عاد الحزب الليبرالى الكندى بزعامة رئيس الوزراء مارك كارنى من هزيمة ساحقة فى استطلاعات الرأى، محققاً فوزاً نادراً بولاية رابعة فى السلطة فى الانتخابات التشريعية. واحتفل «كارنى» بفوزه فى الانتخابات، لكنه أقر بوجود تحديات هائلة تنتظره، بما فى ذلك الحفاظ على سيادة كندا واستقلالها الاقتصادي.
توافد ملايين الناخبين فى كندا لاختيار أعضاء البرلمان وسط انقسام سياسى، ومخاوف اقتصادية. وحصد الليبراليون الفوز بـ 169 مقعداً فى البرلمان المكون من 343 عضواً، أى أقل بثلاثة مقاعد فقط من الأغلبية، وفقا لهيئة الانتخابات الكندية. بينما حل حزب المحافظين المعارض ثانياً بـ 144 مقعداً مما سيجبر «كارنى» على تشكيل حكومة أقلية بالتحالف مع أحزاب أصغر. ومع ذلك لا تزال النتيجة تمثل نجاحاً باهراً للحزب الليبرالى الحاكم الذى كان متوقعاً أن يخسر بشدة أمام المعارضة، وفقاً لاستطلاعات الرأى.
وسارع قادة من المكسيك والاتحاد الأوروبى وأستراليا وبريطانيا إلى تهنئة كارنى على فوزه. وقال مكتب «كارنى» فى بيان إن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب اتصل أيضاً برئيس الوزراء لتهنئته. كما ورد فى البيان: «اتفق القادة على أهمية عمل كندا والولايات المتحدة معاً – كدولتين مستقلتين ذات سيادة – من أجل تحسين علاقاتهما المتبادلة». «ولهذا الغرض، اتفق القادة على الاجتماع شخصياً فى المستقبل القريب».
وقاد «كارنى»، الذى شغل منصب محافظ بنك إنجلترا وبنك كندا فى السابق، موجة من المشاعر المناهضة لترامب منذ فوزه الساحق فى انتخابات قيادة حزبه. وقد حشد الرأى العام ضد تهديدات الرئيس الأمريكى بضم كندا باعتبارها «الولاية رقم 51»، وجعل الدفاع عن كندا جزءاً أساسياً من برنامجه الانتخابي. وقد كان زعيم حزب المحافظين المعارض بيير بواليفير المرشح الأوفر حظاً للفوز عندما أعلن ترودو استقالته فى يناير الماضي، فى أعقاب استطلاعات رأى كارثية، وانقسام داخلى فى حكومته. لكن رسوم ترامب الجمركية على السلع الكندية وتهديداته لسيادتها حولت السباق الانتخابى إلى ما يشبه استفتاء ضد الرئيس الأمريكى. واستغل «كارنى» ذلك لكسب زخم سياسى أدى إلى فوزه.
ولم يشغل «كارنى» منصباً سياسياً قط قبل أن يصبح رئيسا للوزراء. وقد شهدت عقوده فى مجال المالية توجيهه للحكومات خلال الأزمات العالمية الكبرى وفترات الاضطرابات، بما فى ذلك قيادة الاقتصاد الكندى خلال الأزمة المالية لعام 2008 وإدارة عدم الاستقرار الاقتصادى المرتبط بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى – والذى قال إنه يعكس ما يمكن أن يحدث فى مواجهة الرسوم الجمركية.
ومع دخول كندا مرحلة انتقالية كبرى فى سياستها الوطنية، سيتعين على «كارنى» أولاً إيجاد طريقة للتعامل مع تهديدات الرئيس الأمريكى المتقلب، الذى احتفل بيوم الانتخابات بإصراره مجددا على أن تصبح كندا الولاية الأمريكية الحادية والخمسين. وسيتعين عليه أيضا طرح تدابير لتحويل الاقتصاد الكندى لجعله أقل اعتمادا على الولايات المتحدة، أكبر شريك تجارى له ولكنه لم يعد موثوقا به. وقد بدأ بالفعل بتعميق العلاقات مع حلفاء أكثر «موثوقية» حيث كانت أول رحلة خارجية له كرئيس للوزراء إلى القارة العجوز، وتحدث إلى مسؤولين فرنسيين وبريطانيين حول تعميق العلاقات الأمنية والعسكرية والاقتصادية.
وخلال حملته الانتخابية، تعهد «كارنى» بفرض رسوم جمركية انتقامية على المنتجات الأمريكية رداً على أى رسوم جمركية يفرضها ترامب على المنتجات الكندية، كما اقترح زيادة فى الإنفاق الدفاعى، وخفض ضريبة الدخل، وحل قضية الهجرة بتثبيت مستويات الإقامة، وتقليص عدد المقيمين المؤقتين، وتعزيز إنفاذ الحدود. كذلك اقترح مجموعة من التدابير من شأنها مضاعفة معدل بناء المساكن وبناء 500 ألف منزل جديد سنوياً.
وفى تحليل خاص لـ«المصور»، أوضح شريف السبعاوى، عضو برلمان أونتاريو الكندى، أن فوز الليبراليين يرجع إلى أن البرنامج الانتخابى للمحافظين كان مبنياً على كراهية الكنديين لرئيس الوزراء السابق جاستين ترودو. لكن فور استقالته، هدأ الغضب الشعبي. وبصفة عامة، المواطن الكندى عند نزوله الانتخابات يكون دافعه إلحاق الهزيمة بشخص غير مرغوب فيه، حيث تطغى قوة الكراهية على الانتخابات الكندية. كذلك تضمن برنامج المحافظين الانتخابى إلغاء ضريبة الكربون. وعندما تولى «كارنى» رئاسة الوزراء، أول ما قام به هو إلغاء هذه الضريبة. ومع إزالة ترودو من الساحة، وإلغاء الضريبة، كان من المفترض أن تتحرك حملة المحافظين، وتغير من برنامجها الانتخابى للتركيز على احتياجات المواطن الكندى، وهو ما لم يحدث.
وبشأن المخاوف المتعلقة بتشكيل حكومة أقلية تزعزع من الاستقرار السياسى، أكد «السبعاوى» أن وضع الليبراليين أفضل مقارنة بالانتخابات السابقة. ففى السابق، احتاج الحزب لمقاعد عديدة لتشكيل حكومة، واضطروا إلى تحقيق ائتلاف توافقى مع الديمقراطيين الجدد. وهم فى هذه المرة ينقصهم أربعة مقاعد فقط. ومع خسارة الديمقراطيين الجدد لمعظم مقاعدهم، ووجود 7 مقاعد مستقلين، يقدر «كارنى» أن يجتذب أربعة منهم لتشكيل حكومة أغلبية، وهو السيناريو الأرجح.
وعن توتر العلاقات بين أمريكا وكندا، أوضح «السبعاوى» أن هذه القضية تشغل كندا والأوساط الاقتصادية الكندية. فالبورصة الكندية تهتز مع قرارات ترامب المتغيرة بفرض تعريفات جمركية ثم تعليقها. وحتى الآن يستثنى كندا، لكن حديثه دائما عنها أثار حالة من عدم اليقين. وبالتالى لا يمكن التنبؤ بما سيحدث بين الحكومة الكندية الجديدة وترامب. لكن ليس من مصلحة أحد أن تقوم حرب تجارية بين كندا والولايات المتحدة، لأنها ستكون عصيبة ليس فقط على كندا بل على أمريكا كذلك. فضلاً عن حجم التبادل التجارى الضخم بينهما. ففى ولاية أونتاريو فقط، يصل حجم التبادل التجارى إلى 550 مليون دولار. وما يزعج ترامب أن حجم التجارة يميل لكندا، وأن أمريكا تدفع أكثر. وسابقاً، كانت توجد اتفاقية «نافتا»، وبعدما رأى ترامب أنها غير عادلة فى ولايته الأولى، ألغاهـا وأقام اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA) بشروط أقل. والآن يرى ترامب مرة أخرى أنها غير عادلة، ويريد إلغاءها وإعداد أخرى تتضمن تعريفات جمركية. وبما أن كندا تصدر لأمريكا البترول والخشب والحديد والكهرباء وغيره، فالمتضرر الحقيقى سيكون المواطن الأمريكى فى النهاية، لأنه هو من سيدفع الضريبة. إذن، ما هى مشكلة كندا؟ حقيقة تكمن المعضلة فى فرض رسوم بنسبة 25 فى المائة على السيارات. وكندا تصدر لأمريكا كل عام مليون سيارة. وبالتالى، لن تكون السيارات الكندية مرغوباً فيها للمواطن الأمريكى كالسابق. وبالتالى ستنتقل المصانع من كندا للتخلص من الجمارك، ما بدوره سيؤثر على الوظائف.

