ومنذ بداية هذه الحرب الهمجية ظهر الموقف المصرى واضحاً جلياً.. مطالباً بضرورة تطبيق الشرائع الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية.. وعندما ظهرت تلك الدعاوى المريبة والساذجة.. التى تطالب بترحيل سكان قطاع غزة إلى الدول المجاورة.. وتحديداً إلى مصر والأردن وليبيا.. كان الرفض المصرى حاسماً وقاطعاً.. وغير قابل للنقاش أو المساومة.. مما جعل تلك الدعاوى البائسة تتراجع.. وإن ظلت تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على حالها.. فالرجل لا يخفى مطامعه فى غزة.. ويريد الاستيلاء عليها.. وتحويلها إلى منتجع سياحى عالمى.. وفى مؤتمر القمة العربية الأخير والذى عقد فى بغداد.. كان الموقف المصرى أكثر وضوحاً.. من خلال كلمة الرئيس السيسى.. التى أكد فيها على أنه (حتى لو قامت كل الدول العربية بالتطبيع مع الكيان المحتل.. فإن السلام العادل والشامل والدائم لن يتحقق إلا بوجود الدولة الفلسطينية).
وهذا الموقف المصرى الصلب والثابت.. يحتاج إلى دعم عربى واضح ليكون أكثر قوة وتأثيراً.. لكى يتم الحصول على الحقوق الفلسطينية كاملة.
أما الغضب الأوربى فقد راح يتصاعد خلال الأسابيع الماضية.. وذلك لعدة أسباب أهمها.. تصاعد عنف قوات الاحتلال ضد المدنيين فى قطاع غزة.. ومنع دخول المساعدات.. ورفض سلطات الاحتلال الاستماع لأى حلول تطرحها الدول الغربية.. وقد تركز الغضب الأوربى فى موقف إسبانى شديد الاحترام منذ بداية العدوان.. حيث رفض كل الممارسات الصهيونية.. وتأييد مطلق للحق الفلسطينى.. وجاء بعد ذلك الوعد الفرنسى بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.. والمفترض أن يتحول هذا الوعد إلى واقع خلال الأيام القادمة.. وفى المقابل بدأت التصريحات الألمانية تلقى باللوم على القوة الغاشمة للاحتلال.. وتطالب بوقف المذابح ضد المدنيين العُزل فى غزة.. ومن المعروف أن ألمانيا ظلت منذ الحرب العالمية الثانية.. وحتى استفحال العدوان على غزة، أسيرة للابتزاز الصهيونى.. الذى يمارس ضغوطات هائلة على الألمان.. نتيجة المزاعم التى تتردد عن اضطهاد اليهود فى أوربا.. وحتى لو كان هذا صحيحاً.. فإن الاضطهاد الذى يمارس ضد الفلسطينيين عشرات الأضعاف مما فعله هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية.
وبعد ألمانيا ظهر الغضب فى إنجلترا.. تلك الدولة التى صنعت مأساة فلسطين بمؤتمر لندن 1917.. ثم بوعد بلفور عام 1917.. ثم بالانتداب على فلسطين.. ثم قرار التقسيم 1947.. وأخيراً بتمكين العصابات الصهيونية من السيطرة على غالبية الأرض الفلسطينية فى مايو 1948.. وقد استفاقت إنجلترا مؤخراً.. واستدعت سفير الكيان المحتل فى لندن وأبدت اعتراضها ورفضها لما يحدث فى غزة.. وفى إيطاليا قام البرلمان الإيطالى بتعنيف رئيسة الوزراء.. لأنها لم ترفض صراحة ما يفعله الكيان المحتل ضد المدنيين فى قطاع غزة.. وهناك أسباب أخرى للغضب الأوربى.. أهمها خروج أمريكا من معادلة الحرب الروسية الأوكرانية.. وترك الأوربيين يتحملون وحدهم أعباء وخسائر تلك الحرب.. التى أشعلتها سياسات الرئيس الأمريكى السابق جو بايدن.
وإذا كان الغضب الأوربى.. قد راح يبدو واضحاً جلياً.. فى تصريحات المسئولين بكثير من العواصم الأوربية.. فإن ذلك الغضب أكثر وضوحاً وجلاءً فى الشارع الأوربى.. حيث لم تتوقف المظاهرات الشعبية الحاشدة.. منذ بداية العدوان على غزة.. فى محاولة لكسر ذلك الحصار البغيض.. وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المحاصرين فى قطاع غزة.
ومن الغضب الأوربى ننتقل إلى العتب الأمريكى.. فرغم أن الولايات المتحدة الأمريكية والكيان المحتل.. مثل التوأم السيامى.. الذى لا ينفصل إلا بالموت.. إلا أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.. يتصرف دوماً بعقلية رجل الأعمال.. ويبحث عن المكاسب والأرباح.. لذلك اتخذ الكثير من الخطوات.. التى تؤكد على أنه غير راضٍ عن تصرفات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو.. فتفاوض بشكل مباشر مع المقاومة الفلسطينية.. ونجح فى الإفراج عن الأسير الأمريكى.. كما تفاوض مع إيران عبر عمان كوسيط فى تلك المفاوضات.. وتم استكمال المفاوضات فى إيطاليا.. كما يسعى ترامب عبر وسيطه فى المنطقة ستيف ويتكوف.. إلى عقد هدنة جديدة بين فصائل المقاومة والكيان المحتل.. وتؤكد الأخبار المسربة عن ذلك الاتفاق.. أن تلك الهدنة سوف تستمر لمدة شهرين.. يتم خلالها وقف العدوان على غزة.. فى مقابل الإفراج عن عشرة من الأسرى الأحياء.. وتقديم معلومات عن ثماني عشرة جثة.. وينص هذا الاتفاق الجديد على دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.. وتوزيعها من خلال الأمم المتحدة والهلال الأحمر.. ويسعى ترامب إلى تحويل تلك الهدنة إلى اتفاق دائم لوقف العدوان على غزة.. وكل هذه الخطوات الأمريكية تندرج تحت لافتة (العتاب الحنين).. لأن أمريكا تستطيع – لو أرادت – أن توقف هذا العدوان وفوراً.. خاصة وأن رئيس وزراء الاحتلال.. يسعى وبقوة إلى توريط الولايات المتحدة الأمريكية فى حرب إقليمية كبيرة.. حيث لم يتوقف عن تصريحاته التى تؤكد تصميمه على استهداف البرنامج النووى الإيرانى.. بضربة قوية ومدمرة.. وإذا ما تم تنفيذ هذا السيناريو المجنون.. فإن المصالح الأمريكية فى المنطقة العربية.. ستكون ضمن الاستهدافات الإيرانية.. وفى مقدمة هذه الأهداف آلاف الجنود الموجودين فى القواعد الأمريكية بمنطقة الخليج.. وإذا كان الرئيس الأمريكى يسعى من خلال الوساطة العمانية.. إلى الوصول إلى تفاهمات كبيرة ومهمة مع الدولة الإيرانية.. فإن مثل تلك التصرفات الحمقاء من نتنياهو.. سوف تعمل على إفساد كل شىء.. ووضع المنطقة كلها على حافة الهاوية.. ولذلك فإن رئيس وزراء الاحتلال .. لم يتوقف عن سيناريوهاته المدمرة.. طالما ظل الرفض الأمريكى فى إطار (العتاب الحنين).. ومن المؤكد أن الأمر يحتاج إلى موقف أمريكى حاسم.. بحتمية وقف هذا العدوان البربرى.. الذى ومنذ بدايته يؤكد على أن أمريكا.. ليست مجرد داعم لجيش الاحتلال.. ولكنها شريك فاعل فى هذا العدوان.. وعليها أن تفض هذه الشراكة.. وأن تستثمر الغضب الأوربى.. والموقف المصرى الثابت.. لكى تصنع رأياً عالمياً موسعاً.. يؤدى إلى إلزام الكيان المحتل.. ليس بوقف العدوان فقط.. ولكن بتطبيق كل الشرائع والقوانين الدولية.. التى تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة.. وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية حريصة على مصالحها فى المنطقة.. فلا بد وأن تنهى انحيازها السافر لكل سياسات الكيان المحتل.. لأن استمرار هذا العدوان البغيض.. وبهذه الكيفية البربرية.. يمكن أن تؤدى إلى غضبة شعبية عارمة.. ليست فى المنطقة العربية فقط.. ولكن فى كثير من دول العالم.. مما سيؤدى حتماً إلى تهديد المصالح الغربية فى كل العالم.. وعلى الغرب أن يضغط وبقوة.. لإنهاء ممارسات الاحتلال فى فلسطين.. وعلى كل المؤسسات الدولية أن تسعى إلى تنفيذ مقرراتها.. التى صدرت عبر سنوات طويلة.. والتى تؤكد على الحق الفلسطينى.. ذلك الحق الذى لن يتحقق إلا بوجود الدولة الفلسطينية.. تلك الدولة التى تحتاج إلى ما هو أكبر من الغضب الأوربى.. والعتاب الأمريكى شديد الحنية.