رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

السيدة عاتكة.. زوجة الشهداء


8-3-2025 | 19:30

.

طباعة
تقرير: رانيا سالم - سناء الطاهر

إذا سلكت طريقك فى حى الخليفة بالقاهرة، ستجد نفسك داخل أحد أعرق شوارعها، شارع الأشراف، الذى يزخر بمقامات أهل البيت والصحابة والصالحين. وما إن تقترب من مسجد السيدة رقية، حتى تبدأ رحلتك فى عالم من التاريخ والروحانية.

وعند دخول المسجد من بابه الخارجى، ستجد على يسارك ضريح السيدة رقية، وقبل الوصول إليه، ستقابل قبرين: أحدهما على اليسار يُنسب إلى أسماء خادمتها، والآخر على اليمين، ويُقال إنه يضم رفات 400 من الصحابة والصالحين الذين لم تُعرف أسماؤهم.

 

وقبل أن تدخل المسجد نفسه، إذا نظرت إلى الساحة الخارجية، سترى قبتين شامختين، الأولى تعود إلى السيدة عاتكة، والأخرى تُنسب إلى الشيخ على الجعفرى، أحد أحفاد آل البيت، ومن الشخصيات الروحية البارزة التى دُفنت فى هذه المنطقة.

 

أول ما تنتبه إليه عندما تطأ قدماك مدخل المسجد والأضرحة، الرائحة الطيبة التى تملأ المكان، عند ضريح السيدة رقية أو ضريح السيدة عاتكة، وحتى عندما تتوجه للصلاة داخل ساحة المسجد، يقابلك الهدوء ونسمات الهواء الرطبة وحالة من روحانيات تعم المكان، الكل يعرف قبلته، يبدأ بالسيدة رقية وقراءة الفاتحة، ثم السيدة عاتكة، ليس هناك مجال للحديث، الصمت يعم المكان، وحينما تنتهى من الفاتحة تتوجه للصلاة.

 

بقيع مصر

 

ضريح السيدة عاتكة ليس مجرد بناء حجرى، بل يحمل بين جدرانه تاريخًا امتد لأكثر من ألف عام، فقد بُنى فى العصر الفاطمى عام 514هـ، حينما اهتم الفاطميون بتحويل هذه المنطقة إلى مزار روحى، يضاهى بقيع المدينة المنورة، حتى أُطلق عليها «بقيع مصر»، لما تضمّه من مقامات لأهل البيت والصحابة والصالحين، وفى الساحة نفسها، يجاور ضريحها قبر الشيخ على الجعفرى، وهو أحد أبناء الإمام جعفر الصادق، ومن نسل الإمام على بن أبى طالب، فكان الشيخ الجعفرى شخصية روحية لها مكانة كبيرة فى مصر، حيث جاء إليها فى العصر الفاطمى، وعُرف بزهده وعلمه، فحظى بمكانة متميزة بين أهلها، حتى أصبح قبره مزارًا يقصده المحبون وأصحاب الطرق الصوفية.

 

بابتسامة بشوشة وصوت رخيم يقابلك «عاشور»، خادم المسجد، أربعينى يرتدى جلبابًا صعيديًا، بابتسامة هادئة يرحب بك وكأنه فى انتظارك لبدء جولة روحانية داخل الضريح والمسجد. «عاشور» يجيد دوره بشكل مُتقن، يعى بخبرات سنوات عمله من هم رواد المسجد الدائمين ومن هم الزوار الجدد، لتبدأ مهمته الحقيقية فى سرد تاريخ الأضرحة والمسجد، وعمليات الترميم التى ظهرت على المسجد وأروقته وعلى الأضرحة فأظهرتها فى أحلى صورها، يشيد بعمليات الترميم التى يتم تنفيذها، لكنه يتمنى أن يتم الانتهاء منها سريعًا حتى يعاد فتحها لرواد الأضرحة.

 

ارتفع أذان العصر ليجتمع الزائرون فى المسجد لأداء الصلاة، ليبدأ بعدها الجميع فى ممارسة طقوسهم المختلفة من ذكر وأدعية، جلست صديقتان فور انتهائهما من الصلاة لتتحدثا عن محبة مساجد آل البيت، وأنهما رزق لأهل مصر.

 

مساجد آل البيت

 

«سعاد» ستينية اختارت أن تكون وجهتها اليوم من مساجد آل البيت إلى ضريح السيدة رقية والسيدة عاتكة، جلست لتسرد تاريخ دخول الإسلام لمصر منذ فتح عمرو بن العاص لها، لتتم إنارة مصر بوجود آل البيت فيها.

 

«لا يُزار ولى إلا بإذنه»، هكذا قالت الحاجة سعاد، فهى تتردد على كافة مساجد آل البيت، فعندما تقرر زيارة مساجد آل البيت تأتى بقلبها، فحب آل البيت ليس هدفًا، وتنفى ما يتردد عنهم بالدروشة، وتقول: «عدد كبير منّا حاصل على شهادات عليا، لكننا نأتى حبًا فى آل البيت، فالصدق مع الله عز وجل يتبعه زيارة لمساجد آل البيت».

 

أما «زينب» فهى الأخرى تحرص على زيارة أضرحة آل البيت ومن ضمنهم السيدة عاتكة، وتقول: «لدىّ يقين بأن السيدة عاتكة وغيرها من آل البيت لديهم «نفحة ربانية» من عند الله، لهذا لديهم راحة وطمأنينة وهدوء، ينعكس على كافة زوار أضرحتهم، فأحرص من وقت إلى آخر على زيارة أضرحة آل البيت والصلاة والدعاء، ليس شرطًا الذهاب للسيدة زينب أو سيدنا الحسين لكن أتجول لأنهل من روحانيات آل البيت جميعهم؛ ولهذا قمت بزيارة السيدة عاتكة والسيدة رقية».

 

«محبة آل البيت لا يُسأل عنها»، هكذا تقول «زينب» بعيون يملؤها الدموع، هى قصة هبة ومنحة يضعها الله فى قلوب عباده، «قبضة نورانية تأتى فى قلوب المسلمين تدفعك بقوة لزيارتهم وخدمتهم»، فتظن الحاجة زينب أن زيارة آل البيت أمر ربانى «حسب ما نتطلب»، ممكن كل أسبوع أو أسبوعين.

 

حالة من الفخر والسعادة جمعت «سعاد وزينب» بتجديدات آل البيت جميعهم، ومنهم السيدة عاتكة ورقية والسيدة زينب وسيدنا الحسين، فتقول «زينب»: «كرم من الله ما يتم من تجديدات مساجد آل البيت، وترميمها وتزيينها، وهو تعبير عن محبة وتقدير وإجلال المصريين بآل البيت، وتتيح وجود مساجد نظيفة وتلبى كافة احتياجات المصلين، وكما يتم تجديد وترميم وصيانة مسجد سيدنا النبى عليه أفضل الصلاة والسلام، فمصر ترمم وتجدد مساجد آل بيته».

 

واستشهدت «زينب» بالآية الكريمة «إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ»، وتتابع أن إعمار المساجد بشكل عام هو أمر إلهى وليس بذخًا كما يُردد السفهاء، فما بالكم بمساجد وأضرحة آل البيت، فحركة التجديدات والترميمات لمساجد آل البيت جميعهم هى شرف لكافة المصريين وإعلان أن مصر ستظل تعلى من شأن آل البيت.

 

الصحابية عاتكة

 

عن السيدة عاتكة، قال الدكتور صلاح عاشور، أستاذ التاريخ الإسلامى بجامعة الأزهر: «علينا أن نفرق بين شخصيتين تحملان اسم عاتكة فى التاريخ الإسلامى، الأولى هى عاتكة بنت عبد المطلب، عمة النبى محمد صلى الله عليه وسلم، والتى اشتهرت برؤياها التى تنبأت بهزيمة المشركين فى غزوة بدر، لكنها لم تغادر مكة ولم تُدفن فى مصر».

 

ويضيف: «أما الصحابية السيدة عاتكة التى نتحدث عنها هنا، فهى عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، شقيقة سعيد بن زيد، أحد العشرة المبشرين بالجنة، صاحبة الضريح، والتى جاءت إلى مصر مع زوجها الزبير بن العوام، وقد تزوجت للمرة الأولى من عبد الله بن أبى بكر الصديق، ثم بعد وفاته تزوجت من زيد بن الخطاب، ثم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ثم الزبير بن العوام، الذى جاء بها إلى مصر، حيث توفيت ودُفنت فيها، ولها قبة مشهورة فى القاهرة، وتم إنشاؤها فى العصر الفاطمى، أى بعد 500 عام من وفاتها، فتم إنشاؤها عام 514 هجريًا، والفاطميون هم من قاموا ببناء هذه القبة بجوار قبة الجعفرى، وهى تلاصق قبة الجعفرى من الجهة الشمالية الغربية، وتم إطلاق «بقيع مصر» على هذه القباب والمدافن لكثرة ما دُفن فيها من الصحابة، فهى تشابه بقيع المدينة المنورة وهى ما تعرف الآن بشارع الأشراف».

 

ويشير أستاذ التاريخ الإسلامى إلى أن السيدة عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل اشتهرت بورعها وتقواها، وكان لها حظ من الجمال والبلاغة، حتى إن من تزوجوها كانوا من كبار الصحابة، لكن ما لفت الأنظار فى حياتها هو أن جميع أزواجها استشهدوا، منهم محمد بن أبى بكر، وعمرو بن الخطاب، الزبير بن العوام، مما جعل الناس يعتقدون أن من يتزوجها ينال الشهادة، وتم القول «من أراد أن يستشهد فليتزوج السيدة عاتكة»، حتى إنه أشيع أن على بن أبى طالب طلب الزواج منها، فما كان منها إلا أن قالت بحزن: «آه، لو تزوجتنى، ستنال الشهادة!»، وهو ما أكسبها لقب زوجة الشهداء.