رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

صوت مصر على لسان الرئيس السيسى.. التطبيع لا يضمن السلام العادل والشامل والدائم


22-5-2025 | 19:14

.

طباعة
بقلـم:حلمى النمنم

«حتى لو نجحت إسرائيل فى إبرام اتفاقيات تطبيع مع جميع الدول العربية فإن السلام الدائم والعادل والشامل فى الشرق الأوسط، سيظل بعيد المنال ما لم تقم الدولة الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية».

هذا ما جاء حرفياً فى خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته ظهيرة يوم السبت بافتتاح مؤتمر القمة العربية فى العاصمة العراقية، بغداد، وخلال الخطاب أوضح الرئيس أن الدولة الفلسطينية يجب أن تقوم على حدود الرابع من يونيه سنة 1967 وعاصمتها القدس وهذا ما أكدت عليه المبادرة العربية للسلام، المطروحة فى قمة بيروت منذ سنة 2003.

 

الإشارة القوية إلى أن التطبيع لايعنى ضياع الحق الفلسطينى، تستحق أن نتوقف عندها، لأنها تضع النقاط على الحروف فى قضية مطروحة على الشارع العربى كله منذ عدة عقود.

حين أعلن قيام الدولة العبرية فى مايو سنة 1948، راهنت مبكراً الحكومات الإسرائيلية على إمكانية التطبيع مع دول المنطقة كلها، خاصة ما تسمى دول الطوق أى مصر وسوريا ولبنان والأردن وأن تصبح جزءاً من المنطقة، وكان منطق التطبيع لديهم يقوم على عدة تصورات، أبرزها أن إسرائيل دولة متقدمة وفق قواعد الحضارة الغربية المعاصرة وأن البلاد العربية المحيطة بها ليست كذلك وتصوروا أن عليهم دورا فى قيادة المنطقة، وأن يكونوا رسل الحضارة إليها، فضلاً عن أنهم يحتاجون قوى عاملة «رخيصة» وثروات طبيعية وهذا كله متوفر لدى دول المنطقة، وذلك هو نفس المنطق الاستعمارى الذى جاء به الاستعمار الأوروبى إلى بلادنا، منذ حملة نابليون على مصر والشام سنة 1798.

لكن المنطق الخفى فى التطبيع لديهم، كان قائما على تصورات أخرى، أبرزها أن إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول العربية سوف يفتح الباب لعلاقات فى كافة المجالات ومن ثم يصبح الفلسطينيون فى عزلة عن المحيط العربى أولاً، وينسى العرب القضية الفلسطينية ولا يطالبون بإقامة الدولة، ويصبح التعامل مع الفلسطينيين من الجانب الإسرائيلى يعتمد على منحهم بعض الفتات مثل زيادة فرص العمل داخل إسرائيل وإقامة بعض المدارس والجامعات لهم، وتيسير سفرهم إلى الدول العربية وأوروبا أو أمريكا للإقامة النهائية ومع الوقت تموت القضية أو تتحلل، على طريقة الهنود الحمر فى أمريكا مثلاً أو العرب فى الأندلس.

على الجانب العربى كان ولا يزال هناك تصور بأن الامتناع عن إقامة علاقات مباشرة مع إسرائيل ومقاطعتها يؤكد عزلتها ويضغط عليها أو يدفعها للاعتراف بالحق الفلسطينى والجلاء عن الأراضى المحتلة، وكان الشعار دائماً.. «الأرض مقابل السلام والعلاقات الطبيعية»، ونحن فى مصر بعد توقيع معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية سنة 1980، واسترداد سيناء كاملة، رفض كثير من المصريين التطبيع مع إسرائيل، استناداً على أن عدم الحرب بيننا، لا يعنى بالضرورة التطبيع، بل يبقى التعامل على طريقة «صباح الخير يا جارى.. أنا فى حالى وأنت فى حالك.. حتى لو لم تكن هناك «صباح الخير»، لسنا ملزمين بالعلاقات الطبيعية وقامت فى مصر جماعات مناهضة للتطبيع ثقافيا واقتصاديا وتم التعامل رسمياً من الدولة المصرية مع هذا الاتجاه باعتباره يمثل شريحة واسعة من الرأى العام يجب احترامها ومن حقها التعبير عن كافة مواقفها وآرائها.

حاولت إسرائيل بكافة الطرق التطبيع مع الجامعات المصرية وأساتذتها ومع الصحفيين والكتاب ومع الأطباء والمهندسين وغيرهم، ونجحوا بالنسبة لبعض الأفراد، لكن لم ينجحوا على مستوى المؤسسات.

وفى فترة الرئاسة الأولى عمل الرئيس دونالد ترامب على دفع بعض الدول العربية إلى التطبيع، هو يريد أن يقدم نفسه باعتباره صانعا للسلام، ويقد خدمة لإسرائيل حلمت بها، وأطلق على تلك العملية اتفاقات «السلام الإبراهيمى».. والآن هناك ثلاث دول عربية على الأقل مرشحة للانضمام إلى مجال التطبيع.. لقد شاهدنا لقاء الرئيس ترامب مع الرئيس السورى أحمد الشرع برعاية ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان فى الرياض الأسبوع الماضى.

بعد اللقاء تحدث ترامب مع الصحفيين عن أنه تحدث مع الرئيس الشرع فى إمكانية انضمام سوريا إلى السلام الإبراهيمى، وأكد أنه وجد تجاوبا من الرئيس السورى وثمة مباحثات مباشرة وغير مباشرة تجرى الآن بين سوريا وإسرائيل وهناك فى الكواليس أحاديث عن دول أخرى.

مشروع التطبيع لدى الإدارة الأمريكية وبعض دوائر الغرب، سياسياً وفكرياً، يقوم على فهم مغلوط لقضية الصراع العربى – الإسرائيلى، بمعنى أدق القضية الفلسطينية هم يرون الصراع – صراعاً فى المقام الأول، بين يهود ومسلمين، ومن ثم صراع دينى وعقائدى أو طائفى، وعندهم أن حله يتم بالتذكير أن اليهود والمسلمين وأيضا المسيحيين، هم جميعاً أبناء سيدنا إبراهيم الخليل «أبو الأنبياء» وهذا صحيح، وأن الديانات الثلاث كلها تؤمن بالتوحيد وتتفق مع الفضائل الكبرى، ومن ثم لا مبرر للصراع ولا للعداء بين أتباع هذه الديانات، سوف نلاحظ أن ترامب ومن معه يتحدثون عن «السلام الإبراهيمى»، ولا يشيرون إلى الصراع العربى الإسرائيلى، ناهيك عن تجاهل كل ما هو فلسطينى فى خطابه العام، والحق الفلسطينى فى التحرر والاستقلال عن الاحتلال، ومن هنا تأتى أهمية ما ذكره الرئيس السيسى فى جلسة الافتتاح بقمة بغداد، القضية بالنسبة لنا ليست دينية ولم تكن كذلك، ذكر الرئيس تلك الحقيقة سنة 2023 فى لقاء مع وزير الخارجية الأمريكى وقتها «أنتونى بلينكن»، حين أشار إلى أننا لم نضطهد اليهود يوماً، لا فى مصر ولا فى المنطقة العربية.

تاريخياً حين اضطهد اليهود فى الأندلس جاءوا إلى مصر وعاشوا بها معززين مكرمين وذهبوا كذلك إلى شمال إفريقيا وإلى بلاد الشام.. ولما ظهرت المشكلة اليهودية فى أوروبا، وكان هناك عداء للسامية، ازداد مع القرن التاسع عشر استقبلتهم الدول العربية، خاصة مصر.. وعاشوا فى الإسكندرية وفى القاهرة وفى معظم المدن المصرية، بل حتى القرى والكفور فى أنحاء مصر.

يعيد الرئيس السيسى القضية إلى جوهرها، هى ليست مسألة دينية فى المقام الأول، ذلك أن المسلم يصبح ناقص الإيمان إذا تشكك فى نبوة سيدنا موسى والديانة اليهودية، نحن بإزاء اعتداء على وطن واستباحته واحتلاله، ليس ذلك فقط، بل تهجير أهله والقيام بالمذابح ضدهم.. المدنيون الذين قتلوا فى غزة، حوالى 55 ألفا، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، لم يقوموا بأى عمل عدائى تجاه إسرائيل، عملية السابع من أكتوبر لم يقم بها المدنيون الفلسطينيون، بل كتائب القسام، وحين تم تحقيق وقف إطلاق النار فى يناير الماضى، خرج المقاتلون من الأنفاق وهم فى كامل الصحة والأناقة.. الذين شردوا، هم المدنيون والنساء والأطفال.. هدمت بيوتهم ودمرت الأحياء بالكامل، مدن تحولت إلى تراب، بالمعنى الكامل.

الحق لا يسقط بالتقادم، ولا يتم الالتفاف عليه ولا السهو عنه، وقد أثبت الفلسطينيون فى الداخل وفى المنافى تمسكهم بحقهم فى وطن كريم ودولة مستقلة.

أقامت إسرائيل علاقات مع عدد من الدول العربية ويمكن أن يتسع العدد، لكن ذلك لا يسقط الحق الفلسطينى، بل يؤكده ويجدده، ولعل ما يجرى فى المنطقة يثبت أن الحق الفلسطينى قائم ولن يسقط.

فى ظل الاتفاقيات الإبراهيمية وانطلاق قطار التطبيع، بل وجود علاقات دافئة مع بعض الدول العربية – فإن إسرائيل لم تشعر بالأمن ولا تحقق لها السلام المنشود، الذى يضمن الحياة الآمنة والمستقرة.

صاروخ واحد، محدود الفاعلية وقوته التدميرية محدودة للغاية، يدخل إلى سماء إسرائيل يدفع نصف سكانها إلى الملاجئ.

رسالة الرئيس السيسى الواضحة، أن التطبيع حتى لو كان دافئاً وليس بارداً على الطريقة المصرية فإنه لا يضمن ولا يحقق الأمان والسلام فى المنطقة كلها، أحداث غزة والعدوان الهمجى على الشعب الفلسطينى أشعل المنطقة كلها، من لبنان وسوريا إلى اليمن والبحر الأحمر وحتى إيران، كما قال الرئيس السيسى الشرق الأوسط كله.

كلمة مصر فى القمة موجهة لكل الأطراف فى المنطقة خاصة إسرائيل وإلى العالم، وحتى إلى الرئيس دونالد ترامب أن التطبيع وحده لن يحقق الأمن ولن يضمن السلام فى المنطقة، يتحقق السلام بإقامة الدولة الفلسطينية، المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس.

تتصور إسرائيل أن بناء علاقة مع دول المنطقة، يضمن وحده السلام.. لكن تعريف مصر للسلام كما جاء فى كلمة قمة بغداد، أن يكون سلاماً عادلاً.. شاملاً ودائماً، تلك هى شروط السلام المنشود ومواصفاته.

السلام العادل الذى يضمن للشعب المقهور أن يحصل على حقه فى إقامة وطن ودولة مستقلة على حدود معترف بها عالمياً وهى حدود الرابع من يونيه 1967، وهذا ما قررته المواثيق الدولية والقرارات الأممية.

وأن يكون دائماً، بمعنى أن لا يصبح مجرد هدنة أو وقف لإطلاق النار بقصر أو بطول، لأن هذا الوضع يمكن أن ينفجر فى أى لحظة مع أى مغامرة أو تصرف يائس وطائش من فرد أو مجموعة أو حتى وجود حكومة لا تؤمن بالسلام.

والسلام الشامل هو الذى يتطرق إلى كافة جوانب الصراع فلا يحل جانباً ويبقى جوانب أخرى معلقة ومفتوحة، فيعود الصراع مجدداً فى أى لحظة.

وقد جربت إسرائيل توقيع اتفاقية أوسلو سنة 1994 مع الزعيم الفلسطينى ياسر عرفات، لكن ترك المستوطنون يعتدون على الأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية وفى غزة، ما يسمى غلاف غزة، وهى أراضى فلسطينية محتلة – كما تركت الجماعات والأفراد المتطرفين ينتهكون حرمة الأماكن المقدسة فى فلسطين، وطبقاً لنظرية أن لكل فعل رد فعل مساو له فى المقدار ومضاد فى الاتجاه، انفجر الفلسطينيون فكانت عملية السابع من أكتوبر، باختصار لم يتحقق السلام ولا الأمان.

تجمع التقارير أن إسرائيل شهدت هجرة عكسية شديدة منذ السابع من أكتوبر، هرب الكثيرون إلى أوروبا وإلى أمريكا، لنقل عادوا إلى بلدانهم الأولى التى يحملون جنسياتها، هربوا هاجروا لأنهم لم يجدوا الأمان ولا السلام.. ورغم كل ما قامت به إسرائيل فى جنوب لبنان من تدمير ومن اغتيالات مازال سكان المستوطنات والقرى الإسرائيلية المجاورة للحدود اللبنانية يخشون العودة، رغم كافة المغريات التى قدمتها لهم الحكومة الإسرائيلية.

ليس هذا فقط، بل هناك موجة مرتفعة من الغضب فى أوروبا والولايات المتحدة تجاه ما تقوم به إسرائيل من مجازر يومية، غير مبررة، أمامنا ما جرى فى عدد من الجامعات الأمريكية والأوروبية.. وقد انتهكت الإدارة الأمريكية الكثيرين من الأعراف الجامعية والعلمية حماية لعدوان إسرائيل.

لم تعد إسرائيل مدللة لدى الرأي العام فى أوروبا والولايات المتحدة، المجازر التى تقوم بها فوق احتمال الضمير الإنسانى، ولأول مرة نجد المؤسسات الدولية، خاصة المعنية بشئون العدالة، مثل الجنائية الدولية ومحكمة العدل توجه اتهاما لمسئولين إسرائيليين، وتدين رئيس الحكومة وكذا وزير الدفاع، حتى إن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بات مطلوبا للعدالة فى عدد من الدول ويصعب عليه المرور بها حتى جواً.

أهمية كلمة مصر على لسان الرئيس السيسى أنها تأتى فى توقيت فارق، الرئيس ترامب يقول بملء الفم.. نريد غزة أمريكية.. ويطالب بإخلائها، إسرائيل تضع الشعب الفلسطينى تحت خيار الإبادة والتجويع أو الهجرة قسراً أو طوعاً.

ترامب يعيش لحظة انتشاء ويتصور أن مشروعه فى إخلاء غزة بات قريباً، لكن مصر قالت وتقول إنه لا سلام عادلا.. كاملا ودائما فى الشرق الأوسط كله دون إقامة الدولة الفلسطينية.

التطبيع لا يسقط الحق الفلسطينى فى دولة مستقلة ولا يعنى قبول الاحتلال أو الرضا به.