرية لمواجهة حرب الرسوم الحمائية الفترة المقبلة قال «البربري» : الأسواق المستهدفة للصادرات المصرية والتى سيتم زيادة دعم الصادرات المصرية إليها، وتمنح الصادرات للأسواق المستهدفة نسبة 15 فى المائة إضافية من نسبة المساندة الأساسية هى (الصين وما يتبعها إداريا مثل هونج كونج وتايوان ، أذربيجان، أرمينيا، بيلاروسيا، جورجيا، كازاخستان فيرجستان، مولدوفا، روسيا، طاجيكستان، تركمانستان، أوزباكستان، أوكرانيا، البرازيل، المكسيك، كولومبيا، الأرجنتين، بيرو، فنزويلا، تشيلى،جواتيمالا، الإكوادور، كوبا، بوليفيا، هايتى، جمهورية الدومينيكان، هندوراس، باراجواى، السلفادور، نيكاراجوا، كوستاريكا، بنما، بورتوريكو، أوروجواى، جوادلوب، مارتينيك، جويانا الفرنسية، سانت مارتن، سانت بارتيليمى، أستراليا، نيوزلندا، اليابان كوريا الجنوبية، كندا، إندونيسيا، فيتنام).
بينما توقع محمد حنفى، المدير التنفيذى لغرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات المصرية، أن تتأثر صادرات الصلب المصرية بشكل ملحوظ بالرسوم الجمركية الأمريكية، مؤكدا أن الأمل هو الاتجاه لفتح أسواق جديدة، موضحًا أن «الأسواق العربية والإفريقية تعد بديلا جيدا لمنتجات الصلب المصرية والألومنيوم مشيرا إلى أن هناك اتجاها لفتح أسواق جديدة فى إفريقيا، وأمريكا الجنوبية، والدول العربية التى فى سبيلها للإعمار مثل ليبيا وسوريا ولبنان والسودان والعراق فهذا هو البديل الأسرع حاليا لتعويض نقص الصادرات الذى من الممكن أن يحدث نتيجة القرار الأمريكي».
«حفني» أعرب عن تخوفه من تراجع صادرات الحديد والصلب المصرية إلى أوروبا خلال العام الحالى فى ظل الرسوم الجمركية الأمريكية، الأمر الذى قد يدفع دول الاتحاد الأوروبى للرد ووضع قيود متبادلة وتقليل صادراتها للولايات المتحدة، مما يخفض احتياجاتها من الصلب المصرى، مشيرًا إلى أن اجمالى صارادتنا لأمريكا من الحديد العام الماضى بلغت حوالى 126 مليون دولار، ومن الألومنيوم حوالى 4 ملايين دولار، فيما بلغت إجمالى صادرات مصر من الحديد والصلب 2.1 مليار دولار والألومنيوم حوالى 800 مليون دولار، مؤكدا على أن الحروب التجارية المتصاعدة التى ظهرت بزيادة التعريفات الجمركية والحواجز التجارية، تدفعنا للبحث عن شراكات تجارية بديلة وتعزيز التحالفات الإقليمية.
فيما توقع الدكتور وليد جمال الدين، عضو المجلس التصديرى لمواد البناء والصناعات المعدنية، ألا تتأثر الصادرات المصرية من الحديد والصلب فى ظل الرسوم الحمائية لأن تلك الرسوم التى فرضتها الولايات المتحدة تطبق على جميع الدول بنفس النسبة وبالتالى ليس هناك تغيير فى الموقف التنافسى، ومن سيتأثرهو المستهلك الأمريكى المستورد.
وأوضح «جمال الدين»، أنه سيكون هناك ردا من دول الاتحاد الأوروبى على الرسوم الجمركية التى فرضها «ترامب»، مما يصعد حرب الرسوم الجمركية بين الدول وفى النهاية سيخضع الأمر للتفاوض، مشيرا إلى أنه لايرى سببا يجعلنا نقلق حاليا على الصادرات المصرية.
يرى دكتور خالد الشافعى الخبير الاقتصادى ضرورة أن تركز مصر خلال الفترة المقبلة على دعم الإنتاج الصناعى لمواجهة تداعيات الحروب التجارية العالمية وكذلك التركيز على زيادة حجم الإنتاج من الصادرات الزراعية والإنتاجية، لافتا إلى أن مصر تتصدر العديد من دول العالم فى الصادرات الزراعية.
وأضاف :لابد من تنويع شراكات مصر التجارية، وتأمين استثمارات كبيرة فى البنية التحتية، وفتح أسواق جديدة أمام الصادرات المصرية وكذلك تعزيز التحالفات الإقليمية.
لافتا إلى أن الأسواق العربية أسواق واعدة جدا كما أن دول الاتحاد الأوروبى وأمريكا تعد من أكبر مستوردى المنتجات الزراعية المصرية.
ويرى «الشافعي» ضرورة استهداف الأسواق الإفريقية أيضا كونها أسواق واعدة و تستورد بأكثر من تريليون دولار سنويا، بالإضافة إلى إمكانية تبادل السلع بين مصر والدول الإفريقية وتحقق مزيد من الازدهار فى الحركة التجارية بين مصر والدول الإفريقية.