رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«الحبس الاحتياطي» وتعديلاته الجديدة


4-3-2025 | 11:38

المستشار / أشرف نبيل العجايبي

طباعة
بقلم:المستشار / أشرف نبيل العجايبي

إن الحبس الاحتياطي وفقا لصحيح القانون شرع في الأصل لصون التحقيقات والحفاظ على ماديات الجريمة وعدم التلاعب بأدلتها كالتأثير والاتفاق مع الشهود أو المجني عليه، وذلك حتى انتهاء التحقيقات كما أنه للحفاظ على الأمن والنظام العام، واستلزم القانون أيضا أن يكون للمتهم محل إقامة ثابت ومعلوم داخل جمهورية مصر العربية وهو ما يعرف بـ «الخشية من هروب المتهم».


كما استلزم القانون أيضا أن تكون الجريمة في حالة تلبس ويجب تنفيذ الحكم فيها فور صدوره، وهذه هي شروط ومبررات الحبس الاحتياطي وفقا لنص المادة 112.
وإذا نظرنا إلى هذه الشروط نجد أنها شروطا لا نستطيع أن نحدها بأي حدود وذلك لما لمسناه من الواقع العملي بالقضايا الجنائية إذ أن السؤال الذي يطرح نفسه هو أنه ما الضوابط التي يستند إليها القاضي في مسألة خروج المتهم وتأثيره على الأمن أو النظام العام؟ نجد أن القانون هنا ترك ذلك لتقدير القاضي وهو أمر يمكن أن يسبب ضررًا بحقوق المتهمين الذين يفترض فيهم القانون البراءة حتى تثبت إدانتهم، فلا يوجد ضابط معين بالنسبة لهذا الشرط.


 كما أن مسألة حبس المتهم وعدم إخلاء سبيله لكي لا يضر بالتحقيقات، حيث أنه ووفقا لما عهدناه في هذه التحقيقات يجب أن يسأل ضابط الواقعة في جرائم الجنايات ويتم استدعاءه من قبل النيابة العامة لأكثر من مرة والسؤال هنا إذا لم يحضر الضابط لسؤاله فإن التحقيقات مازالت مستمرة ويجب حبس المتهم احتياطيا، الأمر الذي لم يضع له القانون ضابط أو حد معين.


فوفقا لهذا للقانون، أصدقوني القول أنه أضحى بمثابة عقوبة يقضيها المتهم دون صدور حكم ضده، والواقع العملي يشهد بذلك حيث أنه يتم حبس المتهم سنوات عديدة تحقيقا ومحاكمة ويحصل في النهاية على البراءة وبذلك يكون قد قضى عقوبة في جريمة حكم فيها بالبراءة وهو الأمر الذي لا نستطيع التعويض فيه فكيف نرجع له سنوات عمره التي قضاها في جريمة لم يرتكبها.


 اعندما أراد المشرع المصري الحد من مسألة الحبس الاحتياطي وفقا لنصوص المواد 123، 124 والتي تنص على: المادة (123): « لا يجوز  أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي أو التدبير على ثلاثة أشهر في مواد الجنح ما لم يكن المتهم قد أعلن بإحالته إلى المحكمة المختصة قبل انتهاء هذه المدة، ويجب على النيابة العامة في هذه الحالة أن تعرض أمر الحبس أو التدبير خلال خمسة أيام على الأكثر من تاريخ الإعلان بالإحالة إلى المحكمة المختصة وفقاً لأحكام الفقرة الأولى من المادة 132 من هذا القانون لإعمال مقتضى هذه الأحكام، وإلا وجب الإفراج عن المتهم أو إنهاء التدبير بحسب الأحوال».
فإذا كانت التهمة المنسوبة إليه جناية فلا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي أو التدبير على خمسة أشهر إلا بعد الحصول قبل انقضائها على أمر من المحكمة المختصة بمد الحبس أو التدبير مدة لا تزيد على خمسة وأربعين يوماً قابلة للتجديد لمدة أو لمدد أخرى مماثلة وإلا وجب الإفراج عن المتهم أو إنهاء التدبير بحسب الأحوال.


وفي جميع الأحوال، لا يجوز أن تجاوز مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق الابتدائي وسائر مراحل الدعوى الجنائية ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا تجاوز أربعة أشهر في الجنح وأثنا عشر شهراً في الجنايات، وثمانية عشر شهراً إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو  الإعدام.
المادة (124) : «يجوز لمحكمة الجنايات المستأنفة ولمحكمة النقض إذا كان الحكم صادراً بالإعدام أو السجن المؤبد أن تأمر بحبس المتهم احتياطياً لمدة خمسة وأربعين يوماً قابلة للتجديد لمدد أخرى بما لا يجاوز سنتين».
وعند النظر إلى ما جاءت به نص المادة 123 بعد التعديل نجد أنها حددت على سبيل القطع واليقين، أن مدة الحبس في الجنح هي ثلاثة أشهر ما لم يعلن المتهم بإحالته للمحكمة قبل انتهاء هذه المدة وخمسة أشهر في الجنايات قبل الإحالة وفي جميع مراحل الدعوى الجنائية عن ثلث الحد الأقصى المقرر للعقوبة بشرط أن لا تجاوز أربعة اشهر في الجنح واثنى عشر شهرا في الجنايات وثمانية عشر شهرا إذا كانت العقوبة هي السجن المؤبد او الإعدام.


وببساطة شديدة فإن نص المادة 123 حدد أقصى مدد الحبس الاحتياطي في كل مراحل الدعوى الجنائية بثلث الحد الأقصى للعقوبة، بشرط أن لا يزيد عن أربعة أشهر في الجنح واثنتى عشر شهرا في الجنايات، وثمانية عشر شهرا إذا كانت العقوبة هي السجن المؤبد او الإعدام.
ثم يأتي نص المادة 124 من ذات القانون التي تقرر عكس ذلك تماما، « يحق لمحكمة الجنايات المستانفة والنقض مد الحبس الاحتياطي حتى سنتين إذا كانت العقوبة هي السجن المؤبد أو الإعدام»، وهو الأمر الذي يخالف ما جاءت به نص المادة 123 والتي حسمت الأمر إن مدد الحبس الاحتياطي في سائر مراحل الدعوى الجنائية لا يجب أن يتعدى أربعة أشهر في الجنحة واثنتى عشر شهرا في الجنايات وثمانية عشر شهرا أربعة اشهر إذا كانت العقوبة المقررة هي السجن المؤبد اوالإعدام.


إن التعديلات الجديدة بالنسبة لقانون الحبس الاحتياطي لا ترفع الضرر الواقع على المتهم نهائيا، وتركت الأمر لتقدير المحكمة دون وضع ضوابط لكل شرط من شروط ومبررات الحبس الاحتياطي وبذلك مازال الحبس الاحتياطي معضلة دون حل جذري لها نعاني منها ومازالت العقوبة مقضي بها على المتهم دون حكم المر الذي يستدعي تدخلا حاسما من المشرع في وضع ضوابط لتطبيق مبررات الحبس الاحتياطي بنصوص صريحة تناقش مسألة انتهاء التحقيقات وعدم ربطها بسؤال ضابط الواقعة او بتقرير المعمل الكيماوي بالنسبة لجرائم المخدرات أو تقارير الأدلة الجنائية بالنسبة للأسلحة والذخائر إذ أن خروج المتهم لا يضر ولا يؤثر على الضابط أو خبراء المعمل نهائيا والنص على مجموعة من الجرائم نصا صريحا بأنها هي التي تمس الأمن والنظام العام وبذلك نكون قد تخلصنا من مشكلة الحبس الاحتياطي بما يوازن ما بين مصلحة المجتمع ومصلحة المتهم.