رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

إمبراطورية نادية لـ«سامية مِحرز» بطلة الرواية مثل مؤلفتها تمامًا


1-3-2025 | 21:05

يوسف القعيد

طباعة
بقلـم: يوسف القعيد

هذا كتاب أهداه لى المهندس إبراهيم المعلم صاحب دار الشروق، خلال أيام انعقاد معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته السادسة والخمسين. وهى من أنجح دورات معرض الكتاب فى كل تاريخه. والكتاب عنوانه: إمبراطورية نادية. وهى عنوان رواية لسامية محرز، وصاحبة الرواية أستاذة الأدب العربى ومديرة مركز دراسات الترجمة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.

 

صدر لها العديد من الدراسات والمقالات فى مجالات الأدب والنقد الثقافى ودراسات الترجمة. علاوة على عدد من الكُتب صدرت باللغة الإنجليزية. من بينها: الكاتب المصرى بين التاريخ والرواية، الحروب الثقافية فى مصر: السياسات والممارسات، وأطلس القاهرة الأدبي، وكلنا نتذكر أن كتابها الأول كان باللغة العربية وعنوانه: إبراهيم ناجى زيارة حميمة تأخرت كثيرًا. وحصل على جائزة ساويرس الثقافية لهذا العام. كما صدرت الترجمة الإنجليزية له عن الجامعة الأمريكية.

 

أما الرواية التى أكتُب عنها الآن فهى عملها الروائى الأول. وبطلتها مثل مؤلفتها – تمامًا – أستاذة جامعية فى الأدب. التى تضطر لطرد نرجس العاملة لديها منذ سنواتٍ طويلة بعد أن اكتشف بالصدفة «عملتها السوداء» لتفتح حكاية نرجس الباب أمام سلسلة من المغامرات مع عاملات المنازل الذين مروا على بيت نادية أو ربما إمبراطوريتها.

 

وخلال قراءتى هذه الرواية التى استمتعت بها كثيرًا تمزج المؤلفة فى روايتها الأولى بين الحس الفكاهى الساخر، والتحليل الاجتماعى الإنسان الواعى فى سردٍ جذاب يُظهر التنوع المُدهش لشريحة مجتمعية وقعت فريسة تنميطها. لنكتشف بينهم فتاة تكتُب الشعر وأخرى لا يشغلها إلا العريس المنتظر، نجد من تُتقِن عِدة لغات ومن تفك خط العربية بالكاد.

 

حياة مُفعمة بالضحك

 

والفصل الأول من الرواية عنوانه: نرجس، ويبدأ هكذا:

 

- فى هذا اليوم المشؤوم وعلى غير عادتها قررت الدكتورة نادية أن تختصر المشاوير الصباحية المعهودة بعد عودتها من حمام السباحة، وقبل بدء اليوم الفعلي، بما يستدعيه بمطالبات للبيت ومكالمات شغل وثرثرة فاضية، ومحاولات متقطعة لإنجاز مهام العمل، وتحضير المحاضرات.

 

وكانت نرجس تحفظ مواعيد الدكتورة نادية عن ظهر قلب، وتعلم تمام العلم أنها لن تتأخر عن موعد عودتها فى التاسعة والنصف صباحًا. إلا لو كانت فيه مشاوير بعد النادي. أما فى حالة المشاوير فكانت نادية تتصل بنرجس حتى يسعفها الوقت فى تحضير غذاء اليوم، لأن نرجس لم تكن أبدًا حسنة التصرف. وكانت دائمًا فى انتظار الأوامر الصادرة من نادية.

 

تأخذنا المؤلفة فى رحلة شيقة عبر حياة كل أبطالها وبطلاتها ومحطاتهم مع نادية وأسرتها وبيتها مصريات وأجانب، نساء وأحيانًا رجال، حيوات مُفعمة بالضحكات والمعاناة، تُشكلها الطموحات الإحباطات والنجاحات.

 

نسيان التليفون

 

خارج سياق الحكايات أكتب للقارئ الذى يعرف ما سأكتبه تمامًا أن التليفون المحمول أصبح جزءًا جوهريًا ومهمًا من حياة الناس. تكتب المؤلفة:

 

- أما فى هذا الصباح فقد اكتشفت نادية فجأة أنها نسيت التليفون المحمول فى البيت. وكانت قد عقدت العزم على مشوار «بايخ» خناقة فى البنك بسبب تأخر حوالة مالية كانت نادية فى انتظارها منذ شهر على الأقل. ولكن عندما وصلت إلى البنك وكانت قد حضَّرت نفسها لوصلة ردح، فوجئت بأن الطابور طويل. وأن دورها لن يأتى قبل نصف ساعة على أقل تقدير.

 

“تعمل إيه؟ تستنى وتفش غلها؟ ولا تروح وتُقصر الشر وتبقى ترجع يوم تاني»؟ خاصة أنها لن تستطيع الاتصال بنرجس. قررت نادية أن تُقصر الشر. لكن مزاجها العام فى هذا الصباح قد تكعبل بالفعل. اتجهت إلى سيارتها وهى تبرطم فى نفسها عن إهمال البنك وموظفيه وعدم احترامهم لمصالح الناس والوقت المهدور دون الوصول لنتيجة مرضية فى قضية الحوالة المالية التائهة فى دهاليز البنوك.

 

زوج نادية الأمريكى

 

وتواصل الكاتبة استخدام ضمير الغائب «هي» وتكتب:

 

- كانت الدكتورة نادية أول من سكن بمبنى الجامعية بالزمالك فى أوائل التسعينيات بعد عودتها من الدراسة والتدريس بالولايات المتحدة. انتقلت إليها مع زوجها فيليب المستعرب العاشق لبلدها. يتكلم العربية مثلها ويُدرِّسها، مسكون بشوارع القاهرة وناسها ومقاهيها وحكاويها وخفة ظلها.

 

تمكَّن من اللهجة المصرية ومزاجها. حتى أن إحدى صديقات نادية تقول بعد أول لقاء لها بفيليب وسماعها حديثه باللهجة المصرية:

 

- لأ مش معقول، دا بجد يعني؟ دا الخواجة اللى وقع من الأتوبيس.

 

وتُكمل حكايتها.

 

ابنهما الوحيد

 

تستطرد الروائية فى حكايتها:

 

- وُلِد سيف ابنهما الوحيد فى ذلك المبنى الذى سيشهد طفولته وتخرجه فى الجامعة. كان يعشق المكان بكل من فيه. خاصة كل من أتوا للخدمة من بيت نادية. وكان لنرجس بالذات مكانة خاصة فى قلبه. إذ إنه عرفها منذ الثانية من عمره. لذا شكَّل رحيلها من البيت وعن حياته ألمًا حقيقيًا تحمَّله فى صمتٍ حزين.

 

وتحكى حكاية نرجس. جاءت نرجس طفلة فى جلبابها إلى بيت مدام منى، صديقة سامية هانم. أم نادية. يسحبها أبوها سحبًا رغم دموعها وخوفها من هذا البيت الجديد. حيث ستقيم مع أناسٍ لا تعرفهم لأول مرة فى حياتها. مدام منى لها ابنة واحدة فى سن نرجس، طفلة وحيدة لا تجد من تلعب معه. قررت مدام منى أن تبحث عن خادمة صغيرة فى السن لتكون ونيسة لابنتها. تلعب معها وتقطعان ساعات النهار الطويلة. وفى نفس الوقت تعمل فى البيت أثناء تواجد ابنتها فى المدرسة.

 

حكاية نرجس

 

جاءت نرجس إلى القاهرة وحدها لتبدأ حياة جديدة لم تعهدها من قبل. فى بادئ الأمر كانت مدام منى تعامل نرجس معاملة طيبة. ولكن مع مرور السنين وتفتُح نرجس على شوارع القاهرة ونُضج جسدها وتغير نظرة عينيها تبدلت الأحوال وأصبحت العلاقات بينهما علاقة إشكالية شائكة.

 

وعلى الرغم من تدهور العلاقة بين نرجس ومدام منى، إلا أن الأخيرة لم تبخل عليها فى التعليم فيما يخص الأعمال المنزلية، علَّمتها نظافة البيت والطبخ وصُنع المخلل الرائع المطلوب من كل ضيوف البيت. لم تكن نرجس أول من جاءت إلى بيت الدكتورة نادية. سبقتها بوقتٍ قليل ميلى من إثيوبيا.

 

كانت سامية هانم هى التى جاءت بميلى المُربيَّة الإثيوبية الجديدة، وحسَّت نادية على تعيينها لأنها ببساطة وقعت فى حبها، وهو شيء استثنائي. أتى بها مايكل متعهد المربيات الإثيوبيات التى اتصلت به سامية هانم، جاء بميلى ذات ليلة فى غياب نادية وفيليب عن المنزل. وكانت سامية هانم قد تبرعت بمجالسة سيف أثناء غيابهما.. وعندما دخلت ميلى البيت تفحصتها أم نادية المخضرمة فى أمور الخدم واستبشرت خيرًا فى الحال.

 

رواية أصوات

 

رواية الدكتورة سامية محرز: إمبراطورية نادية، تُعتبر رواية أصوات بحق، مكتوبة بتلقائية وبساطة غير عادية. مُدوَّنة عن عالمٍ تعرفه الكاتبة بشكلٍ جيد. وعندما نصطدم ببطلٍ ليس مصريًا مثل الخادمة الإثيوبية وتتكلم بلغة إنجليزية، ولا تعرف العربية. فإن المؤلفة تكتُب كلامها بنفس اللغة التى نطقته بها.

 

إنه نصٌ روائى مُمتِع، مكتوب ببساطة وسلاسة ونعومة وإنسانية شديدة. أما الحوار فهو مكتوب بالعامية المصرية. وحتى الأغانى التى تُرددها البطلات مكتوبة بعاميَّة يُحبها الإنسان جدًا.. إن إمبراطورية نادية للدكتورة سامية محرز رواية ممتعة عند قراءتها، وهذا ما نعثُر عليه بصعوبة فى الروايات المصرية، وربما العربية الجديدة.