رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

ولاية الفقيه


8-5-2025 | 22:32

.

طباعة
بقلـم: إيمان رسلان

طالعتنا الأخبار أن هناك مشروع مسودة قانون خاص بتنظيم الفتوى الشرعية، مقدما من وزارة الأوقاف، وقد وافق عليه مجلس الوزراء تمهيدا لتقديمه ومناقشته فىمجلس النواب، وبظاهرة الشغف قرأت الخبر وبحثت عن مواد القانون، ودق الجرس فى عقلى أننا فى طريقنا إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وأهل الحل والعقد، وربما ننتقل إلى ولاية الفقيه، وسيادة الفقه والإفتاء الواحد، ونظرا لخطورة المشروع اقترح ضرورة أن نفتح نقاشا علمياولجان استماع؛ لأن الأمر يخص المجتمع كله وليس عدة أفراد وجماعات، وحتى لاتتحول مهمة الإفتاء إلى طريق اتجاه واحد نحو الدولة الدينية الذى ستصبح حتمية بعد وقت كفانا وإياكم شرها.

 

الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الطيبة وهو ما لا أشك به إطلاقا من النوايا الطيبة من المشروع المطروح وهدفه المهم من تنظيم مجال الفتوى، ولكن فى جنبات القانون ما يستدعى التحدث والتنبيه لالتباس بعض مواده فى الفهم فأولا هى الملاحظة الخاصة على مواده وتقسيمها إلى عامة وخاصة، وما والمقصود بالفتوى الشرعية العامة هى شئون الدولة والمجتمع؟! وجزء آخر من القانون خاص بالفتوى الشرعية الخاصة، وهى كما فهمت تخص الأفراد، وأفرد القانون اختصاصات لكل منهما، ومنْ هى الهيئات التى تقوم بهذه المهمة وحصرها فى هيئة كبار العلماء بالأزهر ودار الإفتاء، ويُضاف له فى الفتاوى الخاصة مجمع البحوث الإسلاميةأو لجان الفتوى بوزارة الأوقاف.

 ولكن ما شغلنى وأقلقنى هو الفتوى العامة تحديدا، فهل نحن نحتاج إلى جهاز للفتوى فى الأحكام العامة وما المقصود بالعامة التى تخص المجتمع؟ فهل المقصود ما تقوم به الدولة والحكومة من أعمال عامة مثل هل نحتاج فتوى لصحة بناء طريق أو إنشاء جامعة فى مكان ما ونطلب الفتوى حول ذلك، وهل كلمة الفتاوى الشرعية العامة المقصود بها -كما فهمت- الأعمال العامة المتعلقة بالقضايا المجتمعية، كما جاء فى صفحة الوزارة على وسائل التواصل؟. وأتساءل عن جدوى وضع الأعمال العامة وهل هى ستكون حراما أم حلالا؟ وما علاقة ذلك إذا تم إصدار قرارات من الدولة مثلا، وهذا يحدث كثيرا بنزع الملكية مع التعويض للمنفعة العامة هل تصدر فتوى حوله؟، وهل عمل شركات التأمين حلال، وهل مثلا إدخال مواد دراسية جديدة فى منظومة التعليم مثل الذكاء الاصطناعى سيحتاج إلى فتوى شرعية؟ والعكس أيضا عند إلغاء تدريس مواد دراسية أو تحجيمها مثل تدريس الفلسفة يحتاج إلى فتوى؟! أم أن هذه إجراءات تتم وفق التطور المجتمعى وسلطات الحكومة، وهل بهذا سيتم تعيين مسئولين للفتوى فى المكاتب الفنية للوزراء لمراجعة أعمالهم من الناحية الشرعية؟! لأن الحقيقة مواد القانون كما هى موجودة فى مواقع الأخبار لم أفهم منها ما هى حدود وسلطات الفتوى العامة، الخاصة بالمجتمع ومتى تطلب؟ والسؤال هل نحتاج أصلا إلى جهاز للفتوى الشرعية فى مجال ممارسة السياسة والأعمال الحكومية والعامة الخاصة بالمجتمع؟

لقد قفزت إلى ذهنى فورا أمثلة فى تاريخنا القريب أمثلة، مثلما حدث مع شركات توظيف الأموال وكيف أثرت فى الاقتصاد الرسمى وفى نزيف لمدخرات المصريين والتى استندت إلى بعض فتاوى شرعية ومنهم رجال دين ومسئولون فى بعض الجهات التى يتضمنها القانون وخارجه أيضا وعلى رأسهم الشيخ الشعراوى، ونعلم الآن ماذا حدث فى هذه الشركات ودورها فى تدمير الاقتصاد المصرى؟ بل نعلم جميعا ماذا كسب هؤلاء والذين كانت صورهم وكلامهم يملأ الصحف والإعلانات للترويج لها، وكيف تكسّبت الشركات على حساب المالية العامة والقطاع الخاص ومدخرات المصريين، وبدلا من أن تساهم الأموال فى بناء المشروعات ذهبت إلى جيوب البعض وكادت هذه الشركات بل وساهمت فى أزمة سيولة بالاقتصاد المصرى ناهيك عن المضاربات وغيرها، بل هناك من الأئمة وشيوخ الأزهر من أفتى بحرمانية فوائد البنوك. إلى آخره، ونحمد الله أن العقل الجمعى المصرى وأغلبيته لم يذهب وراء تلك الفتاوى العامة ومن شخصيات رسمية وسحب كافة الأموال من البنوك وإلا قابلنا أزمة أسود من أزمة الثلاثاء الكبير كما حدث فى الثلاثينيات.

للحقيقة فإن وجود مثل هذه المادة بالقانون على عموميتها أراه بجانب تديين الأعمال الدنيوية وضرب فى الصميم لأسس الدولة الحديثة وتطورها واقتصادها واستقلالية السلطات طبقا للدستور بها، ووضع رقابة مسبقة على أعمالها، وهذه المرة ليست رقابة سابقة دستورية، كما فى بعض الدول من الرقابة الدستورية السابقة على القوانين، وإنماهى رقابة دينية على أعمال دنيوية ومتطورة، فلا أعلم مثلا هل وجود الذكاء الاصطناعىفى مناهج التعليم أو الاستعانة به هو عمل شرعىأم لا؟ وماذا إذا أفتت بعكس ذلك بعض الهيئات وبحرمانية الذكاء الاصطناعى كما حدث فى عصور ماضية. والإفتاء بحرمانية ماء الصنبور مثلا؟! والأهم لماذا أصلا أعطى هذه الجهات ثم الشخصيات المحددة بها سلطة الرقابة الدينية على أعمال دنيوية مفيدة للمجتمع وللدولة، لا سيما وقد تكون وافقت عليها هيئات علمية متخصصة فى تخصصها، فما فائدة العلم والتقدم إذا كنت سوف أسمح لهيئات دينية بالفتوى أى الرقابة على أعمال ليست من اختصاصهم العلمى الدقيق أصلا؟ ولماذا أعطى سلطة جديدة بقانون لهيئات دينية، ولن أتحدث طبعًا عن أمور مهمة وعامة تخص العلاقات الاجتماعية مثل نفقة الزوجة أو الأولاد أو قانون الأحوال الشخصية والزواج والطلاق أو حتى ارتداء الملابس ومنها الحجاب، فهناك منْ سيقول وربما سيفرض على المرأة هذا الرداء، وبحكم هذا القانون ستكون هناك سلطة الرقابة على تحديد الزى للوزيرة، مثلا؟ أليست هذه أحكاما عامة وربما يطلب أحد الرأى الشرعى فى صحة ارتداء البدلة أو البنطلون، وهذا ليس دعابة أو سخرية، فقد حدث ذلك فى الستينيات ومنعت الجامعة - القاهرة - ارتداء الطالبات من البنطلون والبدلة فى الحرم الجامعى وتحقيقات مجلتنا «المصور» العريقة بالصور رصدت هذا القرار، والذى لا أشك لحظة أن صاحب فتوى وآراء دينية أيضا قالت إن ارتداء البنطلون غير مستحب للطالبات؟! والآن مصر كلها ترتديه، ولم يلتفت أحد للفتوى فلماذا الآن تعطيها حصانة قانونية ولأشخاص محددين؟ وماذا عن أصحاب الدين الثانى فى وطننا العزيز مصر بحكم القانون على القضايا المجتمعية. وربما يطلب الفتوى فى أحقية المرأة للذهاب للفضاء بدون محرم، على اعتبار أننا فى عصر الفضاء والمركبات الفضائية ورواد الفضاء.

أما عن الفتوى فى المجال الخاص فحدّث ولا حرج، فأيضا نص المادة تعطى صلاحيات لرجال الفتوى على السلوك الخاص، فربما مثلا يقف ويعترض علىّ أحد شخصيا بناء على فتوى بأن تدخين المرأة حرام وربما يقترح عقوبة وضبطية وأُفاجأ مثلا بقضية تدخين؟!.

حاولت أقرأ أكثر وعدت للتاريخ فوجدت أنه فى العصور الوسطى تعاظمت السلطة الدينية والكنائس على أعمال الملوك والحكومات، وكان صراعا سياسيا فى جوهره، وانتهى بفصل السلطة الدينية عن الحكم والدنيا، وقرأت أيضا عن تجارب معاصرة لسلطات رجال الدين المطلقة فى ولاية الفقيه، وكذلك لأعمال جماعات الأمر بالمعروف والتى تم إلغاء سلطاتها مؤخرا فى السعودية بالرقابة على المجتمع وسلوك أفراده.

حاولت أن أبحث عن آراء لأساتذة أفاضل ومتخصصين حول هذه القضايا والأحكام والفرق بين الشريعة والفقه وأحكامه الذى هو فردى وإنسانى، فوجدت مقالا مؤخرا للدكتور سعد الهلالى الذى يبدو أنه الوحيد المنتبه الآن لخطورة تديين الحياة المجتمعية، مع أن الأصل فى الدين والإيمان فردى ينطبق ذلك على الحكومات كما ينطبق على الأفراد، ومما كتبه د. الهلالى؟ ونبه إليه أن الدستور لا يمنح الحق للبعض واستفتاءهم فى أمور تخص فقه دينهم؟ والفقه عمل دنيوى بشدة إنسانى وأين ذهبت المادة 64 التى تقول حرية الاعتقاد مطلقة، وكذلك المادة 65 والتى تنص على حرية الفكر والرأى مكفولة؟ وأضاف أن المادة الثانية أيضا تقول مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، ولم تذكر إطلاقا أشخاصا معينين أو هيئات ومبادئ الشريعة ليس بها استفتاء أشخاص بعينهم.

 لكن أكثر ما أثار انتباهى فيما قاله وكتبه أن هذا القانون المقدم يشبه بل ويتطابق مع قانون وضعه الإخوان فى ليبيا قبل سنوات ولذلك قررت أن أبحث أكثر عن قضية طغيان فئة بالرأى الدينى، وهو ما يحكم كثيرا من منهج ورؤية التيارات الإسلامية، فالإخوان الإرهابيون يرون أنهم الفرقة الناجية، ولذلك حاولوا فرض رؤيتهم، وقد لفظهم الشعب المصرى، وفى بلاد أخرى وعند الشيعة ولاية الفقيه، وعند البعض الآخر الأمر بالمعروف. 

 لذلك أقترح التأنى فى دراسة هذا المشروع ودراسته دستوريا؛ لأن وجود أزمات فى الخطاب الدينى لا يعنى إصدار قانون للحاكمية وتأليه لجان محددة.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة