رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الطلاب والعنف السياسى


8-3-2025 | 19:46

.

طباعة
بقلم: إيمان رسلان

كان طلاب الجامعات المصرية، وعبر تاريخ مصر المعاصر فى مقدمة الصفوف، الذين يشاركون فى المجال العام وينشغلون بقضايا السياسة، بدأت بالنضال ضد المحتل الأجنبى، وتصاعدت فى العقد الثانى من القرن العشرين مع ثورة 1919، ثم عامى 1935 و1946، وحتى ثورة يوليو، وبعدها كان الطلاب هم فى طليعة مَن خرجوا احتجاجًا على هزيمة 1967 وأحكام الطيران، وأعقبها فى عهد السادات حركة طلابية شاملة تنادى بتحرير الأرض ورد العدوان فى 1972 و1973 ثم كانوا الوقود احتجاجًا فى عهد مبارك وثورة يناير، وأغلبها كان سلميًا، إلا أن هذا تحول للعنف مع تولى جماعة الإخوان الإرهابية الحكم ثم عزلهم بثورة شعبية فى 30 يونيو 2013، والتى ترصدها رسالة دكتوراه من الباحث محمد ألمظ المدرس بكلية الدراسات العليا للتربية، وصدرت فى كتاب مؤخرا.

تأتى أهمية الرسالة والكتاب لاقترانها بالبحث الأكاديمى لهذه الفترة المهمة والحرجة على المستوى الوطنى، ورصد وتيرة وتصاعد حدة العنف بالجامعات والتى ناقشتها الدراسة الأكاديمية.

 

الرسالة شدّنى عنوانها لاهتمامى بالموضوع، خاصة وقد حصلت على جائزة نقابة الصحفيين فى أوائل الألفية الحالية عن ملف الطلاب والسياسة، لذلك وجدت أن مناقشة ذلك أكاديميا فى فترة حرجة هو موضوع هام وجديد ويستحق عرضه والكتابة عنه، لأنها لا تركز على عنف الشباب فقط أو المرحلة العمرية، وإنما الأهمية أنها ركزت على العنف الطلابى بالجامعات المصرية فى الفترة بعد ثورة 30 يونيو، وببحث حالة وتركيز على جامعتى القاهرة والأزهر، كما أنها تتضمن أيضا استبيانا موجها للطلاب واستمارة مقابلة لأعضاء هيئات التدريس، وكانت الرسالة بإشراف المفكر والتربوى الكبير د. سامى نصار وهو أيضا العميد الأسبق لمعهد الدراسات العليا التربوية بجامعة القاهرة، وإضافته كما وردت نصا بالرسالة تستدعى التوقف أمامها، خاصة فى أسباب العنف الاجتماعى والاقتصادى، وتستلزم مقالا مستقلا.

 

ترصد الرسالة المقارنة بين طلاب جامعتى القاهرة والأزهر والتى تم إصدارها فى كتاب مؤخرًا حالة العنف، وإن الجامعات كانت ساحة للصراع السياسى بين القوى المتنازعة فى المجتمع والتى وصفها بأنها تحمل شعارات عنصرية فى بعض الأحيان، وفى ساحات العلم بما يتعارض مع التقاليد السائدة فى كل جامعات العالم، وأن الطلاب أصبحوا هم أداة هذا العنف ووسيلته بما يحملونه من أفكار واتجاهات، بعضها معادٍ إلى المجتمع وللنظام بل وللجامعة نفسها.

 

ملحوظة: وهنا أتذكر تغطيتى لمحاولات العنف من أنصار الإخوان الإرهابية ضد جامعة القاهرة وحريق كلية الهندسة بها، وإطلاق قنابل المولوتوف على رئيس الجامعة، وكان د. جابر نصار ومكتبه بل ومحاولة امتداد الأمر لأسرته.

 

وفى نقطة محددة بعد أن يستعرض الكاتب فى بداية الجزء النظرى تاريخ الحركات الطلابية على المستويين العالمى وبمصر، سواء دورها لمواجهة الاحتلال، أو للتعبير عن رفضها لبعض السياسات عقب هزيمة 1967 والحركة التى استمرت عامين فى 1972 و1973 للمطالبة بحرب تحرير الأرض المغتصبة من العدو الإسرائيلى وقتها، ثم المظاهرات ضد ضرب العراق فى أوائل الألفية الحالية.

 

كل هذا الحراك فى أغلب تاريخه كان حراكا طلابيا سلميا، ولكن مع عودة نشاط الإخوان المسلمين الإرهابية فى السبعينيات، ازداد نشاط الإخوان -كما يقول الكاتب داخل الجامعات.

 

وملاحظة: فقد اعترف قادة الإخوان بعنفهم فى السبعينيات -كما جاء بمذكرات عبد المنعم أبو الفتوح.

 

ولكن فى العام الدراسى 2006/2007 عادت الجماعة لتتصدر المشهد بما عُرف بميليشيات طلاب الأزهر والتى حدث بها اعتداء بدنى بالسنج والجنازير على طلبة الاتحاد الحر، ثم أعقب الاعتداء خروج مظاهرة من طلاب الإخوان بالأزهر وهم يرتدون زيًّا أشبه بالميليشيات العسكرية، ووضعوا الأقنعة على وجوههم، وكانت «المصوّر» والزميل حمدى رزق أول مَن رصدوا ذلك.

 

ثم ينتقل الباحث إلى أن طلاب الجامعات عنصر أساسى فى ثورة 25 يناير 2011 وأحداثها، وسلميا، ولكن مع ثورة 30 يونيو حدث تحول رصده الكاتب من اللجوء للعنف من جماعة الإخوان والتيارات الدينية التابعة لها، حيث حدثت شخصنة واضحة للأحداث وانعكاس ذلك لتحقيق مآرب شخصية وحزبية لصالح هذا التيار، ولم تأخذ هذه التيارات فى الحسبان مصالح الوطن، ووصل العنف إلى مقتل طالب بهندسة القاهرة بجانب تعطيل الدراسة بالإكراه وتجريد أستاذة بالأزهر من ملابسها.

 

من النقاط الهامة التى ذكرها الكاتب، ليس فقط رصد مظاهر العنف وحوادثه بالجامعات وإنما تقديم الأسباب لهذا العنف، منها عوامل خاصة بالمجتمع وعوامل خاصة بالمناخ الجامعى نفسه، واستوقفتنى نقطة مهمة للغاية؛ لأننا نتحدث فى التطوير فى الأغلب، وننسى آثارها، ولا نتحدث عنه وهو افتقاد الممارسة الديمقراطية والحوار بين الطلاب والأساتذة داخل الكليات نفسها، وقيام فلسفة التعليم فى الأغلب على التعنت والاستبداد التعليمى والأكاديمي أو التى أصفها بالأبوة، وليس الحوار والاحتواء بدلا من الاستعلاء، والذى يصفه الكاتب بالعنف الثقافى، وشعور الطلاب الدائم بأنهم يخضعون لمراقبة مستمرة، وأن العلاقات الإدارية بالجامعة تساعد على شيوع مناخ جامعى متوتر، بجانب قصور المقررات الدراسية وبُعدها عن الحياة اليومية، وافتقاد ثقافة الحوار والتفكير، وغياب مشاركة الطلاب فى القرارات التعليمية، وبالتالى كل ذلك لا يساعد على تقبّل الاختلاف والنقد.

 

وكان من النقاط الهامة التى أوضحتها الدراسة المقارنة بين جامعتى القاهرة والأزهر فى الجزء التطبيقى وهو نتائج الاستبيان بالرسالة، وأغلب أسئلته دارت حول ذلك، وأيضًا عن ممارسة الأنشطة داخل الجامعة، لا سيما ممارسة النشاط والحوار السياسى، وكانت الأغلبية لصالح جامعة القاهرة حيث الترحيب بالسياسة والحوار وأقل منه والرفض بشريحة جامعة الأزهر، فمثلا فى نتيجة سؤال حول العنف السياسى كأسلوب للتعبير عن الغضب جاءت الإجابة موافقة 19 فى المائة بالقاهرة، 37.5 فى المائة بالأزهر، فى حين أن الحاجة للثورة جاءت الإجابة أكبر من جامعة الأزهر، وفى اتساع الفوارق فى المجتمع كانت أيضا موافقة أكثر من 50 فى المائة من الطلاب، ويفسر الباحث أن أكثر الأسباب النفسية والاجتماعية تأثيرا على ممارسة العنف السياسى لدى طلاب القاهرة جاءت بالترتيب الأول -هو عدم إشباع الحاجات الأساسية للشباب، وما يترتب عليها من إحباط وبنسبة 63.7، ويؤكد الباحث أن ذلك يتفق مع الإطار النظرى من أن عدم إشباع الحاجات الأساسية يسهم فى انتشار العنف، وفى المرتبة الثانية كان سبب البطء فى اتخاذ خطوات إيجابية لحل مشكلات الطلاب الاجتماعية والنفسية، وفى المرتبة الثالثة اتساع الفوارق بين أفراد المجتمع، وهنا لا بد أن نشير إلى دراسات أخرى تمت حول موضوع أهمية التأثير النفسى الذى يمر به طلاب الجامعة ودوره فى التأثير على ممارسة العنف، وفى المرتبة الرابعة جاء تزايد الحاجة للثورة والتغيير الاجتماعى، وربما يعود ذلك إلى إحساس الطلبة أنهم كمّ مهمَل وعدم استخدامهم والاستفادة من طاقاتهم فيما ينفع ويفيد، وهو ما أشار له أيضا نبيل عبدالفتاح، وكانت أقل نسبة هى عن ضعف الشعور بالانتماء للوطن، ومن ثم -كما يقول الباحث- فإنه لا يمكن أن نعوّل عليها، وهو ما أتفق معه فى ذلك، وفى جامعة الأزهر اختلف الترتيب؛ حيث احتلت المرتبة الأولى فتزايد الإحساس لدى الشباب بالحاجة إلى التغيير الاجتماعى على عكس طلاب جامعة القاهرة جاءت فى المرتبتين الثانية والرابعة.

 

من الأمور التى لفتت نظرى فى الاستبيان هو اتفاق كل من طلاب «القاهرة» و«الأزهر» فى النسبة واقترابها بين الطرفين فى تأكيدهم على غياب الخطاب الدينى المستنير فى وسائل الإعلام، ففى جامعة القاهرة 61 فى المائة من العينة، مقابل 64 فى المائة فى الأزهر، وهذه ملاحظة تعنى الكثير فى تناول الإعلام الحالى لقضايا الاستنارة مقابل الجمود، بل وعرض الآراء المتطرفة وهو ما اتفق عليه الطلاب، ولكن طلاب الأزهر أشاروا بنسبة أكبر إلى تأثير استخدام مشاهد الجريمة والعنف فى المسلسلات والإعلام، وكذلك دور الشائعات المغلوطة فى أسباب العنف، وبنسبة أكثر من 65 فى المائة بين طلاب الجامعتين.

 

فى نهاية الرسالة والعرض الممتع بتفاصيله، يقدم الباحث رؤية للإصلاح الجامعى من عدة جوانب منها الإدارى والتعليمى والثقافى، وأن هناك اتفاقا بين الاساتذة على أن العنف بعد 30 يونيو كان وثيق الصلة بالصراع السياسى خارج الجامعات.

 

الدراسة هامة بالفعل لأنها بحثت فى أمر الشباب، والطلاب العنصر الأضعف فى المنظومة الجامعية، ولكن تتبقى نقطة هامة ظلت تدور فى ذهنى، وهى لماذا غابت الطالبات عن مسرح أحداث الرسالة، وأتمنى أن يعد لها دراسة مستقلة، خاصة أن الطالبات نسبتهن تقترب من نصف عدد الطلاب وربما يزيد، وكذلك فى عضوية أعداد هيئات التدريس.

 

لذلك علينا أن نهتم بالعمل الثقافى والحوار ثم الحوار داخل الجامعات وعدم إهمال الطالبات ورأيهن فى الأحداث، ومنها العنف خاصة فى هذه المرحلة العمرية الهامة فى التكوين للطلاب، التى تفترض فتح الحوار الحقيقى معهم وليس حوارا من أعلى، لا سيما أن يبدأ فى أساليب التعليم والتعلم، ونبتعد عن صيغة العبودية به، فى عصر كل الأحداث متاحة فى نفس اللحظة، ويطّلع عليها الطلاب، وبالتالى خلق مسارات حقيقية للحوار واحترام الآخر والتعددية ومنه المرأة، وتكوين العقد الناقد هى الأساس الذى نحصن به الأجيال القادمة لأنهم هم حكام المستقبل.