بالسخافة والجمود قال ها قد وصلت وأتى موعد نهاية الرحلة.. أجابه أما للرفقة من أبدية؟!.. ألم تواعد قلبى المتيم؟!.. أجاب إنها الأيام وكل مؤقت.. قال ألم أحملك حمل الوداعة والأمانة موطنا؟!.. قال أنت الأجير كيف بزيف الود تخدع؟!.. قال نلت منى مطمعا والآن بالغدر أحرق!.. قال لا سرمدية لمسير.. ولا حتمية لدوام الرفقة.. حكم الفراق لكل مؤقت.. كنت الونيس دون الوليف وسط الزحام وما عاد بعد الوصول موطنا!.. قال كيف لك بالجنوح أكان بيننا غير وجهة الوصول وقد كانت وأتممت؟!.. قال بل خسة الوصول لأمان بمكر الود!.. يا ناكر الود ألا من كلمة الشكر الواجبة!.. قال قد كانت غفوة استيقظ وإليك الأجرة برحيل وداع لغريب غير واجب.
فى مسارات الحياة تتداخل الأمور فنتواطأ ليحمل غيرنا همومنا ويحيا مشاكلنا.. نخون رفقة الطريق.. بعدما ذابت علاقات الملكية بين الأطراف كما ذابت فوارق أخرى من أجل استكمال مشهد الاستغلال والتآلف والاندماج!.. ربما ننسى ونتغابى ونتوهم!.. فيصير الأمر معه من المسلمات، وفى لحظة وضحاها تنكشف حقيقة الأمر.
وينفلت أحدهما من الآخر رغم مشاركته كل الآلام والأحلام والأسرار والخصوصية!.. بعدما كان المخدوع بأحزان وخيبات وهموم غيره.. ربما بقناعات الحب والتضحية غير المجدية!. فوصل غيره لبر الأمان وبات عليه الرجوع وحيدا خالى الوفاض!.. وتتساءل لما التيه طالما أنه مالك السيارة ومنْ يجيد السير على الطريق؟!.. العودة لنقطة الصفر صارت غير ممكنة.. أو قد يكون المتبقى قليلا أو معدوم الفرص؟!.. أو بات الأمل فى جنى الثمار قليلا؟!.. لماذا أليس المعتاد علىّ التوصيل لمئات الرحلات والبديهى أنه اعتاد الفراق؟!.. لا لم يكن يعلم أن تلك وظيفته بل اكتشفها فى نهاية الرحلة!.. فصارت بعدها وظيفته المؤلمة.. ومع كل رحلة يتخيل أنها الفرصة التى يتنظرها!. مواصلا بين المسارات.. يتعبه السفر وكثرة الرحلات.. ورغم علمه أنه ربما فاته الطريق أو الوصول الأمثل أو الحقيقى.. لكنه ينتظر دائما راكبا يحقق معه طموحاته وآماله وينسى وظيفته أنه المؤقت الذى يستغله غيره.. ربما يُصاب بالإخفاق ولا يجدى ارتقابه وترقبه لأنه ينسى نظرة الآخرين له.. والحقيقة أنه صار يخشى يوم هلاك مركبته وإكمال طريقه وحيدا دون رفقة!.
معذب يدفعه تفكيره وآماله الأكبر من الواقع مرددا كان يجب ألا أضحى بشىء لأنعم بالحياة.. ممتلكا حريتى فمنْ يفقدها أو يمنحها لغيره محروم من الحياة؟!.. ولا نغفل نماذج من الفطنة ما تعلم موضعها من الرحلة.. دون عاطفة.. حاسمة.. حازمة لا تستجيب لدواعى الاحتياج مهما وصفت بالعجز والغرور.. حريصة على كيانها.. تذهب وتعود دون خلط للأوراق.
أمارات العيش تبعث بنا لسلسلة من الانتقالات.. بعضها عبثى نترك للطريق سحبنا والآخر ما نعلق عليه الآمال لنصير أكثر إسعادا وهو الأكثر إيلاما؟!.. فما يحمل سقف طموحات يخاب ظنه؟!.. ننحرف وننجر أو نذهب دون رجعة حتى ولو كنا نعرف العنوان جيدا؟!.. فالإنسان لا يريد أن يكون فى حالات ذهاب دائم.. يذهب ليعود لوطنه وبمعنى آخر موطنه القديم .
نهوى تلك التى تكون برفقة ولا نعتد بغيرها.. وقد يمنح الحظ منْ تطيب معه الحياة وتزدهر بالقرب من محبيه.. فى مسافات تطول وتقصر ومعها قد تتحول المركبة لسفينة فضاء تحلق براكبيها لأعالى السحاب.. ونندفع متعلقين بالصدفة بإلقاء المقادير بغريب نقطع معه الرحلة.. ربما دفعتنا الوحدة واليأس بلسان حال لعلها ما تكمن بها النجاة؟!.
واهمون فى تعلقنا بالرفقة.. نئن من سطوة وجبروت من يعتلينا بأطماعه حتى ولو كنا المقدمين عن طيب خاطر.. قد يكون الراكب من الخبث ما يختار السائق بعناية.. يظهر الإخلاص ليسير فى طريق أحلامه.. وسط الزحام يرضى القهر والتأرجح فى العلاقة.. فالقيادة تحت أمر الراكب مهنة لا تصلح لكل البشر.. البعض يفعلها والآخر يفضل أن يكون الراكب.. والبعض قد يجمع ببن الاثنين.. فى تداخل المصالح والمنافع ترى اختلاف المواضع.. وفى بعض آخر لا يحظى بأى ركوب مريح محشورا فى حافلة تكتظ بالركاب يناله ما يناله من فرط التدافع والتزاحم لحياة جموع يغلب عليها السالب فى مجملها.. أو يحكم عليه بالسير ومشقته أو بوسيلة بدائية تعجزه عن الوصول لأماكن كثيرة بمواقيت منضبطة.. أو بعض ممن ينعم عليهم بتلك الفارهة أو حتى الطائرات.. وإذا كانت الوسيلة تمنح الراحة فالرفقة جزء منها.
قد نألف الطريق فالأماكن متشابهة وإن اختلفت وجوه البشر وتشابهت الطباع.. يتكرر المرور وتصير جزءا من كياننا.. فهى ما شهدت أجمل وأسوأ أيام عمرنا.. وصرنا معها أضعف ما فى الحكايات.. وصارت أقوى الحقائق رغم تغير حالها للأسوأ.. فالتغير يكون للأسوأ دائما كأعمار الإنسان.. كل يرد لأرذل العمر بضعف منكر.. ويصير الكل فى تعجل رحيل منْ عاشروهم وتكبدوا أعمارهم مرورا.. بلا وفاء لأى مار.. فلا رحيل إلا بإذن.. مهما حملت نفسك من ثقل وإرغام غير عابئة بعجز أو نهاية محزنة.. فدائما تعلن النهاية فى غير موعدها.
جميعنا فى تدافع خارج ذواتتا لتحقيق وجودنا الحقيقى.. الذى لا يتحقق بمكوث الإنسان فى مكانه.. وإن كان يحدث بعض الوقت لاستراحة أو التقاط الأنفاس.. أما الدواعى التى تقعده عن الحراك مجبرا تدفع به للاكتئاب لافتقاره الحضور فى سلاسل التواصل.
نندفع فى سرعات مختلفة فيما يحتم علينا وما يحجب عنا.. قد تصل للتهور أو البطء كل حسب الحالة النفسية والنضج والمرحلة العمرية.. سواء داخل أفلاكنا أو خارجها.. وبتقدم الإنسان فى العمر تقل حركته وقدرته على القيادة والمزاحمة ويجبر على الوداع والرحيل.
نجوب المسافات طولا وعرضا.. جيئة وذهابا.. نظن أن كثرة المرور جعلت منا أناسا يملكون مفاتيح الحذر والحيطة.. وتخلق فينا المهارة وننسى أن على الطريق معنا وحولنا من يخرجون عن سيطرتنا وتجعل مهمتنا صعبة بل مستحيلة فى صد شرورهم.. وكأننا فى قوالب أحكمت علينا بمفاتيح لا نملكها.. قد تكون معدة لنا مسبقا.. قد يدفعنا غباؤنا منح هذه المفاتيح لغيرنا.. فندفع فى متاهة لنا ووصول آمن لهم.. وسط الفخاخ نسير نفلت من بعض ونسقط فى غيرها.. ويمرون علينا دون رحمة تمتلكهم متعة المشاهدة فى رؤية ما أصابنا وكسرنا؟!.
ورغم حلكة المشهد قد يتحرك المارة لإنقاذنا دون رفقاء الطريق.. يتحرك غريب وجد أمامه ضحية من نوع معتاد.. فالحوادث أنواع معتادة على السمع والبصر.. غدت أمرا طبيعيا.. كل يوم ميت؟!.. كل يوم مصاب؟!.. فى أحداث مثيرة وتتبع ومشاهدة وترندات؟!.. بطريقة ما نقتل؟!.. بطريقة ما نفشل فى إنقاذ غيرنا؟!.. المهم يستمر الطريق مفتوحا للعبور ولا يتوقف عن مرور السيارات والعابرين.. فالمرور هو الهدف مهما كانت الوسيلة من خداع أو زيف أو حتى مشروعية؟!.. نتعاطف مع الأهوال بعض الوقت.. ومنا منْ يحمل شماتة وحسدا!.. الطريق مفتوح والنفوس والعقول يحكمها هوس المطامع والخطأ الذى غالبا يترك الأثر حتى بعد محاولات الإصلاح.. فكل مصاب يصير معيبا يقل سعره فى الأسواق.
تقولون أفرطتِ فى الحديث عن حالة السائق والرفقة والطريق.. كلا إنها توطئة وصفية لبيئة وواقع نحياه.. وما به من حكايات تزعجنا وتطمئننا.. مجرد استعارات مكانية واستدلالات توشى بشىء ما نعيشه من شقاءات وهناءات.. برمزية الأشياء ومفاهيم لحياتنا العادية المملة وإن شابها بعض الشذوذ ما يخلق معها التشويق والألم.
بشر يحييون فى جولات يتوالى معها التعب والجهد والشقاء.. فى مركبات ليست فى حد ذاتها الفاعلة بل تبقى مشروعا لسائق وراكب يتم فى إنجاز وفعل.. ينطلق من ذوات لذوات والعكس موجود بالتفاعل مع فرضية الصحبة.
كل محبوس داخل ذاته يفكر طوال الطريق فى نفسه.. وماذا سيصير له ويحرص بشدة على الوصول الآمن رغم أنه لا يتحقق دون أن يخرج من ذاتيته بالاكتمال مع فعل غيره.. لكننا نفعلها بخسة ولصوصية.. نسلب غيرنا لنكمل نواقصنا دون كلمة شكر واجبة ولو حتى كجزء من الخدمة.
فى معادلة التجاذب والعطاء والرحيل بملل أو غضب أو فجأة.. نحيا الاضطرار دون الاختيار.. مكرسون للاستسلام.. لا ننفك عن المضى قدما فى طريق الحياة.. نزهة.. عمل أو أى هدف.. ففكرة التحرك نحو معطى خارجى صيغة من صيغ الاستمرار فى مواصلة الحياة.
أحيانا يكون الطريق ما نسير عليه وأحيانا يكون الأشخاص هم الطريق الذى نرتاده لنصل لطرقنا.. هنا وهنا.. قادم.. ذاهب.. شوارع تكتظ بالناس لا تتوقف.. فى علة ونقص.. رغم الوجهة المحددة لحظة الخروج لكننا المنتظرون على قارعة الأمل.. لا شىء مضمون.. نتسابق ونركض ونسكن ونعبر ونعلق ونبعد وننتظر ونعود ويشق علينا الفهم ونزداد شكوكا.. وندرك ونوقظ ونتبع الحدس ونكذبه.. نقتفى أثرا ونمتلك حيلة وكذبا وصدقا!.. علينا أن نصل!.. بل على استعداد دائم للوصول رغم خطأ العنوان!.
مشغولون طوال الوقت.. فى ركض بمهارات القفز رغم صعوبتها.. نعدّ ونستريح ونعاود ولم يتغير شيء.. فنحن منْ نتغير.. مرهقون فى مخاطرات الحلم بالظفر.. ما يتبدد دون الوصول؟!.. الظفر؟!.. الحلم؟!.. كلاهما؟!.. هالكون مهما كان المسار؟!.. ومهما كان الحذر والتأنى لبلوغ السلامة؟!.. ومهما كان ومهما كان؟!.. مع كل وهم بالطموح؟!.. لا شىء ينال سوى أعمار تتآكل وفشل فى البوصلة والشريك؟!.. مهزومون فى رحلة العمر.. هكذا الكل فى المهمة المستحيلة؟!.