هنيئًا لمن وُفِّق لاغتنام شهر رمضان «صلاةً، وصيامًا، وقيامًا» فهو شهر استثنائى وفريد من نوعه، تُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق فيه أبواب النار، وتتضاعف فيه الحسنات، وتقل فيه السيئات، وتتجلى الروحانيات، ويكثر الاستغفار، وتقل الخصومات، ويتسع الرزق، ويقل الحسد والحقد، فهو ذو فضل عظيم وثواب جزيل.
فرض الله الصيام تشريفًا وتعظيمًا، وكتبه على المسلمين فقال- عز وجل- فى سورة البقرة عَلَيْهِ (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ١٨٣ أَيَّاما مَّعْدُودَٰت فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ١٨٤ شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰت مِّنَ ٱلْهُدَى وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا ٱللَّهَ عَلَى مَا هَدَىٰكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ١٨٥ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِى وَلْيُؤْمِنُوابِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
وفى الحديث القدسى عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم (قالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ؛ فإنَّه لي، وأَنَا أجْزِى به، والصِّيَامُ جُنَّةٌ، وإذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولَا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أو قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّى امْرُؤٌ صَائِمٌ. والذى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِى رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ) (متفق عليه) وهو شهر عبادة، وعمل صالح ورجوع إلى الله تعالى وصيامه وقيامه يغفر ما تقدم من الذنوب؛ قال- صلى الله عليه وسلم (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) وشهر رمضان تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتصفد فيه الشياطين، وتقبل النفس على فعل الخير، قال- صلى الله عليه وسلم (إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ).
وبناء على الأوامر الألوهية والوصايا المحمدية يجب على المسلم أن يكون جواداً ومبادراً للصيام والقيام والاستغفار والتوبة، والبُعد عن المنكرات، والإِقبال على الله تعالى، فهو شهر الجود والإنفاق والصدقة، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما، قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِى شَهْرِ رَمَضَانَ، وأن جِبْرِيلَ - عليه السلام - كَانَ يَلْقَاهُ فى كُلِّ سَنَةٍ فى رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَة).
ويتذكر ويعمل بوصايا الرسول صلى الله عليه وسلم عند استقبال رمضان، فقد أوصى- عليه السلام- بالاستبشار بقدومه فقال يبشر أصحابه (قدْ جاءَكمْ شهرُ رمضانَ، شهرٌ مباركٌ افترضَ اللهُ عليكُمْ صيامَهُ، يفتحُ فيهِ أبوابُ الجنةِ، ويغلقُ فيهِ أبوابُ الجحيمِ، وتغلُّ فيهِ الشياطينُ، فيهِ ليلةٌ خيرٌ مِنْ ألفِ شهرٍ، مَنْ حُرِمَ خيرَها فقدْ حرِمَ).
وقد أوصى الرسول- الكريم- بقيام الليل والاعتكاف للعبادة، والاجتهاد فى العشر الأواخر، وتعجيل الفطور وتأخير السحور، وأمر الصائم بحفظ لسانه وجوارحه، والإكثار من الدعاء والاستغفار؛ فالعلاقة بين رمضان والاستغفار قوية تتجلى فيها الروحانيات، ورمضان من الأوقات المحببة لاستغفار المسلم والتقرب إلى الله، فأبواب السماء تفتح فيه، وفتح أبوابها دلالة على كثرة الخير النازل، وسرعة الاستجابة للدعاء الصاعد إلى السماء من الأعمال الصالحة، ومنها الدعوات المستجابة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن لله عُتَقَاءَ فى كل يومٍ وليلة، لكل عبدٍ منهم دعوةٌ مُسْتجابةٌ) ويستحب الإكثار من الدعاء فى ليلة القدر، وقد علّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، عائشة -رضى الله عنها- أن تقول فى ليلة القدر (اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي)، ويجوز الدعاء بما يشاء من خير الدنيا والآخرة، وقراءة القرآن وتدبره حرىّ بالمسلم أن يحرص على الاستزادة من تلاوته، وأن يخصّص لنفسه ورداً يلتزم به طيلة الشهر الكريم؛ لأن تلاوته تنمّى فى نفس المسلم فعل الخير، وتنشّطه، وتسهّل عليه الصيام والقيام وفعل الخيرات، كالجود والصدقة وسائر أعمال البر. فقد ورد عن ابن عباس- رضى الله عنه (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجوَدُ ما يَكونُ فى رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فى كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضَانَ، فيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ).
وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم، للمسلم طريقة الدعاء وكيفيته، فقال (سَيِّدُ الِاسْتِغْفارِ أن تَقُولَ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّى لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِى وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِى فاغْفِرْ لِي؛ فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ. قالَ: ومَن قالَها مِنَ النَّهارِ مُوقِنًا بها، فَماتَ مِن يَومِهِ قَبْلَ أن يُمْسِيَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ، ومَن قالَها مِنَ اللَّيْلِ وهو مُوقِنٌ بها، فَماتَ قَبْلَ أن يُصْبِحَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ).
ويلجأ المسلم إلى الله صائماً قائماً مستغفراً طلباً لرحمة الله تعالى؛ فقال سبحانه وتعالى فى سورة النمل: (قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). وسعة الرزق، قال الله تعالى فى سورة نوح: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)، والحصول على رضاه تعالى ومغفرته، فالنبى صلى الله عليه وسلم بيّن أهمية الاستغفار والتوبة فقال: (ما من عبدٍ يُذنِبُ ذنبًا فيُحسِنَ الطَّهورَ ثمَّ يقومَ فيُصلِّى ركعتَيْن ثمَّ يستغفِرُ اللهَ إلَّا غَفَر له، ثمَّ قرأ هذهِ الآيةَ (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أو ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) والفوز برضا الله تعالى؛ فقال (مَنْ أحبَّ أن تسرَّهُ صحيفتُهُ، فليُكْثِرْ فيها مِنَ الاسْتغفارِ) وإزالة الهموم والأحزان فقال (مَن لَزِمَ الاسْتِغْفارَ جَعَلَ اللهُ له مِن كلِّ ضيقٍ مَخرَجًا، ومِن كلِّ هَمٍّ فَرَجًا، ورَزَقَه مِن حيثُ لا يَحتَسِبُ) وجلباً للبركة، فقد قال الحسن البصرى (َأكْثِرُوا الِاسْتِغْفَارَ فِى بُيُوتِكُمْ، وَعَلَى مَوَائِدِكُمْ وَفِى طُرُقِكُمْ، وَفِى أَسْوَاقِكُمْ، وَفِى مَجَالِسَكُمْ، وَأَيْنَ مَا كُنْتُمْ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِى أَى وَقْتٍ تَنْزِلُ الْبَرَكَةُ).
وللاستغفار فوائد متعددة تكون على مدار عمر المسلم، ولكنها تكون فى شهر رمضان المبارك مضاعفة، ومن فضائله يجعل المسلم سعيدًا فرحاً، ويبعد عنه الهموم والأحزان وبجلب له النعم والرزق الوفير فى المال والولد، فسعادة الإنسان مقرونة باستغفاره، وتحقيق المراد من رب العباد، ونزول رحمة الله، ويدفع عقابه عنه فقال (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، والاستغفار سبب لهلاك شياطين الإنس والجن ودحرهم، ولحل المشكلات والمعوقات وبيان الحق، وشراح الصدر، وتطهير القلب، والتواصل مع الله، وشكره على نعمته، وإقرار بفضله، وبوحدانيته.
ومن أفضل الأوقات لاستغفار المسلم وقت السَّحَر فى الثلث الأخير من الليل لما جاء فى فضله، ومدح الله المستغفرين بالأسحار فقال فى سورة الذاريات: (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). وفى الحديث الشريف (يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فيَقولُ: مَن يَدْعُونِى فأسْتَجِيبَ له، مَن يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِى فأغْفِرَ له) وقبل الإفطار؛ وهو وقت شكر على النعم وفرح ولحظات تدبر وتنقية القلب والروح من الذنوب، والتواصل مع الله وطلب المغفرة والرحمة، وقيام الليل المعروف بالتراويح- تؤدى بعد صلاة العشاء، وتقرأ فيها أجزاء من القرآن الكريم، ويطلب فيها المسلم الرحمة والمغفرة- والعشر الأواخر من رمضان التى يزيد فيها الفضل والاستغفار والتسبيح، وخاصة ليلة القدر التى نزل فيها القرآن الكريم؛ وهى خير من ألف شهر.
ويكفى المسلم الصائم قربه من الله فى هذا الشهر الفضيل، وفرحه وسروره، وتكاتفه الاجتماعى ودعواته التى لا ترد عند فطره، وبشرى النبى صلى الله عليه وسلم (مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)، فاحرص أخى المسلم على الاستغفار فى الأسحار، والزم المساجد وصلاة الجماعة، وصل التراويح، واعطف على الفقير والمسكين، وصل الرحم، وأقم الموائد، وطهر قلبك وتسامح، وتذكر أنها (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ).

