رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

تحتمس الثانى.. آخر مقبرة ملكية مفقودة فى «البر الغربى»


1-3-2025 | 20:52

صورة أرشيفية

طباعة
تقرير تكتبه: أمانى عبدالحميد

بعض من أجزاء لأوانٍ كانوبية من الألباستر كانت كفيلة لتدل على هوية الملك المتوفى. تحمل اسمه ووصفه ومكانته مقترنا باسم زوجته الملكية، يبدو أنه أبى أن يرقد بسلام قبل أن يكشف للعالم كله بعد ما يزيد من 3500 عام على رحيله أنه الملك تحتمس الثانى ابن الملك تحتمس الأول وزوج الملكة المعظمة حتشبسوت ووالد تحتمس الثالث أهم ملوك الأسرة الـ18 والتى حكمت مصر خلال العصر الذهبى للدولة الحديثة.

داخل المتحف القومى للحضارة المصرية بالفسطاط يتوسط أقرانه من مصر القديمة يرقد بسلام وشموخ، هو سليل الملوك وخليفته أهم ملوك مصر خلال عصرها الذهبى، تابوته المزين بالذهب يدل على بهاء وعظمة ملكية. ورغم ذلك، بدت مقبرة فقيرة متهالكة منقورة فى صخر جبل طيبة بلا أية رسومات أو نقوش مذهبة. لا تملك من بهاء مقابر الملوك سوى بعض من زخارف النجوم الصفراء وبقايا لوحة من الفيانس الأزرق الملكي. اكتشاف موقعها لم يتطلب كثيرا من البحث. لكن معرفة صاحبها احتاج أكثر من ثلاثة أعوام من العمل الأثرى والعلمى المتواصل؛ حتى تتمكن البعثة المصرية – الإنجليزية من التأكد منها. إنها مقبرة الملك تحتمس الثانى رابع ملوك الأسرة الـ 18 والتى أغرقتها مياه الفيضان وأتت على رسوماتها ولوحاتها الجدارية.

 

اكتشاف أثرى وعلمى مثير للدهشة لآخر مقبرة ملكية وسط وادى الملوك بالبر الغربى لمدينة الأقصر. جاء بعد أكثر من مائة عام على اكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون والتى كان من المرجح أنها آخر المقابر الملكية هناك. لكن ها هو الملك صاحب الانتصارات العسكرية يسمح لأعضاء البعثة العلمية بتقصى تفاصيل مقبرته التى ظلت مجهولة لسنوات طويلة ، فهو ابن الملك تحتمس الأول من زوجته الثانوية. وهو الأخ غير الشقيق للملكة حتشبسوت ابنة الزوجة الملكية «أحمس» والتى تزوجها كى يعتلى عرش مصر لكن القدر لم يمهله كثيرا. حكمه لم يستمر طويلا ومات دون أن تُنجب له زوجته حتشبسوت الوريث. أنجبت منه ابنتيها «نفرو رع» و» نفروبيتي». ليتولى من بعده ابنه تحتمس الثالث طفلا من زوجته الثانوية «إيست». وتكون حتشبسوت وصية عليه وتنفرد بالحكم لمدة تزيد عن 20 عاما متواصلة.

 

ورغم أهمية الكشف الأثرى العلمى إلا أن وزارة السياحة والآثار اكتفت بإصدار بيان مقتضب للإعلان عن نجاح البعثة المصرية – الإنجليزية المشتركة بين المجلس الأعلى للآثار ومؤسسة أبحاث الدولة الحديثة فى الكشف عن مقبرة الملك تحتمس الثانى، واعتبرتها آخر مقبرة ملكية مفقودة لملوك الأسرة 18، الوزارة أوضحت أن أعمال الحفائر العلمية والأثرية بدأت داخل المقبرة التى تحمل رقم « C 4» بعد العثور على مدخلها الرئيسى خلال عام 2022 فى قلب وادى «سي» فى قلب جبل طيبة الذى يبعد حوالى 2,4 كيلومترات غرب وادى الملوك بالبر الغربى لمدينة الأقصر. ويبدو أن عدم تأكد البعثة العلمية من هوية صاحب المقبرة أجّل الإعلان عن اكتشافها. حيث إن البعثة المشتركة واصلت أعمالها الاستكشافية للبحث عن أدلة أو شواهد أثرية تكشف عن هوية صاحب المقبرة على مدار أكثر من ثلاثة مواسم أثرية متتالية كى تصل إلى حجرة الدفن وتتعرف إلى هوية صاحب المقبرة.

 

«بالتأكيد هى مقبرة ملكية.. كل الشواهد تشير إلى ذلك.. لكن منْ هو الملك صاحب المقبرة المجهولة.. كان ذلك التحدى الأكبر..».. هكذا جاءت كلمات الإنجليزى الدكتور بيرز ليزرلاند رئيس البعثة الأثرية. فالمقبرة تميزت بتصميم معمارى بسيط يتماشى مع تصميم المقابر التى انتشرت خلال تلك الفترة من الدولة الحديثة خاصة بعد حكم الملك تحتمس الثاني. مرددا قوله: «المقبرة عبارة عن ممر تغطى أرضيته طبقة من الجص الأبيض يؤدى إلى حجرة الدفن، تم استخدامه لنقل محتويات المقبرة ومومياء الملك فى عصر لاحق بعد وفاته بعد أن غمرتها مياه السيول على ما يبدو..». وإن أكّد «ليزرلاند» أن البعثة العلمية ستواصل أعمال المسح الأثرى الذى بدأته قبل ثلاثة أعوام تقريبا أملا فى اكتشاف بقية محتويات المقبرة ومقتنيات الملك والموقع الذى تم نقلها إليه.

 

«فى البداية كنا نعتقد أنها مقبرة لزوجة ملكية لأحد ملوك أسرة التحامسة.. لم نكن نتخيل أنها مقبرة ملكية عن حق..»، لكن البحث والتقصى كشف عن حقيقة تلك المقبرة المنقورة فى الصخر على حد قول الدكتور محمد إسماعيل خالد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار. مرددا قوله: «مدخلها الرئيسى بالقرب من مدخل مقبرة زوجات الملك تحتمس الثالث وهى الملك الابن الملك تحتمس الثاني. علاوة على قربها من مقبرة الملكة «حتشبسوت» التى تم إعدادها لها بصفتها زوجة ملكية قبل أن تعتلى عرش مصر وتصبح ملكة ويتم دفنها داخل وادى الملوك. لكن استكمال أعمال الحفائر خلال الموسم العلمى الجديد كشف النقاب عن أدلة أثرية مكنت البعثة من تحديد هوية صاحب المقبرة وهو الملك تحتمس الثاني. موضحا: «الملكة حتشبسوت هى من قامت بإجراءات الدفن الملكية بصفتها زوجته وأخته غير الشقيقة..». كما عثرت البعثة العلمية على أجزاء من أوانى الألباستر الكانوبية تحمل نقوش اسم الملك تحتمس الثانى بصفته الملك المتوفى إلى جانب اسم زوجته الملكية الرئيسية حتشبسوت، مما أكد بالدليل القاطع هوية صاحب المقبرة.

 

إلا أنه يرى أن اكتشاف المقبرة الملكية هو أحد أهم الاكتشافات الأثرية خلال السنوات الأخيرة. مشيرا إلى أهمية القطع الأثرية المكتشفة داخلها. ويصفها بقوله: «تلك هى المرة الأولى التى تعثر بعثة علمية داخل تلك المنطقة على أثاث جنائزى يخص الملك تحتمس الثانى.. إنها قطع أثرية ومقتنيات فريدة لا مثيل لها داخل متاحف العالم أجمع..».

 

وبالرغم من الحالة السيئة للمقبرة إلا أن ما تحويه من نجوم صفراء ونقوش باللون الأزرق على بقايا الملاط الذى غطى بعضا من أجزاء المقبرة دفع البعثة العلمية إلى مواصلة العمل داخلها لاستكشافها بالكامل. حيث أوضح الأثرى محمد عبد البديع رئيس قطاع الآثار المصرية بالمجلس الأعلى للآثار ورئيس البعثة من الجانب المصرى أن أجزاء الملاط المكتشفة تحوى أيضا زخارف وفقرات من كتاب «إمى دوات» أحد أهم الكتب الدينية التى اختصت بها مقابر الملوك فى مصر القديمة. وأن حالة المقبرة السيئة جاء نتيجة تدفق مياه السيول داخلها مما استدعى نقل محتويات المقبرة لموقع آخر بعد وفاة الملك بفترة قصيرة.

 

وها هى ذكرى الملك تحتمس الثانى تتجدد مرة أخرى بعدما كانت تفاصيل حياة زوجته الملكة حتشبسوت وابنه الملك تحتمس الثانى هى الأكثر انتشارا نظرا لعظمة مصر خلال فترة حكمهما، والتى يطلق عليها العلماء الفترة الذهبية للإمبراطورية المصرية خلال عصر الدولة الحديثة. رغم أنه الملك الذى نجح فى اخماد ثورات النوبة وحمى الحدود الشرقية لمصر. لكنه لم يترك بعده آثارا تكشف عن قوة حكمه سوى بوابة من الحجر الجيرى وسط فناء الصرح الرابع لمعابد الكرنك وأخرى وسط جزيرة الإلفنتين بأسوان فقط.

 

وكثير من الدراسات تؤكد أن الملك تحتمس الثانى توفى صغيرا فى عمر الثلاثين. وأن مومياته الملكية تم نقلها ضمن مجموعة المومياوات الملكية داخل ما يسمى بخبيئة الدير البحرى لحمايتها من سرقات لصوص القبور. واحتضنت مومياته بطاقة صغيرة مكتوبة بالخط الهيروطيقى وسط اللفائـف الخارجيـة تكشف عن تفاصيل دفنته خلال السنة السادسة من حكم الملك «سمندس» الملك الشمالى من عصر الأسرة 21. وهو نفس فترة سيطرة «بانجم» على طيبة.