رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

القدس..«هويتنا وقضيتنا»

5-3-2025 | 21:58
طباعة

القاهرة دائمًا حاضرة فى المشهد العربى من منطلق أنها الشقيقة الكبرى لكل العواصم فى الضراء قبل السراء، وفى الشدة قبل السعة، وفى الأزمة قبل الرخاء، فعلى الفور تكون السند الصادق، والكتف الثابت لأى بلد يتعرض لمحنة أو يصاب بضرر، تسارع بتقديم المساعدات الإغاثية بلا منٍ ولا أذى بالقول أو الفعل، وتغيث الملهوف بكل السُبل، وتؤوى من يلجأ إليها بلا ثمن، تتصرف بدافع الأخوة، وتساعد بعاطفة العروبة، وتتحرك بغريزة الإنسانية، لا يشغلها «الشو الإعلامى»، ولا تحركها المصالح، ولا تلقى بالًا بالمخاطر، وتسعى جاهدة لضمان استقرار وسلامة أمتنا من الخليج إلى المحيط، مع الالتزام بالمبدأ الراسخ وهو احترام سيادة الدول وعدم التدخل فى شئونها الداخلية.

 

يحسب للقاهرة حرصها الدائم على توحيد صفوف الدول العربية، ولم شملها، وتقوية موقفها ضد المتربصين بحاضرها ومستقبلها، والقمة العربية التى عقدت أمس الثلاثاء بالعاصمة الإدارية خير مثال، وأقوى دليل على النهج المصرى فى مسار التضامن العربى، فقد انتبهت القيادة السياسية ممثلة فى الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى ضرورة وحدة الصوت العربى، وأهمية توسيع مشاركة الرؤساء والزعماء والملوك فى تلك القمة التاريخية التى تأتى فى وقت عصيب، ومفترق طرق لقضية العرب الأولى وهى القضية الفلسطينية، فقادت مصر الدعوة إلى استضافة هذه القمة الطارئة بعد التنسيق مع مملكة البحرين، الرئيس الحالى لجامعة الدول العربية، وفى نفس الاتجاه جاء قرار تأجيلها من 27 فبراير إلى 4 مارس لتوسيع دائرة الحضور، ووجود أكبر عدد من القادة لضمان نجاحها، ويكون الرد على مخطط تصفية القضية الفلسطينية بلسان عربى مبين «تعمير لا تهجير»، ولا تراجع أو استسلام عن حل الدولتين بما يتوافق مع القوانين الدولية والقرارات الأممية فى هذا الشأن.

 

والمعروف بحقائق التاريخ ووقائع الجغرافيا أن مصر تعمل ليل نهار على تجميع الأشقاء من مختلف الأقطار على موقف موحد، وكلمة سواء فيما يخص مصلحة الأمة العربية، وفى مقدمتها الأمن القومى العربى الذى تعد القضية الفلسطينية أهم محاوره، فالقاهرة تدرك أن الإجماع العربى قادر على تغيير المعادلة لصالح شعوبنا، ولا ينقصنا إلا الثقة فى أنفسنا، وحسن النيات وتوافر الإرادة، وها هى الظروف المحيطة، والأحداث المتتابعة تؤكد أنه لا غنى عن وحدة قرار العواصم العربية، فالأمم تتكالب علينا كما تتكالب الأكلة على قصعتها، ولا مهرب ولا مفر إلا بالتحصن بمظلة العروبة، والتمسك بالكلمة الموحدة، فلا وقت للتسويف، ولا مهلة للتفكير، الخطر أصبح يطرق الأبواب، ويتسرب من النوافذ، وينتشر فى الأجواء، وعلينا السرعة فى تناول الدواء لمحاصرة الداء، وقتل الجراثيم، وإعلاء المصالح القومية العربية فوق مصالح الدول الضيقة، ولابد أن يرى العالم أجمع، والغرب خاصة أن قواعد اللعب مع العرب تغيرت، والمعادلة تبدلت، فالأيدى متشابكة، والقلوب مؤلفة، والكلمات موحدة، وتكون الرسالة كاشفة من بيت العرب لـ»ترامب» وحليفه مجرم الحرب وهولاكو العصر نتنياهو أن سيادة الدول العربية خط أحمر، ولا تهجير للفلسطينيين لمصر أو الأردن أو السعودية أو غيرها، فلسطين للفلسطينيين، ولتذهب مؤامرة التهجير إلى الجحيم، والعواصم العربية وفى مقدمتها القاهرة لن تشارك أبدًا فى ظلم الشعب الفلسطينى، ولن تقبل كما أكد الرئيس السيسى فى كلمته بالقمة العربية إلا بالسلام القائم على الحق والعدل.

 

إن الشعوب العربية تنتظر على أحر من الجمر نتائج قمة القاهرة الطارئة حول تطورات القضية الفلسطينية، وترى أنه آن الأوان لتنفيذ النداءات المصرية المتواصلة بوحدة الصف العربى فى مواجهة المتآمرين، وإفساد أطماع الكارهين، وحتمية أن نرفع الكارت الأصفر فى وجه الأمريكان، طالما أنه أصابهم عمى البصر والبصيرة، ويريدون أن يقتلعوا شعبًا من أرضه، ويطردوه من بلاده بما يخالف كل الأعراف العالمية والقوانين الدولية والقرارات الأممية؛ من أجل إرضاء حكومة المتطرفين فى دولة الاحتلال، والانصياع المخزى لرغبة رعاة الصهيونية واليمين المتطرف داخل أمريكا، رغم التنديد العربى والاستجهان الدولى، ومطلوب بشدة من القادة العرب أن يوظفوا كل الأوراق لوأد هذه المؤامرة الخبيثة بكل السبل وجميع القدرات من السياسة إلى الاقتصاد، فلا مجال للإفراط أو التفريط، ولا وقت للتهرب من المسؤولية، إن التاريخ لن يرحم أى زعيم عربى يقف صامتا على مخطط التهجير الجهنمى أو يتردد فى مساندة الخطة المصرية الشاملة والمتكاملة لإعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير للفلسطينيين، وتبدأ بعمليات الإغاثة العاجلة والتعافى المبكر، وصولًا لعملية إعادة بناء القطاع، كما قال الرئيس السيسى، فهى خطة، تحفظ للشعب الفلسطينى، حقه فى إعادة بناء وطنه، وتضمن بقاءه على أرضه.

 

ولا تكل ولا تمل القاهرة من التصدى لكل المؤامرات التى تستهدف تصفية القضية الفلسطينية؛ لأنها قضية القضايا، وتستغل خبرتها الطويلة فى الصراع العربى الإسرائيلى للتنبؤ بنيات دولة الاحتلال، ووضع كل سيناريوهات إجهاضها مبكرًا، وهو ما تجسد فى كلمة الرئيس السيسى خلال الجلسة الافتتاحية للقمة الطارئة حول فلسطين، بحضور عدد من قادة وزعماء الدول العربية والأمين العام لجامعة الدول العربية والأمين العام للأمم المتحدة ورئيس المجلس الأوروبى ورئيس الاتحاد الإفريقى، عندما قال الرئيس السيسى نصًا: «إن القدس ليست مجرد مدينة.. بل هى رمز لهويتنا وقضيتنا.. وإن الحديث عن التوصل إلى السلام فى الشرق الأوسط، دون تسوية الصراع الإسرائيلى الفلسطيني.. هو لغو غير قابل للتحقق.. فلن يكون هناك سلام حقيقى، دون إقامة الدولة الفلسطينية.. ولابد من إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على خطوط الرابع من يونيو لعام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية”.

 

ومن المعلوم بالضرورة أن هذا الموقف المصرى الثابت فى دعم حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة، والوقوف ضد أى مخطط للتهجير سبق تأكيده عدة مرات خلال الشهور الأخيرة، ففى قمة القاهرة للسلام بعد أسبوعين فقط من بدء أحداث غزة أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته نصًا «اليوم تقول لكم مصر بكلمات ناصحة أمينة: إن حل القضية الفلسطينية، ليس التهجير وليس إزاحة شعب بأكمله إلى مناطق أخرى؛ بل إن حلها الوحيد، هو العدل، بحصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة فى تقرير المصير، والعيش بكرامة وأمان، فى دولة مستقلة على أرضهم مثلهم، مثل باقى شعوب الأرض»، ثم فى نوفمبر 2023 نجحت القاهرة مع بعض الوسطاء فى تمرير الهدنة الأولى التى استمرت عدة أيام، وحدث فيها توقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات وتبادل الأسرى والمحتجزين، ثم أعدت ورقة متكاملة للهدنة من ثلاث مراحل، وتعتبر هى الأساس الذى خرجت من طياته مقترحات الرئيس الأمريكى السابق بايدن، وتسببت التعديلات الإسرائيلية المتتابعة عليها فى رفض الفصائل الفلسطينية لها؛ مما جعل الحرب تتواصل على مدى أكثر من 13 شهرًا، وسقوط أكثر من 48 ألفاً من الفلسطينيين شهداء التمسك بالأرض معظمهم من الأطفال والنساء، وقرابة 112 ألف مصاب، وعلى مدى تلك الشهور بأيامها الصعبة ولياليها الثقيلة تواصلت جولات المفاوض المصرى مع الشركاء القطريين والأمريكيين حتى الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار.

 

كما أن مصر تتمسك بإعمار قطاع غزة دون إخلائه من الفلسطينيين، وخلال القمة العربية أجمع القادة على تنفيذ الخطة المصرية للتعافى المبكر وإعادة الإعمار، والتى أعدتها حكومة د. مصطفى مدبولى تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى، مع بذل أقصى الجهود من أجل دعم القضية الفلسطينية، سواء من خلال استمرار التحركات لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بكافة مراحله، أو إعادة الإعمار فى قطاع غزة، وبالفعل تواصل القاهرة نهر المساعدات الإغاثية بكل أنواعها للأشقاء فى قطاع غزة، فضلاً عن توفير كل الإمكانات لاكتمال الإعمار فى ثلاث سنوات فقط، بالاستفادة من خبرتها الواسعة فى مجال المشروعات القومية خلال السنوات العشر الأخيرة فى وقت قياسى بالتوازى فى عدة قطاعات.

 

ومن المؤكد أن القاهرة كانت وما زالت وستظل سند القضية، ولن تكون هذه القمة الأولى أو الأخيرة فى مسيرة الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينى، فهو عهد قطعته على نفسها على مدى 76 عامًا فى كل المواقف، وكافة المحافل، ولا يمكن أن ينكر هذا الدور إلا جاحد، ميت القلب، عديم الضمير، لأن القضية الفلسطينية مقدرة من كل أهل مصر، ودفعت فى سبيلها ثمنًا غاليًا من الأرواح الطاهرة، والدماء الذكية، وستواصل طريقها المستقيم لإفساد كل المؤامرات، وجميع المخططات فى معركتها المستمرة؛ دفاعًا عن حقوق الشعب الفلسطينى، بحكم أن مصر حصن العروبة، والحارس الأمين للقضية الفلسطينية.

حمى الله مصر وشعبها وقيادتها

ومؤسساتها الوطنية من كل سوء