رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

صناعة بنــاء السفــن.. هل ستكون المعركة القادمة بين أمريكا والصين؟


21-3-2025 | 11:46

.

طباعة
تقرير: أمانى عاطف

تواجه الولايات المتحدة تحديات متزايدة بسبب الصين التى لديها ثانى أكبر اقتصاد فى العالم، ولديها طموحات لإعادة تشكيل النظام العالمي. وتعد الهيمنة المتزايدة للصين فى صناعة بناء السفن العالمية محورا للاهتمام وتشكل تحديات أمنية واقتصادية ووطنية خطيرة للولايات المتحدة وحلفائها. وأثارت تلك القضية تساؤلات حول قدرة أمريكا ومدى استعدادها لإعادة التصنيع فى القطاعات الاستراتيجية وبناء أسطولها والتعاون مع حلفائها فى آسيا لمواجهة الهيمنة البحرية الصينية، وهل سيكون بناء السفن ساحة المعركة الجديدة بينهما؟

تمتلك الصين الآن أكبر عدد من سفن القوة القتالية فى العالم بأكثر من 370 منصة مقارنةً بـ 291 منصة للولايات المتحدة، ومن المتوقع أن ينمو أسطول الصين إلى 435 سفينة بنهاية هذا العقد بينما لن يتغير حجم الأسطول الأمريكي، وتواجه الولايات المتحدة معضلة فى بناء السفن البحرية. من ناحية أخرى، تتمتع الصين بميزة عسكرية غير متكافئة فى غرب المحيط الهادئ حيث تتركز معظم سفنها، بينما تعانى البحرية الأمريكية من إرهاق دفاعى فى جميع محيطات العالم. كما تبدو الولايات المتحدة غير راغبة فى تبنى نهج جماعى لبناء السفن البحرية ودعم حلفائها وشركائها لمنافسة الصين، ولا تزال التشريعات التى استمرت لعقود، وحصص «اشترِ المنتجات الأمريكية» وقيود نقل التكنولوجيا، تحد من التعاون الصناعى الهادف مع الحلفاء. وكيفية حل الولايات المتحدة لهذه المعضلة سيحدد نتيجة المنافسة البحرية بينها وبين الصين، ومعها مستقبل أمريكا فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ.

تسير الصين اليوم على خطى القوى البحرية العظيمة عبر التاريخ، مستغلةً قاعدتها الصناعية التجارية والدفاعية. وتشير الإحصائيات إلى أن حصة الصين فى سوق بناء السفن العالمية البالغة قيمتها 150 مليار دولار نمت بشكل كبير بدعم من السياسات الحكومية والإعانات، لتصل إلى أكثر من 50 فى المائة فى عام 2023 من حوالى 5 فى المائة فى عام 2000. وفى الوقت نفسه، تواجه الدول التقليدية فى مجال بناء السفن مثل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان تحديات متزايدة كما تتفوق قدرة بناء السفن الصينية على قدرة الولايات المتحدة بأكثر من 200 مرة، مما مكّنها من تسليم 689 سفينة تجارية كبيرة فى عام 2023 وتكليف 30 سفينة لبحريتها. بينما لم تُسلّم أحواض بناء السفن الأمريكية أى سفينة تجارية كبيرة، ولكن سلّمت تسع سفن للبحرية الأمريكية. وعدد سفن الشحن التى تحمل العلم الوطنى الصينى على مستوى العالم يفوق عدد أساطيل العلم الوطنى لأمريكا وحلفائها مجتمعين، وتمتلك الشركات الصينية محطات بحرية فى حوالى 100 ميناء خارج الصين _بما فى ذلك جميع نقاط الاختناق البحرية_ وفى 23 من أكبر 25 ميناء لشحن الحاويات، كما أنهم يهيمنون على منصات المعلومات البحرية ومقدمى المعدات والأجزاء الرئيسية الأخرى فى الصناعة.

سيطرة الصين على الشحن التجارى وبناء السفن تمنحها ميزة عسكرية حاسمة محتملة، مما يُمكّن البحرية الصينية من بناء أسطولها بجزء بسيط من التكاليف التى تتكبدها الولايات المتحدة وحلفاؤها. إذا تحولت المنافسة إلى صراع، فقد تستخدم الصين هيمنتها البحرية لخنق الاقتصاد الأمريكى وتوسيع أساطيلها بوتيرة استثنائية.

من جانبه، يفتقر البنتاجون إلى القدرة اللوجستية البحرية الأساسية لإعادة إمداد القوات الأمريكية فى الخارج لأكثر من صراع. فهو يعتمد على قاعدة صناعية لبناء السفن تطورت فى المقام الأول لإنتاج أرقى السفن الحربية فى العالم، لكن قدرتها على التوسع السريع فى إنتاج فئات جديدة من السفن الصغيرة ذاتية القيادة ضئيلة للغاية. وقد أدى تراجع التصنيع إلى حرمان البنتاجون من قطاع بحرى تجارى أمريكى (أو حليف) يعتمد عليه بشكل كافٍ.

ترجمت الصين هذا النمو السريع فى قدرة بناء السفن التجارية إلى أكبر قوة بحرية فى العالم فى أقل من 20 عامًا وقوضت بكين بشكل مطرد موقع البحرية الأمريكية فى غرب المحيط الهادئ. وقد اتبع الاستراتيجيون الصينيون بفعالية استراتيجية «منع الوصول» أى منع دخول المنطقة لدفع القوات الأمريكية بعيدًا، ووسعوا نطاق وصول بحرية جيش التحرير الشعبى من خلال بناء معالم بحرية اصطناعية فى بحر الصين الجنوبي، وأجبروا الدول المجاورة على استخدام تكتيكات المنطقة الرمادية. وقد فعلت الصين ذلك فى الوقت الذى كانت فيه الولايات المتحدة منشغلة بصراعاتها فى الشرق الأوسط، الأمر الذى قلل من دور البحرية فى الاستراتيجية الأمريكية. لذلك اقترحت إدارة ترامب رسومًا جديدة على السفن المرتبطة بالصين التى تدعو الموانئ الأمريكية كونسورتيوم بقيادة «بلاك روك» الأسبوع الماضى على الاستحواذ على حصص فى 43 ميناءً حول العالم، بما فى ذلك الميناءان الواقعان على جانبى قناة بنما، من تكتل مقره هونغ كونغ.

لا يخفى على أحد أسباب المزايا الهائلة التى تتمتع بها الصين فى الصناعة البحرية التجارية. كما تتمتع شركات بناء السفن فى الصين بتكاليف عمالة ومواد أقل بنصف تكاليف تلك الموجودة فى أحواض بناء السفن الأمريكية والأوروبية. فى حين سمحت الحكومات الغربية لصناعات الشحن وبناء السفن بالضمور، سارت السياسة الرسمية للحكومة الصينية فى الاتجاه المعاكس، حيث أغدقت على صناعتها البحرية مليارات الدولارات من الدعم السنوي، بالإضافة إلى مزايا التكلفة الهيكلية. وقد فعلوا ذلك خلال واحدة من أكبر عمليات توسع القدرة البحرية العالمية فى زمن السلم فى التاريخ الحديث، مما منح الشركات البحرية الصينية وفورات هائلة فى الحجم والنطاق.

وفى هذا السياق، أوضح الدكتور إحسان الخطيب، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة مورى ستايت، وعضو الحزب الجمهورى الأمريكى أن الصين بالفعل حققت نجاحات مذهلة فى عدة مجالات، وهى تشكل تهديدا بسبب حجمها السكانى والاقتصادى الذى يدعم آلة حربية تهدد الهيمنة الأمريكية، كما تتفوق الصين فى مجال بناء السفن مشيراً إلى أن الرئيس ترامب يأخذ هذا الموضوع بجدية ويريد أن يجعل فى البيت الأبيض مكتبا مخصصا لموضوع بناء السفن. وفيما يتعلق بالتعاون مع الحلفاء فى آسيا مثل كوريا الجنوبية واليابان أوضح الدكتور إحسان أن التعاون هو أمر منطقى لخبرتهم فى بناء السفن، ولكن هناك أمرين الأول هو رغبة ترامب فى الصناعة فى أمريكا، ولكن المشكلة فى ذلك أن أمريكا بحاجة إلى سد الفجوة الكبيرة بسرعة، والثانى هو القانون الأمريكى ووزارة الدفاع التى تضع قيودا على استيراد سفن حربية من الخارج وتضع قيودا على الصيانة فى الموانئ الأجنبية وهناك Jones Act القانون يفرض بناء السفن فى أمريكا.