«أكثر من 50 ألف شهيد، وما يقرب من 114 ألف مصاب، فضلا عن الدمار الشامل»، هو ما شهده قطاع غزة جراء الحرب الإسرائيلية الطاحنة على القطاع منذ 7 أكتوبر 2023، وهذه الأرقام كانت كفيلة لخروج الآلاف من الفلسطينيين للتظاهر ضد «حماس» خلال الأيام الماضية، للمطالبة بقبول «المقترح المصرى لإنجاز صفقة تبادل للأسرى ووقف العدوان على غزة». ورفع المتظاهرون لافتات تطالب بـ«إبعاد حماس عن حكم قطاع غزة خلال الفترة المقبلة».
وعادةً ما تكون التظاهرات فى غزة مدفوعة بنداءات من الفصائل الفلسطينية، لكن هذه المرة جاءت من قلب الشارع، بلا توجيه أو قيادة واضحة، فى مؤشر على التحوّل الذى يشهده المزاج الشعبى تجاه «حماس» وإدارة الحركة للقطاع.. ويرى خبراء أنه على «حماس» الانتباه لهذا الغضب الشعبى المتزايد، وأشاروا إلى أن تجاهل أصوات الغزاويين الذين لم يعودوا قادرين على تحمل المزيد، وستصل الأمور خلال الفترة المقبلة إلى «نفق مظلم».
وانتهى وقف إطلاق النار فى القطاع، الذى استمر لمدة شهرين منذ يناير الماضي، بعدما استأنفت إسرائيل الهجمات فى 18 مارس الماضى، وأصدرت أوامر لسكان غزة بالإخلاء.
«حماس» من جانبها بررت خروج الاحتجاجات ضدها، بالقول إن «أى شعارات أو مواقف عفوية يصدرها بعض المتظاهرين ضد نهج المقاومة، لا تعبر عن الموقف الوطنى العام، بل تأتى نتيجة للضغط غير المسبوق الذى يتعرض له شعبنا، ومحاولات الاحتلال المستمرة لإثارة الفتنة الداخلية، وصرف الانتباه عن جرائمه المستمرة».
وأفاد مكتب الحركة بأنه من حق الفلسطينيين، التعبير عن آرائهم والمشاركة فى المظاهرات السلمية، فهى جزء أصيل من القيم الوطنية التى نؤمن بها وندافع عنها.
وأوضح أنه «مع استمرار العدوان الإسرائيلى واستهداف المدنيين، قد يسبب ذلك حالة من الغضب العارم والاستياء الشعبى وهو أمر طبيعى فى ظل هذه الجرائم المتواصلة»، داعيًا إلى «الوحدة الوطنية وأن يوجه الغزاويون كل جهودهم لمواجهة الاحتلال ومخططاته».
ويشار إلى أن الشعارات المناوئة لـ«حماس» دفعت عناصر محسوبة على الحركة إلى محاولة الاعتداء على المحتجين بعد اقترابهم من المستشفى الإندونيسى فى بلدة بيت لاهيا، قبل أن يتدخل شبان مشاركون فى المظاهرة، عملوا على تهدئة الأجواء، ووقف الشعارات المناهضة للحركة التى تسيطر على القطاع منذ عام 2007.
وقال أحد الشهود فى غزة، وفق تقارير إعلامية «كانت مسيرة عفوية ضد الحرب، لأن الناس تعبوا وليس لديهم مكان يذهبون إليه». وأضاف: «ردد كثيرون، ولكن ليس الكل، بل كثيرون، هتافات ضد (حماس)، وقالوا بره يا (حماس). الناس منهكون، ولا ينبغى أن يلومهم أحد».
فى حين ذكرت مصادر قيادية من الحركة، أن «قيادة الحركة تتفهم صورة الغضب الذى ينشأ بين السكان، لكن لا يمكن لها أن تقدم غزة على طبق من ذهب لإسرائيل، من دون أن تحقق وقفاً دائماً لإطلاق النار». وأضافت أن «المشكلة تكمن فى الاحتلال الذى يرفض أى حلول ويريد فقط استعادة أسراه من دون ضمان إنهاء الحرب».
حركة «فتح» بدورها، دعت «حماس» للاستجابة إلى نداء أهالى قطاع غزة وللاحتجاجات الشعبية المشروعة. وقال ماهر النمورة، الناطق باسم «فتح» إن «التصريحات الصادرة عن (حماس) وقياداتها حول مستقبل قطاع غزة مقرونة بالتزامها بفك ارتباطاتها الإقليمية، والكف عن استخدام شعبنا وقضيتنا وسيلةً لمآرب لا تتصل ومشروعه الوطني».
الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، قال إن خروج عدد من المظاهرات ضد المقاومة، هو أمر كان متوقعا، خاصة أن طول أمد العدوان واستهداف البنية التحتية حوّل القطاع إلى بقعة غير صالحة للعيش، لافتا إلى أن مشهد الصمود الفلسطينى والنزوح والعودة وتمسك الفلسطينيين بالأرض، كل هذه الأمور لا نشكك فيها، لكن الاحتجاجات الأخيرة بهدف «إنهاء حالة اللا إنسانية والكارثة الموجودة فى القطاع».
وبحسب «سلامة» فإنه «حتى لو بعدت (حماس) عن المشهد السياسى، فهى موجودة على أرض الواقع، وخروج التظاهرات ضد الحركة، بسبب سوء الأوضاع داخل القطاع وهو أمر مشروع».
«سلامة» أوضح أن «الحركة أكدت فى أكثر من تصريح أنها لن تكون موجودة فى المشهد خلال الفترة المقبلة، وأهل غزة فقط يطالبون بتسريع هذا الأمر».
الدكتور عمرو حسنين، باحث فى العلاقات الدولية، يرى أن المظاهرات التى خرجت فى خان يونس وحى الشجاعية ومدينة غزة ضد حركة «حماس» تؤكد أن هناك اتجاها قويا فى القطاع يدعو إلى تغيير طريقة حكم «حماس».
ووفق «حسنين» فإن البعض يرى أن الحركة كانت سبب حرب السابع من أكتوبر، التى أسفرت عن دمار واسع فى البنية التحتية للقطاع، فضلا عن القتلى والجرحى. وما حدث جعل الشعب الفلسطينى يشعر بالاستياء تجاه تصرفات «حماس».
ودعا الحركة إلى «التحلى بمسؤولية أكبر»، مشيرا إلى أن «حماس» أبدت مرونة تجاه «الخطة العربية» التى أقرتها مصر فى قمة مارس الماضي، إلا أن المفاوضات التى أعقبت ذلك أدت إلى تحول فى موقف الحركة، حيث عادت للحديث عن قوة السلاح والمقاومة.
