رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الهوية المصرية بين صــــــراع الأجيـــــــال والغزو الفكرى التكنولوجى


8-5-2025 | 22:31

.

طباعة
بقلـم: أحمد النبوى

صراع الأجيال قضية قديمة جدا، ومتجددة جدا، ولن تنتهى، فهى سُنة الحياة، وبعد السرعة الرهيبة فى التطور التكنولوجى والذكاء الاصطناعى، نجد أن الفجوة بين الأجيال تتزايد بشكل مرعب، ولا أحد يستطيع السيطرة عليها.

ابنتى الكبرى 16 سنة (مدمنة) أغانٍ على الهاتف طوال اليوم، ولا أفهم الأغانى التى تسمعها، وكثيرا ما قلت لها أن تتوقف عن سماع الأغانى طالما نجلس مع بعضنا، خاصة أننى لا أفهم الأغانى التى تسمعها، وفى يوم كانت معى فى السيارة أقوم بتوصيلها، فلاحظت أنه لا يوجد أى حديث بيننا، فالسماعات فى أذنها تسمع أغانيها، والهاتف فى يدها (تتشات) مع صديقاتها، فسألتها ماذا تسمع، فردت علىّ باسم لا أعرفه. ومحاولة منى لمشاركتها اهتمامها طلبت منها أن نستمع معا على مسجل السيارة وبالفعل شغلت أغانى لم أفهم منها أى شيء، حتى الموسيقى صاخبة وذات إيقاع سريع، وليس لها جمل موسيقية كالتى نعرفها. وقبل أن أعترض على ما تسمعه وأقول لها محاضرة فى الغناء والكلمات وأهمية الموسيقى كعلاج للروح، تذكرت موقف والدى -رحمه الله- وأنا فى بداية مرحلة المراهقة عندما كنت أشترى شرائط كاسيت لمحمد منير وعلى الحجار ومحمد الحلو وإيمان البحر درويش وغيرهم، وكان أبى يستعجب من هذه الأغانى، ولكنه لم يمنعنى من شراء الشرائط أو حتى الاستماع لها، ولكنه كان يحرص على أن نستمع أنا وإخوتى إلى أغانٍ لأم كلثوم وعبدالحليم وشادية ووردة ونجاة ومحمد فوزى وفيروز وغيرهم، وكان لدينا فى البيت مكتبة من الشرائط، بالإضافة إلى جهاز جرامافون وعدد كبير من الأسطوانات، وكنت أرى أن تلك الأغانى بطيئة ويتم تكرار الكلمات كثيرا. ومع مرور السنوات وظهور أجيال جديدة وكثيرة من المطربين، وجدت أننى فى مراحل من عمرى أحن لسماع أغانى عبدالحليم وأم كلثوم، وارتبطت روحى بالموسيقى أكثر.

فسألت ابنتى هل تعرفين الموسيقار عمار الشريعى؟، فكانت الإجابة الصادمة بالنسبة لى هى لا!

فقلت لها عن بعض أعماله الشهيرة جدا فى تترات المسلسلات، فلم تتغير الإجابة، وتملّكتنى حالة من الإحباط، خاصة أننى الأسبوع الماضى كتبت عن ساحر الكلمات سيد حجاب، وكنت أريد استكمال الكتابة عن توأمه الفنى ملك الإحساس عمار الشريعى الذى شرفت بلقائه أكثر من مرة بصحبة صديقه الكاتب الصحفى عصام الغازى أستاذى وأخى الأكبر -رحمه الله.

قبل اللقاء الأول كنت من عشاق موسيقى عمار الشريعى بعد بدء اللقاء بدقائق أُغرمت بعمار الشريعى الإنسان ومدى تواضعه وحبه للاستماع للأجيال الجديدة والحديث معهم كأنهم أصدقاء عمر. وبعد سنوات من العمل الصحفى ولقاء عمالقة كبار فى مجالات مختلفة اكتشفت أن التواضع صفة الأساتذة الكبار، بل كان عندهم وعى وشغف فى اكتشاف عقول الأجيال الجديدة، وأتذكر موقفا لى مع الكاتب الكبير الراحل محمد عودة عندما فاجأنى بسؤال عن رأيى فى مقالة جديدة بمجلة «الموقف العربى» التى كنت أعمل بها فى ذلك الوقت، فلم أجد إجابة إلا أننى أصغر من أن أقيّم مقالة أحد كبار الصحفيين فى مصر، ولكنه قال قولى رأيك فى المقال بدون أن تفكر إنى اللى كاتبه، وبالفعل تحدثت فى أشياء معه، وناقشنى بها، وبعد سنوات اكتشفت أننى لم أكن الصحفى الشاب الوحيد الذى يتناقش مع الكاتب الكبير محمد عودة فى مقالاته، بل سبقنى صديقى الإعلامى يوسف الحسينى وغيره، وللحقيقة لم يكن الأستاذ عودة حالة منفردة، بل كثيرون فى مجالات مختلفة يستمعون للأجيال الجديدة.

واليوم بعد أن أصبحنا جيلا قديما، هل لدينا القدرة على سماع آراء الجيل الجديد بصدر رحب؟ هل من الممكن أن نعيد التفكير فى تصرفاتنا أو قراراتنا بناء على رؤية الجيل الجديد؟ هل نستطيع أن نقنع الجيل الجديد بأفكارنا؟ هل أصبحت الهوية المصرية فى خطر حقيقى؟

سوف أبدأ بالإجابة عن آخر سؤال، حيث أعتقد أن الهوية المصرية فى خطر حقيقى، وسوف تظهر النتائج بعد ثلاثين عاما على الأقل مع أجيال جديدة، لا تربطها بالهوية المصرية إلا الاسم فقط، فالأبناء الآن أغلبهم لا يعرفون شيئا عن تاريخ مصر، إلا ما تتم دراسته ويتم نسيان أغلبه بعد انتهاء الامتحان، بالإضافة إلى أن اللغة العربية واللهجة المصرية أصبحتا فى خطر حقيقى لأسباب عديدة؛ منها نظام التعليم الخاص، وسماح الأهالى للأبناء التحدث بجمل مختلطة بين اللغتين، بجانب طبعا وسائل التواصل الاجتماعى والتكنولوجى والتى تعتمد بشكل أساسى على اللغة الإنجليزية أو اللهجات الجديدة التى يصعب علىّ وعلى أبناء جيلى فكّ شفراتها، وعلينا أن نعترف أن الغزو الفكرى التكنولوجى استطاع أن ينجح فيما فشل فيه الاستعمار على مدار قرون؛ لذا علينا جميعا كمواطنين وإعلام وحكومة ودولة أن نعمل على إعادة التوازن للهوية المصرية من خلال تعريف الأجيال الجديدة بتاريخ مصر، ليس المصريون القدماء فقط ولكن بأجيال العمالقة فى مختلف المجالات، بشكل عصرى يتناسب مع طريقة فكر الأجيال الجديدة، حتى لو كانت بشكل مختصر وسريع لكى يجذب انتباههم، ولتكن عن طريق الأبحاث فى المدارس عن شخصيات أثرت المجتمع فى مختلف المجالات، بالإضافة إلى إبراز دور المتميزين فى الجيل الحالى.

والإجابة عن تساؤل هل نستطيع أن نقنع الجيل الجديد بأفكارنا؟ أعتقد من خلال تجاربنا مع الجيل الذى سبقا أننا لا نستطيع ولكن علينا أن نقدم لهم النصح دائما ونحاول أن نقوم بتوعيتهم، ليس بهدف إقناعهم ولكن ليكون عندهم خبرة ووعى كما اكتسبناها من الجيل السابق، فنحن نقع فى مواقف ونتذكر كلام السابقين ونردد كلمة (كان عندهم حق)؛ لذا علينا أن نفتح بابا مشتركا للحوار مع الجيل الجديد، وعلينا أن نستمع لآرائهم، ولا مانع من تطبيق بعضها لإيجاد نقطة التقاء مشتركة لتعميق الثقة بين جيلين، وألا نكتفى بإصدار أوامر لهم يجب تنفيذها كما كان يفعل الجيل السابق معنا، وعلينا جميعا -وأنا أولكم- أن لا نقع فى فخ المقارنة بين تعامل جيلنا مع مَن سبقونا بتعامل الجيل الجديد معنا.

ورغم إجابة ابنتى الصادمة، فإننى سوف أواصل الكتابة عن عمالقة مصر الذين أثروا حياتنا وحافظوا على القوة الناعمة المصرية، بعدما استلموا الراية من أجيال تسبقهم، وسوف تستمر أجيال جديد تستلم منهم الراية، وعلينا أن نكتب عنهم، سواء لكى نتذكر نحن كجيل قديم، أو ليتعرف عليهم الجيل الجديد.

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة