رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

عُمان ... مركزًا عالميًّا للوجستيّات الطاقة والطاقة المتجددة


4-6-2025 | 10:26

.

طباعة
بقلم/ أحمد تركي ... خبير الشؤون العربية

في الوقت الذي تواصل فيه سلطنة عُمان خططها الاستراتيجية الرامية لأن تكون مركزًا عالميًا للوجستيات الطاقة، من خلال إنشاء محطات تخزين النفط، متسلحة في ذلك بموقعها الجغرافي المتميز، على مفترق طرق التجارة العالمية، تستعد قريباً لإعلان أول مشروع لتخزين الطاقة المتجددة، ضمن جهودها المتواصلة لتحقيق أهداف "رؤية عُمان 2040"وهو أحد الأهداف الرئيسية لـ "الاستراتيجية اللوجستية 2040".

وتأتي محطة رأس مركز بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، التي تديرها الشركة العُمانية للصهاريج "أوتكو" لتكون بمثابة المخزن العالمي الآمن  لضمان أمن الطاقة، ليس لعُمان فحسب، وإنما للأسواق الإقليمية والدولية، خاصة بعد نجاحها في التعامل مع 491 سفينة منذ بدء تشغيلها في عام 2023، وحتى نهاية أبريل 2025م، واستوردت ما يزيد على 950 مليون برميل من النفط الخام، كما صدّرت ما يقارب 17 مليون طن متري من المشتقات البترولية، الأمر الذي يعمل على ترسيخ مكانة  سلطنة عمان كمركز عالمي رائد في لوجستيات الطاقة.

لم تكن الانجازات التي حققتها محطة رأس مركز، وليدة الصدفة البحته، وإنما جاءت تتويجاً لإلتزامها بأعلى معايير السلامة والتميّز التشغيلي، ما يعزز دورها المستقبلي كمخزن إمدادات للعالم، انطلاقًا من موقعها الاستراتيجي الذي يربط عُمان بخطوط الملاحة البحريّة في المحيط الهندي، وصولًا إلى أسواق آسيا وأفريقيا وأوروبا.

تخدم محطة رأس مركز حاليًّا مصفاة الدقم عبر خط أنابيب بطول 80 كيلومترًا يتم من خلاله نقل النفط الخام من رأس مركز إلى المصفاة، وتضمّ منشآت تخزين النفط 8 خزانات ضخمة لتخزين النفط، ومنصّات عائمة لاستيراد وتصدير النّفط، وخطوط أنابيب تحت البحر لاستقبال وتصدير النفط بطول 7 كيلومترات، ومحطّة لضخ النفط إلى الخزانات، بالإضافة إلى غرف التحكم والمكاتب الإدارية للشركة والمنشآت الأخرى المتعلقة بتجهيزات الأمن والسّلامة وتتيح الخصائص الفنية للمحطة إمكان مزج أنواع مختلفة من النفط الخام وتحميل وتفريغ السفن في أوقات قياسيّة.

وتستهدف المحطة تخزين جميع أنواع النفط الخام وبكميات كبيرة خارج مضيق هرمز؛ ما يتيح للشركات العالمية تخزين نفطها في المحطة لأي فترة، وتبلغ المساحة المخصصة للمحطة 40 كيلومترًا مربعًا، وتتسع لتخزين حوالي 200 مليون برميل من النفط، مما يعزز المكانة العُمانية كلاعب حيوي في تجارة النفط واللوجستيات العالمية.

وإذا كانت خدمات التخزين الحالية للمحطة تلبي احتياجات السوق العُمانية، فإن التركيز المستقبلي ينصب على توسيع نطاق عمليات التخزين العالمية، إذ تم توقيع اتفاقية استراتيجية مع شركة هولندية رائدة في مجال التخزين لتحويل الدقم إلى مركز عالمي لجذب أعمال التخزين، هذه الشراكة مع الشركات العالمية هدفها ربط لوجستيات الطاقة العمانية بالأسواق العالمية، وتوطين أفضل الممارسات الدولية، وتعزيز قدرات الكفاءات العمانية في قطاع لوجستيات الطاقة. وعقد شراكات عالمية تُمكّن من تبادل الخبرات وتعزيز جهود التطوير، بما يتماشى مع رؤية سلطنة عُمان لتصبح مركزًا إقليميًّا رائدًا في تصدير الطاقة النظيفة.

وفي خطوة نوعية نحو تعزيز التحول الأخضر، تُجرى الاستعدادات لإعلان أول مشروع لتخزين الطاقة المتجددة في سلطنة عمان، ضمن جهودها المتواصلة لتحقيق أهداف "رؤية عمان 2040". وإيجاد حلول فاعلة لتخزين الكهرباء النظيفة، ويُعد هذا المشروع المرتقب حلقة مفصلية في خريطة طريق البلاد نحو مستقبل منخفض الانبعاثات وأكثر استدامة.

تأتي هذه المبادرة خلال وقتٍ تُسرّع فيه الحكومة العُمانية من وتيرة مشروعات الطاقة المتجددة، ولا سيما في طاقتي الرياح والشمس، لدعم خططها في إنتاج 30% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2030.

المؤكد... أن التدشين المنتظر لأول مشروع لتخزين الطاقة المتجددة في سلطنة عمان، يمثل خطوة محورية تُضاف إلى مشروعات ضخمة قيد التنفيذ، في مقدمتها 5 إلى 6 محطات جديدة للطاقة المتجددة من الرياح والشمس، من المزمع تشغيلها بحلول 2027، بقدرة تفوق 2000 ميجاواط.

والواقع أن جميع الجهات العُمانية المعنية، تسعي ضمن استراتيجيات الإستدامة إلى تخزين الكهرباء، بما يُسهِم في استقرار الشبكة وتحسين كفاءة استعمال مصادر الطاقة المتجددة.

إذ تشهد التوجهات العُمانية في المرحلة المقبلة التركيز على طاقة الرياح؛ نظرًا إلى توافر إمكانات طبيعية مميزة في محافظتي الوسطى وظفار؛ وستضاف المحطات الجديدة، التي سيبدأ تنفيذها العام الجاري، إلى محطات "منح 1" و"منح 2" للطاقة الشمسية، اللتين تجاوز إنتاجهما الأولي 500 ميجاواط لكل منهما.

كما أن أن سلطنة عُمان تعمل أيضًا على تطوير مشروع "طريق الهيدروجين"، بالشراكة مع وزارتي الطاقة والنقل وشركة تنمية نفط عمان، والذي سيتيح استعمال الهيدروجين بوصفه وقودًا بديلًا في شاحنات النقل؛ ما يعزز من تكامل الحلول منخفضة الكربون.

وتشكل طاقة الرياح أحد الأعمدة الرئيسة التي تقوم عليها خطط الطاقة المستدامة في سلطنة عمان؛ إذ اختارت شركة نماء لشراء الطاقة والمياه 12 شركة عالمية لتطوير 5 مشروعات إستراتيجية جديدة، باستثمارات تصل إلى 500 مليون ريال (1.4 مليار دولار أميركي). وتضم قائمة الشركات المؤهلة أبرز الأسماء العالمية، مثل "سوميتومو" اليابانية، و"مصدر" الإماراتية، و"توتال إنرجي"، و"إي دي إف" الفرنسية، ما يعكس الاهتمام الدولي المتزايد بالسوق العمانية.

تهدف هذه المشروعات إلى إنتاج ما يراوح بين 91 و400 ميجاواط لكل مشروع، بإجمالي قدرة مركبة قد تتجاوز 1000 ميجاواط، ومن المقرر بدء التشغيل التجاري لها في عام 2027، ما يتوافق زمنيًا مع دخول أول مشروع لتخزين الطاقة المتجددة في سلطنة عمان إلى الخدمة.

الجدير بالذكر أن سلطنة عُمان دشنت في عام 2019، مشروع ظفار لطاقة الرياح، ليكون أول مشروع تجاري من نوعه في منطقة الخليج. وتبلغ قدرته نحو 50 ميجاواط، ويوفر نحو 7% من احتياجات المحافظة من الكهرباء.، يتكوّن المشروع من 13 توربينًا، تعمل المحطة على تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بما يقارب 110 آلاف طن سنويًا، فضلًا عن توفير الكهرباء لأكثر من 16 ألف منزل.

وقد حاز مشروع ظفار جائزة أفضل مشروع لطاقة الرياح في آسيا لعام 2019؛ ما يعكس جودة التخطيط والتنفيذ، ويضع نموذجًا يُحتذى به في المشروعات المقبلة؛ وعلى رأسها أول مشروع لتخزين الطاقة المتجددة في سلطنة عمان.

تسعى سلطنة عمان إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وتُعد الإمكانات الطبيعية التي تمتلكها ، من أشعة شمس ساطعة على مدار العام ورياح مستقرة، من العوامل الحاسمة في نجاح تلك الإستراتيجية. كما تُشير تقديرات مجلس طاقة الرياح العالمي إلى أن سلطنة عمان تمتلك قدرات تقنية من الرياح البحرية تصل إلى 61 جيجاواط.

إجمالاً يمكن القول.. أن التزامن بين اقتراب موعد الإعلان الرسمي عن أول مشروع لتخزين الطاقة المتجددة في سلطنة عمان، وبين الخطط الاستراتيجية لجعل محطة رأس مركز، مركزًا عالميًا للوجستيات الطاقة، تُواصل عُمان مساعيها للتحول من مستهلك للطاقات التقليدية إلى مركز إقليمي وعالمي للطاقة ولتقنيات الطاقة النظيفة.

ولا شك أنه بالتكامل بين مشروعات لوجستيات الطاقة، والطاقة المتجددة، الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر، تُرسّخ سلطنة عمان موقعها بصفتها مركزًا إقليميًا ناشئًا لتقنيات الطاقة المستقبلية، بما يعزز من مكانتها الاقتصادية والبيئية على المستويين الإقليمي والعالمي.