رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

من احتفالات موسكو وحرب الهند وباكستان والمناورات المصرية الصينية الجيش القوى ضرورة وطنية


15-5-2025 | 18:56

.

طباعة
بقلـم: حلمى النمنم

فى عالم ملتهب، يمكن أن تشتعل الحرب فى أى لحظة، كما جرى بين الهند وباكستان، وقد تطول الحرب كما هو الحال فى أوكرانيا وفى السودان.. بإزاء ذلك فإن وجود جيش وطنى قوى، يمتلك أحدث الأسلحة ولديه مصادر سلاح متنوعة، يصبح ضرورة وطنية، لضمان الاستقلال الوطنى وحماية الحدود وضبط التوازن حولنا وهو ما تحرص مصر عليه، ولعل المشاركة الرمزية لقواتنا فى احتفال يوم النصر بموسكو والمناورات الجوية مع الصين قبل أسبوعين تؤكد ذلك لنا وللعالم كله. ليس مفاجئا أن تنشب حرب بين الهند وباكستان، وليس مفاجئا أيضا أن تتدخل الدول الكبرى والصديقة للوصول إلى تهدئة بين البلدين، هكذا الأمور بين البلدين منذ تقسيم شبه القارة الهندية بقرار من الأمم المتحدة سنة 1947 إلى دولتين هما الهند وباكستان، وكان الهدف أن تضم باكستان المسلمين وتشمل الهند الهندوس.. وفى السنة نفسها نشب صراع عسكرى حاد حول مناطق الحدود وأشياء أخرى..

 

قدر ضحايا هذه العملية على الجانبين بمئات الآلاف، وفى سنة 1965 نشب الصراع مجددا، ثم فى سنة 1971، وبسبب هذا الصراع انزعج الرئيس السادات جدا، فذلك معناه انشغال القوتين العظميين وقتها الاتحاد السوفييتى والولايات المتحدة بالصراع هناك عن الصراع فى المنطقة العربية، تحديدا بين مصر وسوريا من جانب وإسرائيل من جانب آخر، وهدأت الأمور بين الهند وباكستان ونشب الصراع سنة 1999، الجديد وقتها أن الدولتين صارتا نوويتين فى العام السابق مباشرة، ولذا كان لابد مع أى صراع بينهما أن يسارع العالم ويتدخل، حتى لا يتم استدعاء السلاح النووى من أى منهما، والحق أن كل بلد حرص فى الصراع الأخير على إعلان أنه لم يصل إلى مرحلة تجهيز الصواريخ النووية.

الجديد فى الصراع الذى نشب الأسبوع الماضى، هو ظهور الطيران الصينى فى المعركة فقد اعتمد سلاح الجو الباكستانى على طائرات صينية الصنع، وكانت المفاجأة أن الطائرات الصينية تفوقت على طائرات الرافال الفرنسية فى سلاح الجو الهندى، المفاجأة لم تكن للهند فقط بل لكثير من دول العالم، خاصة المعنية بصناعة وتصدير الأسلحة.

حتى سنوات قليلة مضت لم تكن الطائرات الحربية الصينية موضع اهتمام عالمى فى سوق السلاح، هناك الطائرات الأمريكية بمختلف أجيالها، وصولا إلى طائرة «إف 35» وهناك الآن «إف 47» وبها قدرات كبرى، هناك كذلك الطائرات الفرنسية، الميراج ثم الرافال، يمكن كذلك أن نضيف الطائرات البريطانية الصنع «تورنيدو» وغيرها، فى المقابل هناك منذ أيام الاتحاد السوفييتى الطائرات الروسية، السوخوى أو «سو» وطائرات الميج، نحن خضنا حرب أكتوبر سنة 1973 بطائرات معظمها من الميج 17 والميج 21 وقليل من الميراج الفرنسية، هذا كله تاريخ يعرفه من عاش تلك الفترة أو قرأ عنها، فى كل ذلك لم يكن هناك حضور فى سوق السلاح، خاصة الطيران وصواريخ الدفاع الجوى للصناعة الصينية، صحيح أن الصين نجحت فى تصنيع “القنبلة الهيدروجينية” فى الخمسينيات ودخلت النادى النووى، لكن سلاحها كان معظمه لاستعمال الجيش والقوات الصينية وكانت المشاكل الداخلية تضعفها اقتصاديا وسياسيا.

الواضح أن الصين مع القفزات التكنولوجية والبرمجيات والتقدم الصناعى الهائل الذى حققته، انعكس على صناعاتها العسكرية، ثمة أحاديث فى عدد من المجلات المتخصصة عن تقدم مذهل فى الأسلحة الصينية، وأن بعضها قادر على منافسة السلاح الأمريكى نفسه، من هنا يمكن أن نكتشف سر الانزعاج فى الصحف الإسرائيلية، من المناورات المشتركة التى تمت قبل أسبوعين، بين سلاح الجو المصرى وسلاح الجو الصينى، جرت المناورات فى الأجواء المصرية.

المناورات التى قام بها الجيش المصرى تؤكد علاقات مصر المتنامية مع كبرى دول العالم، وأن مقولة الرئيس السادات التى أطلقها بعد حرب أكتوبر سنة 1973 حول تنويع مصادر السلاح، تتم على أكمل وجه الآن.. على الأقل خلال العقد الأخير، فقد أبدى الرئيس السيسى اهتماما واسعا بهذا الجانب منذ أن كان وزيراً للدفاع سنة 2012، نتذكر وقتها الزيارة التى قام بها إلى موسكو، ليستعيد العلاقات العسكرية لنا مع روسيا، منذ صفقة السلاح الشهيرة سنة 1955، ولعل دعوة الرئيس السيسى للمشاركة فى احتفالات عيد النصر فى موسكو الأسبوع الماضى، ومشاركة الجيش المصرى للجيش الروسى فى العرض العسكرى تؤكد استمرار وعمق تلك العلاقة، للعلم فقط إحدى طائرات “السو” الروسية تقارن بالطائرة «إف 35» التى رفضت الولايات المتحدة بيعها لأى دولة فى المنطقة، عدا إسرائيل ، حتى تركيا وهى عضو حلف الناتو لم تحصل على هذه الطائرة، رفضت إدارة بايدن ورفضت أيضاً إدارة ترامب، وقد حاولت دولة الإمارات العربية الشقيقة الحصول عليها لكن أمريكا رفضت.

تنويع العلاقات العسكرية ومصادر السلاح على هذا النحو، يعنى عدة أمور لمصر:

أولا: أننا لا نكون أسرى مصدر واحد، يحتكر تقديم السلاح لنا، ويمكن أن يفرض علينا شروطه ويمنع عنا السلاح الذى نطلبه وفق سياساته وأفكاره هو، المعروف أن الاتحاد السوفييتى رفض تقديم أسلحة هجومية لنا أثناء حرب الاستنزاف، بزعم أن السلاح الروسى للدفاع فقط وليس للهجوم، وأحدث ذلك أزمة صحية للرئيس جمال عبدالناصر، وجعلنا نتحمل غارات إسرائيل على العمق المصرى حتى شهر يوليو سنة 1970، حين قبلت مصر مبادرة «روجرز» لوقف إطلاق النار، ثم تكررت الأزمة مع الرئيس السادات عامى 1971 و1972 وكانت أقرب إلى مأساة وطنية وقتها.

ثانيا: يرتبط بذلك أن موقفنا السياسى لا يكون رهن قوة عظمى بعينها، تمارس علينا ضغطا سياسيا، ناعما أو خشنا وينعكس ذلك على سياسات الداخل كما جرى فى سنوات الستينيات، على النحو المعروف فى تاريخنا السياسى.

ثالثا: تنوع العلاقات ومصادر السلاح يمنح جيشنا العظيم المزيد من الخبرات ومتابعة أحدث المصادر العسكرية والتسليح، بما يمنحنا مرونة حقيقية ويزيد من قدراتنا على مواجهة أى تحديات للأمن القومى المصرى والعربى وهى تحديات مخيفة وكثيرة، سواء من مؤامرات الخارج أو فتن الداخل.

رابعاً: الاعتماد على مصدر واحد للتسليح يجعل الخصم قادراً على معرفة نقاط الضعف لدينا وفى السلاح الذى بين أيدينا، فيتسلل منها، كما يدرك نقاط القوة فى سلاحنا فيعمل على تحييدها أو تجنبها، ونكون أمامه أقرب إلى كتاب مفتوح، وهذا ما تعرضنا له فى سنة 1967، بما مكن العدو من معرفة معظم ما لدينا.

لكن تنوع الأسلحة وتكاملها يضعف قدرة الخصم على مفاجأتنا أولاً وإمكانية تجميد قوتنا أو مهاجمتنا بيسر وسهولة.

فى حرب أكتوبر كانت مضخات المياه التى أزالت الساتر الترابى ألمانية الصنع، وكانت الجسور على القناة روسية، لكنها تعود إلى الحرب العالمية الثانية وفى نظر العدو كان هذا النوع بات خارج الخدمة.

وكانت لدينا طائرات الميراج الفرنسية إلى جوار الميج الروسية، كل هذا مع التدريب الرفيع والتخطيط الذى صنع ملحمة النصر.

تاريخيا وإنسانيا.. ووطنيا أيضا لا يمكن أن تحافظ على السلام ما لم تمتلك قوة ردع حقيقية، وبدون القوة.. قوة الجيش تسليحا وتدريبا منتظما ومتواصلا، تردع من يحاول أو يفكر فى العدوان، وتمنع المغامرين والإرهابيين من أن يسيئوا التقدير والتفكير، لذا فإن قوة الجيش المصرى فى الأحداث العاصفة بالمنطقة هى التى حمت مصر وجعلت الآخرين لا يخطئون التقدير ولا يقدمون على مغامرة.

وحين اتجهت مصر فى السنوات الأخيرة إلى تنويع مصادر السلاح وتحديثه والمشاركة فى مناورات عسكرية مع مختلف الجيوش الكبرى، كان بعض حسنى النوايا أو الأوغاد يتساءلون باستنكار وبعض المتنطعين يتساءلون: لم كل هذا التسليح..؟ ثم جاءت الأحداث العاصفة منذ السابع من أكتوبر لتضع الإجابات واضحة وتؤكد للجميع أن الجيش المصرى قوة يحسب حسابها الجميع.

ولعل ما جرى فى سوريا منذ ديسمبر الماضى، وانهيار الجيش العربى السورى، دفع إسرائيل إلى تجاوز خطوط الهدنة المتفق عليها مند سنة 1974، لم تخترق إسرائيل تلك الخطوط على مدى نصف قرن، لكن بمجرد انهيار الجيش قامت بالاختراق والعدوان واحتلال المناطق منزوعة السلاح، ثم التدخل فى الشأن الداخلى السورى، بورقة الدروز فى محافظة السويداء.

فى السنوات الأخيرة كنا نردد أن المنطقة العربية حولنا ملتهبة، حرب قاسية فى السودان على حدودنا الجنوبية تجاوزت العامين وما زالت مستمرة، الضحايا هناك يقدرون من 150 ألف قتيل وهناك من يذهبون إلى أنهم تجاوزوا (180 ألفا) على حدودنا الغربية فى ليبيا الأمور لم تستقر، وفى فلسطين وسوريا ولبنان الأمر أخطر بكثير.

الآن العالم كله ملتهب، حرب روسيا وأوكرانيا، لم تتوقف بعد، الواضح أنها لن تتوقف فى القريب العاجل، الصراع بين الهند وباكستان ممتد، يهدأ ثم يثور مجددا وهكذا دواليك.. فى إيران الأمور ليست هادئة.. فى القرن الإفريقى ومدخل البحر الأحمر المشهد واضح، فى هذا المناخ الملىء بالصراعات والحروب، سواء حروباً عسكرية مباشرة أو حروباً على المياه والثروات وغير ذلك، لا بديل عن وجود جيش وطنى قوى وقادر.

ومن حسن الحظ وبفضل الحرص الدائم للقيادة السياسية لدينا هذا الجيش، وقد خبرناه طويلا فى أعتى التحديات، سواء فى حرب أكتوبر العظيمة بما مكننا من استرداد سيناء كاملة، غير منقوصة والحفاظ عليها، حتى حينما حاول فلول الإرهابيين انتزاع جزء منها سنة 2013 لإقامة ولاية شمال سيناء، تصدى لهم الجيش بقوة وكفاءة، صحيح أننا قدمنا تضحيات كبيرة، لكن فى النهاية أمكن تدمير وكر الإرهاب وحماية حدودنا عزيزة مصونة.

وفى سنوات الفوضى بعد يناير 2011، كان الجيش هو رمانة الميزان، حافظ مع مؤسسات الدولة الأخرى على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى، وهكذا أفلتنا مما تعرض له بعض الجيران من حروب أهلية متسعة دمرت اليابس والأخضر، وأسالت بحورا من الدم،.. استطاع الجيش المصرى حماية البلاد من السقوط فى ذلك البئر من الدماء.

كل من تابع الاحتفالات الروسية بذكرى يوم النصر، الذكرى الثمانين للانتصار على النازيين، ورأى المشاركة المصرية لابد أن يشعر بالفخر، المشاركة السياسية بدعوة الرئيس السيسى للمشاركة وعقد لقاء قمة مع الرئيس بوتين، ومشاركة القوات المصرية كذلك فى العرض العسكرى.

الرسالة واضحة للجميع، أننا لسنا أسرى قوة واحدة، لا أحد يسيطر على توجهات مصر وقراراتها، ولا أحد يملك أن يضغط علينا. من المهم أن نعى ذلك، فهناك محاولات للضغط علينا منذ «السابع من أكتوبر» لنقبل بتهجير سكان غزة إلى داخل مصر، وقد تصدينا له، وسوف نظل نتصدى، وذلك يحتاج موقفا سياسيا قويا وطنيا عاما، وقبل كل ذلك قوة مسلحة وجيش قوى بالمعنى الحرفى يردع من يفكر فى الاعتداء، ويجعل كل طامع أو مغامر يتريث فى مغامراته وحماقاته، ونحن فى مناخ مليء بالحمقى والمغامرين والإرهابيين أيضا.

علاقاتنا العميقة مع الصين وروسيا على كافة المستويات وكذلك الدول الأوروبية، فرنسا وألمانيا، فضلا عن الاتحاد الأوروبى، ناهيك عن علاقتنا الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.. تلك هى فلسفة مصر، وتستند إلى جيش واطنى قوى، ولا بأس أن يكون هناك بعض من السذج لا يدركون ذلك أو من تسيطر عليه أوهام العولمة أو الكارهين، هؤلاء سوف يكتشفون الحقيقة مع الوقت .. المهم أن نكون فى اصطفاف وطنى على كافة المستويات.