وفقًا لكافة الأرقام من المتوقع أن يرتفع استهلاك الغاز الطبيعى خلال أشهر هذا الصيف، خاصة خلال شهرى يوليو وأغسطس إلى أكثر من 7 مليارات قدم مكعب فى اليوم.
وتلك هى فترة ذروة استهلاك الكهرباء التى أصبحت هناك صعوبة فى السيطرة عليها، ولا سيما مع تأكيدات الحكومة بالابتعاد عن تخفيف الأحمال بشكل نهائى وعدم قطع التيار الكهربائى لأى سبب من الأسباب.
وقد قطعت الحكومة على نفسها عهدًا ووعدًا بتوفير كافة الاعتمادات المالية من الدولار لاستيراد أى كميات من الغاز الطبيعى المُسال خلال هذا الصيف.
ووفقًا لأرقام الاستهلاك المتوقعة والتى تزيد على 7 مليارات قدم مكعب خلال فترة ذروة الاستهلاك هذا الصيف، سوف يكون متاحا من الإنتاج المحلى حتى الآن ما يقرب من 4 مليارات قدم مكعب يوميا، وربما قد يكون المتاح نحو 3.9 مليار قدم مكعب فى اليوم.
وهذا يرجع إلى أن الشركاء الأجانب لم يحققوا وعودهم حتى الآن لوزير البترول فى تنمية بعض الاكتشافات بصفة عاجلة، حتى تظهر آثارها خلال هذا الصيف، وذلك كنوع من الضغط للحصول على المزيد من مستحقاتهم، أو الضغط لتعديل الاتفاقيات البترولية بهدف زيادة أسعار الغاز الطبيعى عن المعدلات الحالية.
وإذا كان هناك مَن بدأ من الشركاء الأجانب فى أعمال تنمية محدودة لبعض اكتشافات الغاز الطبيعى، فهذا يحتاج إلى وقت قد يصل إلى عامين أو أكثر.
وعلى هذا سوف يتم استيراد نحو 3 مليارات قدم مكعب يوميًا من الغاز الطبيعي.
ومنها نحو مليار قدم مكعب سوف يتم استيراده يوميا من إسرائيل، فضلا عن محاولات لزيادة هذه الكميات، لكن استهلاك إسرائيل من الغاز الطبيعى يتزايد فى الصيف، بينما سوف يتم استيراد أكثر من مليارى قدم مكعب غاز مسال يوميا من مصادر مختلفة.
وبالفعل انتهت وزارة البترول من إعداد موقعين لمركبى تغييز فى العين السخنة، ويستقبلان بالفعل منذ فترة شحنات الغاز المسال، وتم ربطهما بالشبكة القومية للغازات الطبيعية التى تديرها شركة «جاسكو».
كما أوشك الموقع الثالث على الانتهاء بميناء العين السخنة لمركب التغييز الثالث لاستقبال المزيد من شحنات الغاز المسال.
وفى الوقت نفسه، بدأ العمل فى إعداد الموقع بميناء العين السخنة أيضًا لاستقبال مركب التغييز الرابع القادم من ألمانيا، والذى تم التعاقد عليه بالفعل عبر وسطاء.
ولما كانت طاقة كل مركب تغييز تصل إلى نحو 700 ألف قدم مكعب فى اليوم، الأمر الذى يعنى أنه سوف يكون متاحا فى ميناء العين السخنة طاقات لاستقبال نحو 2.8 مليار قدم مكعب فى اليوم من الغاز الطبيعى المسال المستورد.
وهذا يعنى أن الحكومة أوفت بالعهد والوعد، وأصبحت لديها الآليات لتوفير كافة الاحتياجات من الغاز الطبيعى، سواء كان ذلك من الإنتاج المحلى المتناقص، أو من الغاز الطبيعى المسال المستورد.
وقد تزيد أو تنخفض كميات الغاز المسال المستورد عن طاقة التغييز المتاحة وهى 2.8 مليار قدم مكعب يتم استيراد نحو مليارى قدم مكعب فى اليوم، ووفقا للمتاح من الاعتمادات التى تصل إلى حوالى مليارى دولار شهريا لاستيراد الغاز الطبيعى والمنتجات البترولية.
وهناك اتجاه لزيادة استيراد الغاز الطبيعى المسال لتوفير كامل احتياجات محطات الكهرباء والتى تزيد على 5 مليارات قدم مكعب يوميا، وفى المقابل خفض استهلاك المازوت بمعدلات كبيرة فى محطات الكهرباء لارتفاع سعره إلى 18 دولارًا للمليون وحدة حرارية، بينما يتراوح سعر استيراد الغاز الطبيعى المسال إلى ما بين 12 و13 دولارًا للمليون وحدة حرارية والتى ترتفع إلى نحو 15 دولارًا للمليون وحدة حرارية، بعد إضافة نحو 3 دولارات تكلفة إعادة التغييز من إيجار المركب الواحد الذى يصل إلى نحو 150 ألف دولار يوميا، ونسبة الفاقد عند عمليات إعادة التغييز داخل المركب وتكلفة النقل إلى الشبكة القومية للغازات الطبيعية، ونسبة الفائدة التى يتم دفعها نظير عدم سداد قيمة شحنات الغاز الطبيعى المسال بنظام السداد الفورى، وذلك بعد تقديم الحكومة المصرية كافة الضمانات لعملية الاستيراد والسداد بالأجل.
ورغم ذلك، فإن الاتجاه السائد هو حصار استخدام المازوت فى محطات الكهرباء لارتفاع سعره، حتى إن هناك مَن يطالب باتجاه معامل تكرير البترول المصرية إلى التوسع فى تصدير المازوت المنتج محليا.
على كلٍّ، فإن الشغل الشاغل للحكومة الآن هو توفير كافة الاعتمادات من الدولارات لاستيراد الغاز الطبيعى، سواء كان مسالا أو من إسرائيل، فضلا عن توفير مستحقات الشركاء الأجانب وعدم التباطؤ فى سدادها.
ورغم عدم الشفافية فى تعديل بعض الاتفاقيات البترولية، وعما إذا كان هذا التعديل يحقق التوازن للمصلحة العامة المصرية مع مصالح الشركاء الأجانب، إلا أننا نرى فى مثل هذه الظروف الصعبة والتى تتطلب تحفيز الشركاء الأجانب، فلا مانع من تعديل بعض الاتفاقيات البترولية ولكن بشفافية كاملة.
وعندما أقول لا مانع من تعديل بعض الاتفاقيات البترولية ولكن بشفافية؛ لأننى علمت أن الشركاء الأجانب يضغطون الآن لزيادة أسعار الغاز الطبيعى فى الاتفاقيات، مقارنة بالسعر المرتفع الذى يتم به استيراد الغاز المُسال، والذى يصل فى مجمله إلى نحو 15 دولارًا للمليون وحدة حرارية.
ويطالبون بذلك على أساس أنه مهما زاد سعر الغاز المنتج محليا والذى سوف يزيد إنتاجه بعد ذلك، فإنه سيكون أقل بكثير من سعر الغاز المُسال المستورد، ومن ثم سوف تؤدى إلى وفورات فى الفاتورة الاستيرادية للغاز الطبيعى، وكذلك فى المنتجات البترولية.
والسؤال الآن: أليس هناك من طريقة لخفض واردات الغاز الطبيعى المسال؟
يخطئ مَن يعتقد أنه لا توجد طريقة عاجلة لخفض استهلاك الغاز الطبيعى فى فترة ذروة الاستهلاك خلال أشهر يونيو ويوليو وأغسطس.
إذا كنا قد ذكرنا فى هذا المقال أن الاستهلاك يزيد على 7 مليارات قدم مكعب يوميا خلال ذروة الاستهلاك فى الصيف، فلا بد أن نعرف أن محطات الكهرباء تستهلك نحو 60 فى المائة من إجمالى المتاح من الغاز الطبيعى يوميا، ويذهب إنتاجها للاستهلاك المنزلى وإلى الصناعة والزراعة والنقل وغيرها.
كما أن الصناعة تستهلك نحو 30 فى المائة من الغاز الطبيعى بشكل مباشر يوميا، سواء كخامات لمصانع الأسمدة والبتروكيماويات، أو كوقود لبعض المصانع.
ولما كان استهلاك الصناعة يقترب من مليارى قدم مكعب يوميا، فإننا سوف نتوقف هنا لنطرح الآتى على الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء وكافة الوزراء الذين تتبعهم مصانع بشكل مباشر أو غير مباشر من القطاع الخاص.
وتحديدًا أطلب من رئيس الوزراء أن يكلف مَن يراه لوضع برامج تنفيذية لكى تقوم المصانع بعمرات الصيانة السنوية أو العمرات الجسيمة خلال أشهر ذروة الاستهلاك فى أشهر يونيو ويوليو وأغسطس.
وكما هو معروف، فإن كافة المصانع وغيرها لا بد أن تقوم سنويا بعمرات صيانة أو عمرات جسيمة، ويتم خلالها وقف بعض خطوط الإنتاج، وبما يؤدى إلى خفض استهلاك الكهرباء والغاز الطبيعى على حد سواء.
وأعتقد أنه لو أدرك وزير البترول المهندس كريم بدوى هذا الأمر، وطلب من مصانع البتروكيماويات التابعة لقطاع البترول أن تقوم بعمرات الصيانة خلال فترة أشهر ذروة الاستهلاك خلال هذا الصيف.
وكذلك ماذا يمنع أن يضع المهندس محمد شيمى وزير قطاع الأعمال العام برامج عاجلة لكى تقوم المصانع التى تتبعه وخاصة كثيفة الاستهلاك للطاقة بتنفيذ برامج الصيانة والعمرات الجسيمة خلال أشهر ذروة الاستهلاك؟
ولا يمنع أن ينتقل ذلك إلى كافة المصانع التى تتبع الإنتاج الحربى والهيئة العربية للتصنيع.
كما لا يمنع أن يشارك القطاع الخاص فى هذا الأمر، وتحديدا المصانع الكثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل مصانع الحديد والسيراميك والزجاج وغيرها.
وسوف أتوقف أكثر عند مصانع الأسمدة التى تحصل على الغاز الطبيعى كمادة خام بسعر 4.5 دولار للمليون وحدة حرارية، بينما تصل تكلفة استيراده إلى نحو 15 دولارا للمليون وحدة حرارية.
وبالتالى أتساءل: ماذا يمنع بأن تقوم بعمرات الصيانة خلال فترة ذروة الاستهلاك فى الصيف؟
والأهم أن تساهم فى توفير الدولارات اللازمة لاستيراد الغاز الطبيعى المسال، لأنه ليس مقبولا أن تحصل على الغاز الطبيعى بسعر متدنٍّ من الحكومة، وهو 4.5 دولار للمليون وحدة حرارية وتحتفظ بعوائد التصدير.
وإذا كان صعبا تنفيذ ذلك يتم إعطاء الحرية لهذه المصانع وكذلك مصانع البتروكيماويات فى استيراد الغاز الطبيعى بشكل مباشر لحسابها، أو أن تدفع سعر استهلاكها من الغاز الطبيعى للبترول بالدولار بعد زيادة سعره.
لأنه لا يُعقل أن يتم دعم هذه المصانع والبتروكيماويات وكل المصانع التى تحصل على الغاز الطبيعى بسعر 4.5 دولار للمليون وحدة حرارية وتدفع فيه الدولة 15 دولارا للمليون وحدة حرارية، فى وقت قررت فيه الحكومة تخليص أسعار المنتجات البترولية من كل صور الدعم.
ولن أتضامن مع الذين يطالبون بوقف مصانع الأسمدة والبتروكيماويات خلال فترة ذروة الاستهلاك ولا حتى تخفيض طاقتها الإنتاجية، ولكن أدعو إلى إعادة النظر فى أسعار الغاز الطبيعى المنخفض والتى تشترى به هذه المصانع.
وإلى أن يتم ذلك، فلا بديل عن أن تعلن هذه المصانع فورا عن برامج الصيانة والعمرات الجسيمة خلال أشهر ذروة الاستهلاك هذا الصيف، فهل نبدأ خاصة أن خطط ترشيد استهلاك الكهرباء لم تؤتِ ثمارها حتى الآن؟

