الإثنين 25 نوفمبر 2024

الشرقاوى.. فارس المسرح النبيل

6-6-2022 | 09:24

بالقلم الأحمر

بـقلــــــم : عنتر السيد    

جلال الشرقاوى الذى غيّبه الموت عن عمر يناهز 88 عاما ، هو  أحد الرموز الفنية الكبيرة فى الوطن العربى. عمل كأستاذ  كبير بالمعهد العالى للفنون المسرحية لعشرات السنين ،وتخرجت  على يديه أجيال كثيرة من أبرز نجوم الفن، والذى كان حريصا على اختيارهم بنفسه وصقل مواهبهم من خلال الدراسة واحتراف العمل ،فهو أفضل من عمل  كأستاذ ومخرج مسرحى محترف, ولكنه كان يعتبر نفسه ممثلا هاويا رغم نجاحه الكبير فى العديد من الأعمال التى قدمها كممثل.

 كان معنيا دائما بالمسرح السياسى طوال مشواره الفنى، ومنذ أيام مسرحيته الشهيرة  «بشويش» عام 1990 ومنذ حرب الخليج الأولى  تعامل الشرقاوى  مع الأحداث السياسية الساخنة فى مصر والوطن العربى، فقدم مسرحيات «حودة كرامة» و«شباب روش طحن» و«امسك حكومة» و«برهومة واكلاه البارومه»، و«دنيا اراجوزات».

وكان الشرقاوى مهموما بقضايا الأمة العربية أو قضايا مجتمعه المصرى، والذى  عبّر عنها مسرحيا، معتبرا أن ذلك هو دور المسرح الحقيقى، وإن كان المسرح لا يقدم حلولا، إلا أنه يستطيع أن يكشف ويحرض ويدق ناقوس الخطر حول تلك القضايا.

الشرقاوى كان يعتبر الكوميديا ليست كل الألوان المسرحية، لما لها من ألوان كثيرة ومذاهب عدة وأشكال متفرقة. وليست بالضرورة أن تكون المسرحية الفارس أو الفودفيل الكل فى الكل. صحيح أن تلك المسرحيات كانت  رائجة وجماهيرية ويقبل عليها الجمهور، لأنه يريد أن يبتسم ولو للحظة حتى لو كانت تلك الضحكة مؤقتة، ولكن المتابع لمسرح الشرقاوى يرى أن السياسة التى قدمها فى مسرحه هى أيضا كوميديا سياسية تتفجر من خلالها الضحكة والكوميديا السوداء.

المخرج والمنتج المسرحى الكبير خسر ماديا كثيرا بسبب عشقه للمسرح وأكثر مما يتصوره أى إنسان. ولكنه كان دائما مؤمنا برسالته ولم يكن حزينا ولا غاضبا من تلك الخسارة، لأن المسرح كان حياته وكان بمثابة الهواء الذى يتنفسه وكان لا يستطيع العيش بعيدا عن كواليسه ورائحة خشبته ولقاء جمهوره والتردد على مكتبه بالمسرح يوما بعد يوم ،فقد كان يعبر عن رسالته الفنية الحقيقية، ولم يكن يوما خائنا له مهما كانت إغراءات المجالات الفنية الأخرى ،لذا لم يخرج بعيدا عنه إلا فيما ندر من خلال أعمال قليلة قدمها كممثل سينمائى أو تليفزيونى.

 ودائما كان يقول لى: إننى لم أرث شيئا من والدى سوى الشرف والأمانة لأنه ربّانى وأوصلنى إلى أعلى الشهادات الدراسية، وسلّحنى بالأمانة والخلق القويم وبالشرف والنبل، فلم أرث مليما ، ولذا فإن كل ما كسبته من فنى قمت بصرفه مرة أخرى على الفن.

وعند الحديث  عن إحدى مسرحياته الفذة «امسك حكومة»، فإن هذه المسرحية كانت ناجحة على المستويين الفنى والجماهيرى،  وكان فيها نجوم كوميديا مثل صلاح عبد الله وأحمد رزق ووفاء عامر وهند صبرى وعلاء مرسى ومجموعة شباب مسرحية «شباب روش طحن»، والجمهور أقبل عليها، ووجد أن العرض به شىء جميل من حيث النص والإخراج فزاد الإقبال.

وجلال الشرقاوى الأستاذ فى المعهد العالى للفنون المسرحية، والذى تعاقب على يديه العديد من النجوم والمخرجين والأجيال ، كان يرى أنها أهم تجربة فى حياته،  ويؤكد أنه تخرج على يديه الكثير من تلاميذه الذين أصبحوا نجوما فى كل مجالات الفن، بداية من المخرج الكبير سمير العصفورى الذى قام  بالتدريس له وإلى آخر أيام حياته فقد كان أشد الإيمان بتلك الرسالة.

وكان معروفا عن الشرقاوى فارس المسرح النبيل  عزوفه عن الإخراج لمسارح القطاع الخاص الأخرى، إلا أنه أحيانا كان يذهب على استحياء لمسرح الدولة عندما أخرج مسرحيتى «الجنزير»،  و«الخديوى»، وكان ترحيبه بالتعامل مع القطاع العام لأنه يدين له بالفضل، لأنه تخرج فى عباءته، ولابد أن يرد الجميل له   فمسرح الدولة عندما كان يناديه كان يذهب إليه مهرولا.

ومن بين عروض الشرقاوى المتميزة والمهمة، والتى صنعت مسرحا باسمه وشكلت بصمات ومحطات هامة فى حياته والتى تعتبر من أهم ماقدمه المسرح المصرى عموما عروض مثل: «الأحياء المجاورة» و«الزلزال» والتى اعتبرها النقد فى ذلك الوقت ثورة فى التكنيك المسرحى، و«آه يا ليل يا قمر» التى تحدثت عن النكسة، و«بلدى يا بلدى»، و«أنت إللى قتلت الوحش»  و«عفاريت مصر الجديدة»، و«ملك الشحاتين»، و«تمر حنة»  و«المليم بأربعة» و«بشويش» و«عطية الإرهابية« و«ع الرصيف» و«امسك حكومة» و«برهومه واكلاه البارومه»، و«دنيا اراجوزات».

رغم أنه عاش عمرا طويلا مؤمنا برسالته من خلال المسرح ورحل عن عمر يناهز 88 عاما إلا  أنه قال لى ذات مرة : «الفن طويل والحياة قصيرة، ومهما قدمت من أعمال فالفن أعرض مما يمكن أن نتصوره. أنا أحس أنه مازال عقلى ووجدانى ممتلئين بالصور والأشكال والمضامين المسرحية، وأرجو أن استنفد فيما بقى من عمرى فى تحقيق جزء مما هو فى داخلى ، فمهما عشت فلن أستطيع تحقيق كل أحلامى المسرحية».

لقد جمعتنى به لقاءات عديدة وكنت من عشاق فنه ومسرحه ودائم الحضور لأعماله الجديدة ، ولا أنسى دعمه لى ووقفته إلى جانبى فى بهو نقابة الصحفيين عندما كنت مرشحا لعضوية مجلس النقابة  فى انتخابات العام 2007 ،ووقتها منحنى صكا بدخول الصحفى الفنى لعروض مسرحه مجانا ، وأسرته بتخفيض 50 % على الأقل.