إنه عن حق الأديب المبدع الدكتور «يوسف إدريس» الذى رحل عنا فى الأول من أغسطس 1991. واليوم نستدعيه مع ذكرى ميلاده فى التاسع عشر من مايو الجارى. يعد «يوسف إدريس» أبرز كتاب القصة القصيرة فى الأدب العربى. تنازعه نفسه فى الالتحاق بالطب نظرا لحبه للعلوم، ويحصل على درجة البكالوريوس فى الطب متخصصا فى الطب النفسي. ويعين بالفعل طبيبا بمستشفى «قصر العينى»؛ إلا أنه ما لبث أن استقال منها وقرر الانضمام إلى معشوقته الكتابة، فتفرغ لها وبدأ فى نشر قصصه القصيرة
التقيته أكثر من مرة لأجرى معه العديد من اللقاءات، ولا تزال لقاءاته الثرية تطفو على ذاكرتى، لا سيما وقد عشقت كتاباته منذ أن صدرت له مجموعته القصصية الأولى (أرخص ليالى) فى عام 1954، والتى أحدثت يومها ضجة كبيرة. وتحولت رواياته إلى أفلام سينمائية مثل رواية (الحرام)، والتى قامت بالبطولة فيها الفنانة الراحلة «فاتن حمامة» ، وكل من «عبدالله غيث»، و«زكى رستم»، و(حادثة شرف) التى حققت أيضا نجاحا كبيرا، ورواية (لا وقت للحب) التى تحولت إلى فيلم سينمائى عام 1963 من بطولة «رشدى أباظة»، و«فاتن حمامة»، و«صلاح جاهين».
من أشهر مؤلفات «يوسف إدريس» أيضا قصة (النداهة)، و(العسكرى الأسود)، و(بيت من لحم)، و(أنا سلطان قانون الوجود)، وهى معالجة نفسية لما يراود الحيوان من خواطر نحو منْ يحيطون به. وتضم المجموعة سبع قصص أخرى تتنوع موضوعاتها بين الاجتماعية والرومانسية. وتدور القصة حول حادثة مقتل مروض الأسود «محمد الحلو» على يد (سلطان)، وهو أحد الأسود بالسيرك. ولم ينتبه أحد إلى دوافع الأسد «سلطان»، فعلى الرغم من أنه هاجم سيده وقتله، فإنه لم يكن يريد قتله فى حقيقة الأمر. فكل ما أراده هو استفزازه واللعب معه. ولعل هذا ما أراد الدكتور يوسف إدريس أن يقوله فى قصته القصيرة.
جاءت قصته القصيرة (أنا سلطان قانون الوجود) على رأس المجموعة القصصية تلك، وهى معالجة نفسية لما يراود الحيوان من خواطر نحو منْ يحيطون به، وهناك (المهزلة الأرضية) جمع فيها بين غرائب الحياة وتناقضاتها من إرث غير موجود، وميراث ضاع هباء بين طمع وخوف وخيانة وحب، وهى مهزلة أرضية حقا تستدعى للقارئ ما يعلنه الطبيب النفسى فى نهايتها من أنه مجنون ويحتاج إلى العلاج.
إنه المتألق «يوسف إدريس» أحد الكتاب والروائيين الذين أنجبتهم مصر، وأكثر الروائيين اقترابا من القرية المصرية ولذا لقب بـ(تشيخوف العرب) نسبة إلى الأديب الروسى الكبير (أنطون تشيخوف). منح يوسف إدريس وسام الجزائر عام 61 تقديرا لدوره فى دعم استقلال الجزائر ونضاله مع الجزائريين من أجل الاستقلال. نال عدة جوائز خلال مسيرته الأدبية منها (وسام الجمهورية) الذى حصل عليه مرتين فى 63، 67 وذلك تقديرا لخدماته فى التأليف القصصى والمسرحي. فاز بأكثر من جائزة منها «جائزة عبد الناصر فى الأدب» عام 69، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى فى 1980، وجائزة «صدام حسين للآداب 1988»، جائزة «الدولة التقديرية فى 1990».

جسد «يوسف إدريس» تجربة جيدة فى عالم الأدب، واستخدم براعته فى اللغة ليرسم قطاعات مختلفة من المجتمع المصرى. أصدر أولى مجموعاته القصصية «أرخص ليالي»، ومسرحياته «المخططين»، و«الفرافير»، و«البهلوان». نشر مجموعة مقالاته الأدبية والسياسية والفكرية فى مجموعات منها. لقد صنع «يوسف إدريس» بما ألفه مدرسة مختلفة وتجربة جديدة اتبعه فيها الكثيرون. استخدم براعته فى اللغة ليرسم عبرها قطاعات مختلفة من المجتمع المصرى. شارك بالعديد من المقالات الأدبية والسياسية والفكرية والتى نشرها فى مجموعات منها: (حادثة شرف)، و(النداهة)، و(اقتلها). ومن مسرحياته: (المخططين، البهلوان)، ومن مقالاته «فقر الفكر، وفكر الفقر». وهناك مجموعات أخرى منها «انطباعات مستفزة» .
تضم كتب «يوسف إدريس» 45 كتابا أشهرها (الحرام)، و(العيب)، و(المخططين)، و(شاهد عصره)، و(الجنس الثالث)، و(نيويورك 80)، و(فقر الفكر، وفكر الفقر)، و(مدينة الملائكة)، و(الفرافير) و(بيت من لحم)، و(عزف منفرد)، (البيضاء)، (جبرتى الستينات)، (العسكرى الأسود)، (الأب الغائب). وفى الأول من أغسطس 1991 رحل «يوسف إدريس» عن عالمنا بعد أن ترك لنا تراثا أدبيا زاخرا بالكثير من الأعمال، والتى تحول عدد منها إلى أفلام سينمائية منها (الحرام)، و(لا وقت للحب). رحم الله الأديب الموسوعى رائد القصة القصيرة الدكتور «يوسف إدريس».