رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«ليا وصبر أيوب»


15-3-2025 | 20:39

.

طباعة
بقلـم: ماجدة محمود

ونحن نعيش أيام وليالى رمضان نسعد به ويسعدنا، ننتظره من العام للعام، شهر يحلو لنا فيه قراءة القرآن، وتدبر معانيه، والاستمتاع بقصصه، التى تروى وتعطى أعظم الأمثلة لنساء ورجال تحملوا الصعاب وساروا على الأشواك إيمانًا واحتسابًا.

من بين هؤلاء نتوقف عند السيرة العطرة للنبى «أيوب»، الذى ضرب أروع الأمثلة فى الصبر على الابتلاء، وموقف زوجته «ليا»، والتى كانت ذات جمال باهر، وحسب ونسب فهى ابنة «ميسا» ابن يوسف ابن يعقوب عليهم السلام، كانت تحيا حياة رغدة، تمتلك كل شيء، الخدم، والحشم، والبيت الكبير، والمال الوفير، والأبناء من البنات والبنين، زوجة صالحة تحت عبد صالح.

 

عاشت مع نبى الله أيوب لمدة 70 عامًا فى سعادة وهناء، حيث كان أيوب عليه السلام، وهو فى سن الـ25، يمتلك الأراضى، والأموال، والأولاد، والصحة، وأراد المولى عز وجل أن يختبره فى كل هؤلاء لحكمة لا يعلمها إلا هو، فكان الابتلاء فى ماله، ثم أولاده، فبدنه.

 

ولهذا الابتلاء قصة لها أكثر من تفسير من بينها أنه روى عن ابن أبى حاتم فى تفسيره عن ابن عباس، أن الشيطان استشاط غيظًا وغيرة من نبى الله أيوب لما يمتاز به من صبر، وشكر دائم لله عز وجل فى السراء والضراء، فقال الشيطان: «يا رب سلطنى على أيوب»، فقال الله تعالى: «قد سلطتك على ماله وولده، ولم أسلطك على جسده»، فنزل وجميع جنوده فقال لهم: «قد سلطت على أيوب فأرونى سلطانكم»، فصاروا نيرانًا ثم صاروا ماءً، فأرسل طائفة منهم إلى زرعه وطائفة إلى إبله، وطائفة إلى بقره، وطائفة إلى غنمه، وقال «إنه لا يعتصم منكم إلا بالصبر»، فأتوه بالمصائب بعضها على بعض، ولم يتبق له إلا زوجته «ليا»، حيث ابتلى فى جسده بأمراض لم تكن تُعرف وقتها مثل الجدرى، وضاق به جيرانه فانقطعوا عنه وأخرجوه من البلد، لكنه وزوجته كانا صابرين حامدين وشاكرين.

 

الزوجة التى كانت تنعم بكل سُبل الحياة الرغدة صارت تعمل لدى الناس بالأجر لتوفر لزوجها الطعام والشراب، ولما أغلقت فى وجهها أبواب العمل خوفًا من عدوى مرض زوجها، اضطرت لبيع ضفائرها واحدة تلو الأخرى، ولما ألح النبى أيوب فى معرفة مصدر أموال الطعام والشراب، وهو يعلم أن الناس انفضوا من حولهما، ويرفضون التعامل مع زوجته خوفًا من العدوى، رفعت غطاء رأسها ليتأكد أنها لم تفعل ما يُسيء إليه، وهنا غضب أيوب غضبًا شديدًا لتفريط زوجته فى شعرها، وتزامن هذا الموقف مع زيارة صديقيه اللذين كانا يداومان على زيارته، وقد سمع أحدهما يقول للآخر بعد أن رأى تدهور حالة أيوب: «لو كان الله علم من أيوب خيرًا ما ابتلاه بهذا»، وهنا شكا أيوب لربه حاله ودعا الدعاء المعروف: «ربى إنى مسنى الضر، وأنت أرحم الراحمين».

 

ولما عادت «ليا» زوجة نبى الله من البلد، وذهبت لتحمل زوجها لمكان نومه، فإذا بها تراه فى أحسن صورة، حتى أنها لم تعرفه فى البداية، وسألته: «يا عبد الله هل رأيت نبى الله هذا المُبتلى؟»، ولما تفحصت وجهه تأكدت أنه زوجها يُجيبها: «أنا هو»، ويُخبرها أن الله تعالى رد عليه صحته، ثم ماله، وجاهه، وأولاده.

 

هنا نتوقف عند عظمة ووفاء هذه الزوجة التى عانت وتحملت ما لا يتحمله بشر وفاءً لزوجها وبرًا به، لم تتذمر، لم تشكو، لم تتخل ولم تبخل عليه فباعت من أجله أغلى ما تملك «ضفائرها» زينتها، صبرت على الابتلاء فى الأبناء، وهو من أقوى الابتلاءات، ضعف جسدها من كثرة العمل، وهى التى كانت تحيا حياة الملكات تؤمر فتطاع، لم تسأل لماذا ابتليت دون الآخرين، ولم تسأل إلى متى الابتلاء، بل كانت شاكرة، حامدة، ساجدة، صابرة، ومُحتسبة، فرد الله إليها صحتها، وجمالها، ومالها، وأولادها، وشفى زوجها.

 

فى قصة النبى أيوب وزوجته، درس وعظة فى الصبر على البلاء والابتلاء، وها هو المولى عز وجل يقول: «فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم، رحمة من عندنا وذكرى للعابدين».