الإثنين 29 ابريل 2024

في ذكراه ال٥٠ تفاصيل الساعات الأخيرة فى حياة إسماعيل ياسين

اسماعيل يس

5-6-2022 | 07:46

طاهر البهي

 

تواكب يوم 24 مايو الماضى ـ الذكرى الخمسون لوفاة أحد عمالقة الكوميديا المصرية وهو رقم دائرى يستحق الاهتمام، أبو ضحكة جنان «سمعة» الفنان الجميل إسماعيل ياسين الذى كانت حياته مليئة بالضحكات والدموع، وأيضا بالشائعات المرة، نتناول هنا بعضا من سيرته التى تهم الكثير من محبيه؛ وبصفة خاصة الدموع التى سالت منه على طريق الفن، وأيضا الساعات الأخيرة من حياته قبل رحيله تاركا لنا إرثا فنيا لا نظير له.

تختلط الضحكات بالمأساة دائما فى حياة نجوم الكوميديا، وهى تحتاج إلى  دراسة أكثر عمقا من المتخصصين، وفى حياة عملاق الكوميديا الراحل إسماعيل ياسين (15سبتمبر 1912 - 24 مايو 1972) الشهير ب «أبو ضحكة جنان»، المأساة غائرة والجروح لم تندمل، من مولده وحتى وفاته والبحث عن مقبرة تحتويه، لا أنكر أننى بكيت أكثر من مرة وأنا أتابع قصة حياته من أقرب المقربين الذين عاشوا إلى جواره، أسعدنى الحظ وتعرفت على ابنه الوحيد ياسين رحمه الله، كما اقتربت من السيدة إيمان والدة صديقنا الشاعر أيمن بهجت قمر، وهى ابنة سمعة بالتبنى، وكاتمة أسراره التى لم تبح إلا بمقدار ضئيل مما تعرفه عن المأساة فى حياة نجم أضحك مصر والعرب ولا يزال يمتعهم بعد رحيله من خلال تراثه الضخم الذى يعد الأكثر إنتاجا فى تاريخ السينما المصرية على الأقل، بعد فقد جانب كبير من إنتاجه المسرحى، إضافة إلى بعض ما سمعته مباشرة من النجم الكبير سمير صبرى.

بكاء فى حضن الأب

نتوقف جميعا جمهورا ونقادا أمام نشاط إسماعيل ياسين الفنى باحترام شديد، حيث لا يخلو بيت عربى من ذكريات مع ضحكات «سمعة»، الذى نجح فى  رسم  الابتسامة على وجوه محبيه فى العالم العربى وخاصة الأطفال وصغار السن، ما زالت أعماله تلقى كثافة فى المشاهدة ممزوجة بالبهجة لدى كل من يشاهدها، لكن الكوميديان الراحل، الذى ارتبطت صورته دوما بالضحكة، وتأتى أول دمعة فى حياته عندما بكى على الهواء فى لقاء إذاعى نادر مع الإعلامى طاهر أبو زيد، عندما تذكر والده؛  حيث روى ياسين لطاهر أبو زيد ظروف نشأته فى مدينة السويس، وقصة هروبه من أسرته إلى القاهرة للالتحاق بمعهد الموسيقى حيث كان يحلم بأن يكون مطربا ينافس الموسيقار محمد عبد الوهاب، قبل أن يفشل فى خططه، وتضيق به الحال بعد تنكر أقاربه له، حكى إسماعيل ياسين أنه كان ينام فى مسجد صغير بحى السيدة زينب ثم طرده القائمون على المسجد، ليقرر النوم بعد ذلك فى جامع آخر يسمى «مراسينا» بنفس الحى الذى يمتاز بكثرة مساجده العامرة؛ يستمر إسماعيل ياسين فى إبكائنا، قائلا: إن إمام هذا المسجد تألم لحاله وعطف عليه واصطحبه إلى منزله، حيث الماء والفرش النظيف، أيضا من أجل أن يغسل له ملابسه التى كانت قد اتسخت بشكل كبير دون وجود ملابس أخرى يستبدلها، ولا تتوقف طيبة هذا الشيخ الجليل عند هذا الحد، بل سأله فى الصباح بعد أن استمع إلى قصته، سأله كم ثمن تذكرة القطار حتى يصل بك إلى مدينة السويس «بلدك»، فأخبره سمعة؛ ليمنحه الشيخ السمح الذى لا تدل حال بيته على كون أن لديه فائضا من المال، فمنحه فى الصباح 35 قرشا ليستقل القطار ويعود لأبيه مرة أخرى حتى يرضى عنه ويعود إلى عمله البسيط لأن مشوار الفن وعر ويحتاج إلى جلد وقوة لا يراها فى جسده النحيل، لم تنته قطرات الدمع فى قصته، ولكنه يستمر فى السرد فى بساطة وصدق وتواضع.. عندما وصل الفنان الراحل لقصة عودته إلى السويس مرة أخرى لم يتمالك نفسه من البكاء، عندما وجد والده الذى كان يملك محل «مجوهرات بسيطا يناسب الطبقات الشعبية»، ولكن بسبب ضيق الحال وهجر ابنه ، أصبح يعمل بجسده الواهن ويده المرتعشة فى محل أصغر بكثير، عندما استوعب ياسين هذا المشهد جيدا، وعندما وجد نفسه وجها لوجه فى مواجهة أبيه.. خر باكيا وقام باحتضانه فى مشهد مبكٍ.

فلاش باك

بات معروفا لجمهوره أن الفنان إسماعيل ياسين المولود فى عام 1912 بدأ حياته صغيرا فى مدينة السويس من خلال إلقاء المونولوجات فى مسرح بديعة مصابنى عندما جاء إلى القاهرة وكله أمل وطموح أن يصبح مطربا بعد أن أقنعه صديق له بأن صوته جميل جدا، والحقيقة أنه بالفعل يمتلك اسماعيل حسا تنغيميا ومعرفة بالمقامات الموسيقية والحرفة اللحنية، ولا يجب أن نأخذ حكاية رغبته فى أن يكون مطربا على محمل الهزل والفكاهة؛ بل هو قريب من خامة صوت المطرب الجميل محمد عبد المطلب وآخرين، بل إنه عمل بالفعل فى بعض الصالات كمونولوجست يغنى ويرتجل، ولكن إرادة الله ومشيئته قدرت له طريقا آخر، عندما مرت الأيام سريعا، ليجد إسماعيل ياسين نفسه وقد أصبح علامة بارزة فى الكوميديا ونجما من نجوم السينما الأعلى تحقيقا لإيرادات الشباك، وليصبح أيضا واحدا من أهم المحطات الفنية فى تاريخ الفن فى مصر، وصاحب أشهر الإيفيهات الكوميدية التى لا تنسى ابنته المجهولة .