لا يختلف اثنان عن دور وتأثير الدراما التليفزيونية على المشاهدين ورجل الشارع العادي سلبا وايجابا، وأعتقد أن الدراما لا تؤثر فقط على ثقافة المشاهد وزيادة معلوماته عن كافة مجالات الحياة، بل تؤثر تأثيراً مباشراً وغير مباشر على سلوكيات أفراد المجتمع، ووصل تأثير الدراما التلفزيونية التى تقتحم البيوت وتجذب المشاهد بما لها من عناصر جذب وتشويق ومتعة واستمتاع، خاصة في فترتي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي في تحديد أسماء الاطفال، فأذكر في بعض القرى والمراكز فى بعض المحافظات كانت السيدات الحوامل يطلقن على ابنائهن سواء كانوا ذكورا أو إناثا أسماء أبطال وبطلات المسلسل التليفزيوني، وكن حريصات على متابعة التسلسل الدرامي والصراع الدرامي بشكل يومي تطلعا الى ما تؤول إليه الاحداث، وكيفية تعامل الممثل معها وأعتقد كان يصل ذلك لدرجة التوحد .
ولقد تنبه المسؤولون عن صناعة الدراما وتأثيرها على الجمهور خاصة في المواقف والأحداث الوطنية، ففي الخمسينيات والستينيات كانت هناك رهبه من التجنيد في القوات المسلحة فجاء الفنان اسماعيل ياسين والذي .. نجم الكوميديا آنذاك وقدم مجموعة من الأفلام السينمائية جعلت المشاهد يتمنى أن يؤدي الخدمة العسكرية مثل فيلم، اسماعيل ياسين في الاسطول واسماعيل ياسين في الجيش واسماعيل ياسين في الطيران ..الخ، وللحقيقة قامت السينما بدورها كما ينبغي في زيادة الوعي والثقافة والوعي الوطني عند الجمهور المصري والعربي، ولكن يظل للدراما التليفزيونية نصيب الأسد والدور الاكبر في تشكيل هذا الوعي لما تتميز به من مزايا تفتقدها الشاشة الكبيرة، حيث تحمل مشقة الخروج من المنزل أو تكاليف ثمن التذاكر، أما الدراما التليفزيونية فتأتيك في بيتك وأنت على سريرك تحتسى مشروبك المفضل بدون تكاليف مادية أو مشقة طرق ومواصلات، وأعتقد أن العصر الذهبي للدراما التليفزيونية المصرية كان في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، ومازالت الاعمال التى قدمت فى هذه الفترة محفورة في وجدان وعقل كل انسان مصري وعربي، فمن ينسى المال والبنون بأجزائه المختلفة وعبقرية مخرجه مجدي أبو عميرة وطاقم الممثلين و كم الرسائل والقيم الاجتماعية النبيلة التى تضمنتها أحداث العمل، كالقناعة وحب الغير والترابط الاسري وتغليب المعنويات والقيم على الماديات والجشع والطمع وأيضاً الوجبة الدسمة التى قدمها العبقري أسامة أنور عكاشة في كل أعماله مثل، ملحمة ليالي الحلمية وزيزينيا والرايا البيضا والشهد والدموع وضمير أبله حكمت، وهذا الأخير قدم المعلم في انقى وأجمل صورة وكيف يكون مربي فاضل لكل الاجيال، حيث جسدتها بعبقرية الراحلة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامه.. وعشرات وعشرات الأعمال الدرامية التى اشبعت المشاهد بكل ما هو راق قولا وفعلا وسلوكا .
والسؤال الذي يفرض نفسه _وبقوة_ كيف تعود الدراما إلى عصرها الذهبي ونجد أعمالا درامية لا تقل نجاحا فنيا وجماهيريا عن مثل هذه البصمات المضيئة في تاريخنا الدرامى خاصة أننا نمتلك كل الأدوات والامكانيات التى تصنع ذلك سواء في التأليف أو الإخراج أو التمثيل، فمصرنا الحبيبة دائما وأبدا بها كل المواهب والامكانيات في كل المجالات التى تعيد للمشاهد ترسيخ القيم والمبادئ والاخلاق المصرية الشرقية الاصيلة في ظل طغيان السوشيال ميديا وفوضى الشبكة العنكبوتية.. و هو ما لاحظناه فى دراما رمضان فى هذا العام و بخاصة الدراما الوطنية .