رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

آلاء النجار.. «خنساء العصر الحديث» استهداف الأطفال.. عقيدة إسرائيلية


2-6-2025 | 01:32

.

طباعة
تقرير: دعاء رفعت

كانت الطبيبة الغزية آلاء النجار، فى مناوبة عمل بمستشفى ناصر غرب مدينة خان يونس، حين ضج المشفى بوصول ضحايا غارة إسرائيلية، فهرعت إلى الجثامين المتفحمة بنيران الغدر، قبل أن تكتشف أن تلك الجثامين هم أطفالها التسعة الذين تركتهم وراءها بالمنزل على أمل العودة إليهم؛ إلا أنهم هم من جاءوا إليها فى أكفان لتفقد تلك الأم المكلومة حياتها فى لحظة، فقد فقدت منزلها وأبناءها، ولم يتبق لها سوى أحدهم وزوجها فى حالة حرجة بين أيادى الله بالعناية المركزة.

 

هذه ليست مأساة «آلاء» فقط، بل مأساة كل أم فلسطينية فى غزة، تواجه وحشية عقيدة إسرائيلية مجردة من الإنسانية تهدف إلى قتل الأطفال الفلسطينيين لتدمير النشء الفلسطينى ومستقبل تلك الأمة التى يمارس عليها أبشع أنواع التعذيب، وترتكب فى حقهم أفظع جرائم الحرب، على مرأى ومسمع من العالم، حتى خرج من بينهم من ضج من آليات القتل الوحشية فى تلك الحرب. نائب رئيس الأركان السابق بالجيش الإسرائيلى، يائير جولان، أعلنها علانية أن جنود الاحتلال يقتلون أطفال غزة «كهواية» فى تلك الحرب القذرة والإبادة الجماعية الممنهجة. فوفقًا للجهاز المركزى للإحصاء الفلسطينى، قتل الاحتلال نحو 18 ألف طفل فلسطينى منذ بداية الحرب فى غزة فى السابع من أكتوبر 2023، فيما وصل عدد الشهداء من الأطفال فى الضفة الغربية إلى 197 طفلًا، ومن النساء 12400 امرأة، ووصل عدد الشهداء من المسنين 3853 مسنًا و1411 من الطواقم الطبية، فضلًا عن 4700 مفقود من الأطفال والنساء منذ بداية الحرب.

منذ احتلال فلسطين عام 1948، شكلت السياسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطينى نمطًا مستمرًا من العنف والانتهاكات، وكان الأطفال الفلسطينيون من بين أكثر الفئات تضررًا. وتشير الوقائع إلى أن استهداف الأطفال ليس مجرد أضرار جانبية للحرب أو «أخطاء» عسكرية، بل جزء من منظومة أوسع تتعاطى مع الفلسطينى - بما فى ذلك الطفل - بوصفه «تهديدًا أمنيًا محتملاً»، وهو ما نراه فى تعرض هؤلاء الأطفال لوحشية الاحتلال سواء بالقتل المباشر أو الاعتقال والتنكيل النفسى والجسدى مما يطرح تساؤلات ملحة: هل هناك عقيدة إسرائيلية فعلية تستهدف الأطفال الفلسطينيين؟ وما الأدلة التى تؤكد أن هذا السلوك منهجى وليس عشوائيًا؟ .. وللإجابة على تلك الأسئلة يمكننا الرجوع إلى العقيدة اليهودية التى تحرك المؤسسة العسكرية فى إسرائيل وتحرضها لقتل الأطفال، إذ تتضمن التوراة «العهد القديم» نصوصًا تُشير إلى أوامر إلهية بقتل شعوب كاملة من بينهم الأطفال، مثل ما ورد فى سفر صموئيل الأول 15:3: «فالآن اذهب واضرب عماليق وحرموا كل ما له ولا تعفُ عنهم، بل اقتل رجلاً وامرأة، طفلاً ورضيعًا، بقراً وغنمًا، جملاً وحمارًا». «وفى سفر يشوع الذى يذكر أوامر إلهية بـ «استئصال» شعوب كنعانية بما فيهم الأطفال، بوصفهم أعداء إسرائيل القدامى، وهى نصوص فسرها بعض الحاخامات المتطرفين بطريقة تتيح إيذاء غير اليهود فى ظروف معينة، خصوصًا فى أزمنة الحروب، فبعض الحاخامات فى المستوطنات «مثل الحاخام يتسحاق شابيرا، مؤلف كتاب توراة الملك» ذهبوا إلى القول بأن قتل الأطفال الفلسطينيين مباح إذا كانوا «يكبرون ليصبحوا أعداءً».

تلك العقيدة اليهودية تظهر أيضًا بالوثائق والدراسات الإسرائيلية الرسمية فيما يُعرف بـ«الخطر الديموغرافى الفلسطينى»، وهو قلق استراتيجى إسرائيلى من تزايد عدد السكان الفلسطينيين. وفى هذا السياق، يظهر الطفل الفلسطينى كرمز «للخطر المستقبلى»، ما يفسر إلى حد ما القسوة فى التعامل الأمنى معه.

كما تكشف عدة تحليلات للمحتوى الإعلامى الإسرائيلى والمناهج التعليمية التى تُشيطن الفلسطينيين، وتجردهم من إنسانيتهم، ولا يُستثنى الأطفال من هذا الخطاب، بل يُصور بعضهم - خاصة أولئك الذين يلقون الحجارة أو يشاركون فى مسيرات - كـ«إرهابيين صغار»، هذا التوصيف لا يبرر فقط استهدافهم، بل يُؤسس لقبول مجتمعى له . وهو ما يُطبق بالمؤسسة العسكرية وتكشف عنه الوثائق والتدريبات العسكرية المُسربة، أبرزها تعميم رؤية الطفل الفلسطينى كمصدر تهديد مستقبلى، وعدم محاسبة الجنود الذين يقتلون أطفالًا، واستخدام كثير من الساسة والمستوطنين مفردات مثل «الذرية الإرهابية» و«الصغار الذين سيكبرون على الكراهية» و«الأفاعى الصغيرة». فقد سبق ونشرت وزيرة العدل الإسرائيلية السابقة إيليت شاكيد عام2014، منشورًا نقلت فيه عن متطرف يمينى قوله إن «أمهات الشهداء الفلسطينيات يجب أن يُقتلن أيضًا لأنهن يُربين ثعابين».

ولهذا، لا يمكن فصل استهداف الأطفال الفلسطينيين عن المنظومة العقائدية والأمنية الإسرائيلية. فبينما تُستحضر نصوص دينية قديمة ويعاد تأويلها لأغراض قومية متطرفة، تُترجم هذه الأيديولوجيا إلى سلوك عملى فى الميدان يتعامل مع الطفل الفلسطينى كعدو محتمل. ويظل الصمت الدولى عن هذه الانتهاكات جريمة موازية تُسهم فى استمرار هذه المأساة فى غزة التى تعيش بها الأمهات والأطفال الفلسطينيون تحت نيران الاحتلال وآليات التعذيب الوحشية التى تهدف إلى تدمير مستقبل هذا الشعب واقتلاع جذوره من الأرض التى ترتوى كل دقيقة بدماء أطفالها.

أخبار الساعة