رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

اليهود.. المماطلة والتسويف


8-3-2025 | 19:19

.

طباعة
بقلـم: محمد الشافعى

رمى بنو إسرائيل أنفسهم فى أتون محنتين كبيرتين.. الأولى محنة البقرة.. والأخرى محنة العجل.. وقد أظهرت كلتا المحنتين الكثير من صفاتهم وأخلاقياتهم.. منذ بعثة نبى الله موسى وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. وكأن تلك الصفات محفورة على خلاياهم يتوارثونها جيلًا بعد جيل، حيث يتسمون بالتحايل والمماطلة والتباطؤ والتلكؤ وخيانة العهد.. وغير ذلك من الصفات الذميمة.

وهناك أكثر من رواية لقصة بقرة بنى إسرائيل.. أرجحها أن رجلًا شديد الثراء.. له ابنة وحيدة.. وله ابن أخ فقير سيء الخلق، تقدم لخطبة ابنة عمه فرفض الرجل أن يزوجها له.. فغضب الفتى وقال والله لأقتلن عمى ولآخذن ماله.. ولأنكحن ابنته.. ولآكلن ديته.. فاحتال الفتى على عمه حتى يذهب معه ليضمنه عند بعض كبار التجار ليعمل معهم.. ثم انقض على عمه فقتله.. وترك جثته عند ديار هؤلاء التجار.. وعاد إليهم فى الصباح يطالب بدية عمه.. وراح كل واحد يدفع التهمة عن نفسه ويتهم الآخرين بقتل الرجل.. وقرروا رفع الأمر إلى نبى الله موسى.. فأبلغهم أمر الله لهم بذبح بقرة “إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة”.. ولو أنهم رضخوا لأمر الله.. وسارعوا بذبح أى بقرة من أبقارهم.. لنفذوا الواجب.. بغض النظر عن لون وعمر وعمل البقرة.. ولكنهم تعجبوا من أمر موسى وتساءلوا.. ما دخل ذبح بقرة فى التعرف على القاتل المجهول.. وظنوا أن موسى يهزأ بهم فردوا عليه « أتتخذنا هزوًا».. فرد عن نفسه هذا الاتهام «أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين”.

 

فلما علموا أن الأمر جد لا هزل فيه.. لجأوا إلى طريقتهم فى التفاوض المليء بالتسويف والتحايل والمماطلة والتباطؤ والتلكؤ.. تلك الطريقة التى مازالت عنوانًا لليهود فى أى تفاوض حتى الآن، راحوا يثيرون الكثير من الأسئلة مع نبى الله موسى عن لون البقرة وعمرها “ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها».. فأخبرهم أنها صفراء تسر الناظرين.. فسألوا عن عملها ومنزلتها عند أصحابها.. فسألوا هل هى مذللة أم معززة مكرمة عند أصحابها.. فقال إنها لا تعمل فى حرث الأرض ولا تسقى الزرع.. فبحثوا عن تلك البقرة فلم يجدوها إلا عند امرأة عجوز تسعى على أيتام.. فطلبت أضعاف ثمنها.. فعادوا إلى نبى الله موسى فقال لهم أعطوها ما طلبت.. فذبحوها مضطرين مكرهين مجبرين.. فلما ذبحوها أمر الله أن يأخذوا جزءًا منها ويضربوا به جثة القتيل.. فلما فعلوا أحيا الله القتيل وقال قتلنى فلان “ابن أخ الرجل”.. ثم مات مرة أخرى.. ليكشف الله بهذه المعجزة ما كان خافيًا عليهم.

 

وقد روى القرآن الكريم.. قصة بقرة بنى إسرائيل كاملة فى سورة البقرة “وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُكُم أَن تَذبَحُواْ بَقَرَة قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوا قَالَ أَعُوذُ بِأللَّهِ أَن أَكُونَ مِنَ الجَٰهِلِينَ(67) قَالُواْ أدعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَة لَّا فَارِض وَلَا بِكرٌ عَوَانُ بَينَ ذَٰلِكَ فَأفعَلُواْ مَا تُؤمَرُونَ(68) قَالُواْ أدعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَونُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَة صَفرَاءُ فَاقِع لَّونُهَا تَسُرُّ ألنَّٰظِرِينَ(69) قَالُواْ أدعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ ألبَقَرَ تَشَٰبَهَ عَلَينَا وَإِنَّا إِن شَاءَ أللَّهُ لَمُهتَدُونَ(70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَة لَّا ذَلُول تُثِيرُ ألأَرضَ وَلَا تَسقِي ألحَرثَ مُسَلَّمَة لَّا شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ ألـَٰٔنَ جِئتَ بِألحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفعَلُونَ(71) وَإِذ قَتَلتُم نَفسا فَأدَّٰرَٰءتُم فِيهَا وَأللَّهُ مُخرِج مَّا كُنتُم تَكتُمُونَ (72) فَقُلنَا أضرِبُوهُ بِبَعضِهَا كَذَٰلِكَ يُحيِ أللَّهُ ألمَوتَى وَيُرِيكُم ءَايَٰتِهِ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ(73)”.

 

أما فتنة العجل فقد روى القرآن الكريم قصتها كاملة فى سورة طه.. من الآية الثالثة والثمانين وحتى الآية الثامنة والتسعين.. ولكننا سنتوقف أمام الآية 152 من سورة الأعراف “إِنَّ ألَّذِينَ أتَّخَذُواْ ألعِجلَ سَيَنَالُهُم غَضَب مِّن رَّبِّهِم وَذِلَّة فِي ألحَيَوٰةِ ألدُّنيَا وَكَذَٰلِكَ نَجزِي ألمُفتَرِينَ (152)”.. حيث استغل بعض بنى إسرائيل ذهاب نبى الله موسى إلى ميقات ربه.. وعبدوا العجل الذى صنعه لهم السامرى.. ولأنهم قد خالفوا سنن الله فى كونه.. فقد توعدهم سبحانه وتعالى سينالهم غضب من ربهم فى الحياة الدنيا.. ويؤكد حرف السين على أن أوان الغضب والذلة لم يأت بعد وسيحدث فى المستقبل.. ورغم أن مستقبل الدنيا هو الآخرة.. إلا أن الآيات الكريمة تؤكد على أن الذلة ستحدث فى الدنيا.

 

رغم توبة هؤلاء المخطئين حيث قال لهم الله “فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُم فَأقتُلُواْ أَنفُسَكُم ذَٰلِكُم خَير لَّكُم عِندَ بَارِئِكُم فَتَابَ عَلَيكُم إِنَّهُ هُوَ ألتَّوَّابُ ألرَّحِيمُ (54)”. وإذا كان بعض هؤلاء المخطئين قد تابوا إلى بارئهم بقتل أنفسهم فلماذا إذن الغضب؟.. ويذهب الشيخ محمد متولى الشعراوى إلى أن الغضب.. يكمن فى قوله تعالى “اقتلوا أنفسكم”.. وهذا الأمر كان قبل توبتهم.. وقتل النفس هو منتهى الذلة ومنتهى الإهانة.. وتؤكد الآية الكريمة على أن كل مفتر يتجاوز حده فوق ما شرعه الله.. لابد وأن يناله هذا الجزاء.. فقصة أتباع موسى ليست مجرد سرد لما فعلوه.. وليست فى التحدى المستقبلى “سينا لهم”.. ولكنها تقدم العظة والعبرة لكل الناس.. وتقدم تحذيرًا إلهيًا لكل من يرتكب تلك الأخطاء والخطايا.. بأنه سينال نفس الجزاء.. الذى وقع على أتباع موسى الذين اتخذوا العجل إلهًا.