لا شك فى أن حليم الذى أحب أكثر من مرة .. لكنه كان صادقا بعدد شعر رأسه، فقد كان يغرد ويعزف على أوتار قلبه ومشاعره المعذبة .. والمتتبع لمسيرته فى هذا الخط العاطفى يؤكد أن حليم لم يتوقف قلبه قط عن النبض بقصص الحب والغرام الملتهبة والتى تركت جروحا غائرة فى قلبه مازلنا نبحث وننقب عنها ونكشفها للقراء فى جولتنا التالية.
عائلة أرستقراطية
كانت تلك الفتاة جميلة جدا ورقيقة جدا وتنتمى إلى عائلة كبيرة تقدس التقاليد الأرستقراطية وتبحث عن الشاب الذى يناسب جوهرتهم الغالية وقد اختاروا لها ابن عمها وتمت الخطبة ولكن انتهت بالانفصال .. إلا أن جدها الباشا كان يرى أنه لاحب فى زواج أبناء الأسر الكريمة أبناء الباشوات الاورستقراط .. إن الزواج يتم بالاختيار فقط .. لكن الجوهرة التى كانت تسمى جيهان او ديدى كانت تحب بكل ما فى قلبها من حب وبكل ما فى كيانها من مشاعر .. أحبت الفتى الأسمر النحيل.. صاحب الصوت الدافىء والمشاعر المتدفقة الذى صعد نجمه وتألق وأصبح ملء الأبصار والأسماع والقلوب .. وأدرك بذكائه الفطرى أن حبه لن يعيش تحت الأضواء فالحب كالشمعة التى لا تضىء تحت تيارات الهواء إنما تحتاج إلى دفء الأماكن المغلقة لكى ينتشر ضوءُها ويبدد ظلام الليل .. فصمت حليم وعاش مشاعره بمفرده ولم يشرك معه إلا قلبه الذى كان يملؤه الأمل فى استمرار هذا الحب .
وكأى قصة حب لابد أن تتوج فى النهاية بالزواج وما كان من العندليب إلا أن يتقدم لأهل هذه الفتاة التى استطاعت أن تقتحم قلبه وتسكن فيه وما إن طرق باب بيت الحبيبة طالبا خطبتها فوقف ستار حديد بينهما .. اسم العائلة الكبيرة التى رفضت وأصرت على الرفض ولم يعترف الأهل بعمق ما بين الحبيبين بل اعتبروا علاقتهما مجرد نزوة وطيش شباب سوف تنتهى بمرور الوقت ووصف حليم بأنه مجرد مغن. وفجأة يداهمها مرض خبيث فتستسلم له بكل قوتها .. لم يكن لديها الرغبة فى الحياة التى حرمتها ممن تحب ولم تعد تشعر إلا بالألم سواء فى جسدها أو قلبها أو روحها ويتمكن المرض من الكيان الرقيق فيحطم أواصر صلته بالحياة شيئا فشيئا .. إلى أن تموت الحبيبة فى أواخر العشرينيات من عمرها وتتزلزل الدنيا تحت أقدام الحبيب.
قصة ليلى
وقصة العندليب مع ليلى هى قصة قريبة الشبه بحكايته مع ديدى وإذا كان الكثير يعتقدون أنها قصة مختلفة إلا أننى أرى فى هذه القصة أنها حكِيت بطريقة أخرى لقصة ديدى ... فماذا تقول أحداث تلك القصة :
كان اسمها ليلى وكان قد التقاها العندليب لأول مرة أمام محلات «هارود» التى يمتلكها الملياردير المصرى محمد الفايد فى لندن آنذاك ،وهناك أمام تلك المحلات وقع بصره عليها للمرة الأولى وهى فتاة مصرية ويقسم حليم انه لم ير فى حياته عيونا بهذا الجمال لدرجة انه لم يستطع تحديد لونها .. هل هما رماديتان أم زرقاوان . فوصفهما بأنهما عينان ملونتان بالبهجة والأسى .
وشعر حليم برغبة ملحة بأن يظل بصره معلقا بهذه العيون الساحرة ومدت يدها بالسلام وقالت له إنها جارته فى عمارة العجوزة بشارع النيل وفرح العندليب فرحة غامرة لأن معنى ذلك هو أن يلتق بها مرة أخرى فى القاهرة ويقال إن هذه السيدة طُلقت من زوجها بسبب غيرته الشديدة عليها وكثرة ترديدها اسم عبد الحليم وكاد العندليب يتزوجها بالفعل لولا إصابة هذه السيدة الفاتنة بفيروس قاتل فى المخ ولاحظ أصدقاء العندليب أنه أصبح يكثر من زيارة أضرحة الأولياء للدعاء لمحبوبته .
لغة العيون
إن قصة تلك الفتاة التى كانت تعتمد على العيون والتى رويناها آنفا ، وهى قصة «ليلى» قريبة أيضا من قصة أخرى يرويها الكاتب الكبير مصطفى أمين إذ يقول فى كتابه «شخصيات لا تنسى»: ذهبت لأسمعه فى سينما ريفولى وبالطبع يقصد حليم وجلست فى الصف الثالث وتصادف أن جلست بجانبى فتاة رائعة الجمال عيناها واسعتان جذابتان وفمها رقيق وشفتاها غليظتان وقوامها فتان وكان يجلس بجوارها بعض قريباتها وبدا عبد الحليم يغنى أغنية «بتلومومنى ليه.. لو شفتم عينيه.. حلوين قد إيه» ولاحظت أن عبد الحليم على المسرح كان يرسل نظراته وهو يغنى إلى تلك الفتاة التى تجلس إلى جانبى ثم لاحظت أن عينى الفتاة تتكلمان وتردان عليه وتناجيانه وتناغيانه وتقّبلانه وتعانقانه .
ويستطرد مصطفى أمين قائلا: لم أر فى حياتى عينين بهذا السحر والجمال وفهمت أن أغنية «بتلومونى ليه» موجهة فى كل كلمة إلى هذه الفتاه التى لم أكن أعرف اسمها والتى أصبحت حب عبد الحليم الكبير .
وعن هذه الفتاة قال حليم ذات يوم : إن وجهها يعطينى الأمان بما فيه من طيبة وبراعة وجلال .. والساعة التى أنفرد فيها بها أشعر أننى أقوى رجل فى الدنيا .
لكن عزيزى القارىء ألا تصارحنى وتتفق معى فى أن هذه القصة أيضا هى نفس قصة «ديدى» ابنة الباشوات والتى انكسر قلب حليم عليها عندما رفض طلبه بالزواج منها .. إننى أظن ذلك وأظنك تتفق معى .
فتاة الشرقية
وقصة حب أخرى فى حياة العندليب كانت بطلتها كما أطلق عليها حليم اسم «طاطا» واسمها الحقيقى فاطمة واسم الدلع بطة وكاد حليم يتزوج هذه الفتاة بالفعل وهو فى بداية حياته وقبل أن يلمع اسمه فى سماء الشهرة والنجومية وكانت هذه الفتاة من قرية «هربيط» إحدى قرى مركز أبو كبير التابع لمحافظة الشرقية وقد كان والدها يعمل مديرا لتفتيش الرى فى دائرة الأمير محمد على توفيق وهو شقيق الملك فؤاد وكان العندليب فى تلك الفترة يعمل مدرسا للموسيقى ولكن سرعان ما حقق الشهرة والنجومية كمطرب ونجم سينمائى فتخلى عن حلمه بتكوين أسرة وبدأت طموحاته تتركز على الفن وتأكيد اسمه ونجوميته وكانت «طاطا» سيدة محترمة تعيش مع زوجها وأولادها فى إحدى قرى محافظة الشرقية فيما بعد .. لقد كانت تعيش مع خالتها وهى طفلة صغيرة وهذه الخالة هى التى قامت بخطبتها إلى العندليب .. وعندما جاء حليم للقاهرة لم ينس طاطا بل طلب منها الحضور إلى القاهرة لتشاركه فى فيلم «أيامنا الحلوة» ولكنها اعتذرت ولم تأت لأنها كانت قد تزوجت واستقرت فى حياتها الأسرية ولكنها مع احترامها الشديد للعندليب إلا أنها صدمت عند رحيله وانهارت وأصيبت بصدمة عصبية ودخلت على أثرها غرفة العناية المركزة .
فتاة العجمى
وعن قصة حليم مع فتاة العجمى الشهيرة فان تلك الفتاة التى التقاها فى منطقة العجمى بالإسكندرية حيث كان حليم يمتلك فيللا فى هذه المنطقة مازالت قائمة وموجودة حتى اليوم .. ولكن عند آخر حفل ربيع غنى فيه حليم سافر إلى العجمى ليلقى بكل معاناته ومتاعبه فى رمالها ومياه بحرها ومع دفء العاطفة الجديدة التى ربطته بحبيبته الجديدة ـ فتاة العجمى ـ التى كان حبه لها بمثابة الغريق الذى يتعلق بفرع شجرة ويحاول أن يسبح معها لبر الأمان وعندما روى العندليب لفتاة العجمى كلمات مرسى جميل عزيز «من غير ليه» تسأله الحبيبة: ليه كل هذا الأسى يا حليم .. وتبكى فتاة العجمى .. فيسألها حليم : لماذا تبكى ؟ فترد بتأثر شديد : يا رتنى ما كنت عرفتك ولا قابلتك .. أنا خايفة يا حليم من رحلة العلاج هذه المرة.. يقول العندليب: بعد أن أنتهى من حكاية النزيف وأحقن المرىء سوف أعلن قصة حبنا وبعد ذلك كل الأشياء التى كنت تخافين منها ستصبح وهمًا ،لأن قصة حبنا سوف ترى النور: وقال لها حليم: لا قبل منك قابلت قلب أرق من قلبك نادانى .. ولا بعد منك شغلنى شيء فى الدنيا عنك ولا ثوانى «وسافر العندليب ولكنه عاد مهزوما مكسور الوجدان وعرف بعد رحيل العمر أنه كان يطارد خيط دخان .
فتاة سعودية
أما قصة الحب التى كان حسن إمام عمر شاهدا عليها فى أيام حليم الأخيرة فهى تلك التى كانت طرفها فتاة سعودية .. لقد كانت تلك القصة قد بدأت تطفو على السطح فى منتصف مارس من العام 1977 أى قبل رحيل حليم بخمسة عشر يوما وكان حليم فى مستشفى كنجز كوليج، ويروى حسن إمام عمر تلك القصة ويقول كنت مع حليم لا أفارقه من التاسعة صباحا وحتى الحادية عشرة مساء، وخلال وجودى معه فى المستشفى كان حليم فى لحظات صحوه يحدثنى عن الماضى والحاضر والمستقبل، وذات يوم فاجأنى بقوله إنه قرر الزواج وروى لى قصة حبه الجديدة لفتاة سعودية من أسرة متوسطة الحال وروى لى كيف أحبها من أول لقاء وأنها تتصل به يوميا للاطمئنان عليه وقد استمع حسن إمام عمر إلى جانب من تلك المكالمات فى لحظات الألم المبرحة التى كانت تهاجم حليم كما لاحظ وجه التغيّر أحيانا على حليم وأكد له حليم انه سيتزوج تلك الفتاة إذا أنعم الله عليه بالشفاء .. بل إنه اتصل حليم بشقيقه محمد شبانة بالقاهرة ليجرى عملية تجديد فى شقته بالزمالك استعدادًا لهذا الحدث السعيد وفى آخر حديث تليفونى بين حليم وحبيبته السعودية وعدته بالحضور إلى لندن مع والدتها فى عيد الربيع ولكن قبل أن يحين موعد اللقاء بأيام قليلة كان العندليب قد فارق الحياة.
الراقصة ميمى فؤاد
ومن قصة حب فى نهاية العمر إلى قصة أخرى جديدة فى بدايته .. بداية الشهرة ورحلة الأضواء .. وكانت قصة حب العندليب هذه المرة مع الراقصة ميمى فؤاد، وهى من أكثر قصص الحب التى أجمع عليها المؤرخون وشهود العيان وقد كانت ميمى راقصة فى إحدى فرق الفنون الشعبية والاستعراضية الشهيرة، وأعجب الموجى بصوتها ولحن لها بعض الأغانى بالفعل وكان يتوقع لها مستقبلا طيبا وكانت تجلس مع الموجى بحضور سيد إسماعيل والعندليب وكان العندليب ينتهز الفرصة ليتحدث إليها عن أحلامه فى الشهرة والمجد ،وبدأت هى تهتم به بعد أن تأكدت أن العندليب يحبها بعنف وعندما لمع اسمها وبدأت تُطلب فى حفلات فإنها كانت تشترط على المتعهدين أن يغنى العندليب معها فى هذه الحفلات وكان هو لا يزال مطربا ناشئا فكان أن اشترطوا عليه غناء أغنيات عبد الوهاب ولكن عندما صفق له الجمهور قال العندليب إن هذا التصفيق لعبد الوهاب وليس لى، وبدأت المجلات تغمز عن هذه العلاقة بين الراقصة المشهورة والمطرب المغمور عبد الحليم شبانة ونشروا أنهما سيتزوجان .. وقابلت ميمى فؤاد الخبر بعدم اهتمام فلم تنف أو تؤكد وارتفع نجمها أكثر فأكثر وكذلك نجح حليم ووصلت شهرته إلى القاهرة وكان يتبادلان الرسائل وكانت ميمى تؤكد له فى رسائلها من بيروت أنها على العهد وأن الزواج بات قريبا ومن شدة حبها لحليم كانت ميمى تقص صوره وأخباره من الصحف والمجلات لتعلّقها على جدران شقتها والتقط صحفى لبنانى صورة لجدران الشقة ونشرها فى إحدى المجلات الفنية اللبنانية فغضبت هى بشدة وطلبت من المجلة الاعتذار ولكن بدلا من الاعتذار فإنها طالعت نفس المجلة فى عدد جديد لتجد حوارا مع العندليب ينفى فيه أى معرفة له باسم ميمى فؤاد، وبالتالى فإنه قد هدم معبد الحب على الطرفين وردت ميمى فؤاد بتاريخ 9 يونيه 1958 بعد مهاترات وهجوم متبادل فى الصحف وقالت : إن علاقتى بعبد الحليم حافظ لم تكن أكثر من علاقة صداقة بريئة وزمالة من أيام الفقر .. كنا أنا وهو نسعى للرقص والغناء، كنت أتمنى أن أصبح راقصة مثل تحية كاريوكا وكان هو يتمنى أن يصبح مطربا مثل عبد الوهاب .. أنا يتيمة وهو يتيم وجمع الحرمان بيننا على صداقة وأخوة وزمالة .. لم يكن لديّ الوقت الذى أفكر فيه بالحب ، كنت أفكر فى مستقبلى وفى لقمة العيش و صديقى عبد الحليم يفكر هو الآخر فى مستقبله وفى لقمة العيش.
مها .. فتاة الصعيد
لقد كانت تلك الفتاة التى أطلق حليم عليها اسم مها كاسم حركى بدلا من اسمها الحقيقى لأنه قصة حبه لها لم تكتمل ولأنها من عائلة صعيدية وتعيش فى الظل ما بين إحدى مراكز محافظة المنيا الآن .. وقد بدأت تلك القصة بسهرة قضاها حليم فى بيت أحد الأعيان وهو رجل صعيدى ،وقد دعا حليم فى هذه السهرة للاتفاق على مشروع تجارى، فقد ذهب العندليب ودخل الفيللا التى كانت تقع فى أطراف حى مصر الجديدة فإذا به يسمع صوتا يشدو بأغنية أسمهان« ليالى الأنس فى فيينا»، وظل العندليب واقفا ومتسمرا خلف الباب الذى ينبعث منه الصوت، وعندما انتهت من وصلتها الغنائية صفق لها بحرارة شديدة وتعرف العندليب عليها على أنها «مها» وصفها فى مذكراته الخاصة بأنها شابة جميلة وجذابة وحضورها مؤكد ولو لم تنطق بكلمة بسيطة ورقيقة وكأنها غزال شارد تملك شخصية قوية وصوتا أقوى تذكرنى بشباب الممثلة العالمة جينفر جونس.
ويقول مفيد فوزى فى رصده لتلك القصة بأن العندليب نسى المشروع التجارى الذى جاء من أجله وفتح حوارا مع مها أخذ معظم وقت السهرة وعرف العندليب بأنها تحلم بالغناء وتريد أن تتعلم الموسيقى .. فقال لها العندليب: اعتمدي على الله وعليّ فى هذا الموضوع، وظل العندليب يتتبع أخبار مها حتى بعد أن تزوجت وأنجبت ولكن دون أن يرها سوى فى تلك المقابلة الوحيدة .. وقد حاول حليم إقناع أهل مها بإعطاء الفرصة لها ولكن الأهل رفضوا بإلحاح وإصرار وأبلغوه أنها سافرت إلى الصعيد تمهيدا لحفل الزفاف.
وبعد نهاية القصة غابت مها عن عيون حليم إلى الأبد باستثناء مرة واحدة التقيا صدفة عندما كانت مها مع زوجها فى مطار باريس .. فقال حليم: كنت أهم بالدخول إلى بوابة تقودنى إلى طائرة مصر وهما فى الطريق إلى بوابة تنقلهم إلى طائرة أمريكا ومن خلف المعابر الزجاجية .. تبادلنا التحية بالتلويح بالأيدى ولا أعرف شيئا عنها بعد ذلك.. إنها قصة حب أخرى راقية من قصص العندليب ولكنها لم تستمر سوى ساعات قليلة تركت وراءها ذكريات كثيرة .
نوال الرملى
ومن عش إلى آخر يغرد العندليب ومن دولة إلى أخرى يطير العندليب وكانت تلك القصة مع فتاة لبنانية وكانت اسمها نوال الرملى التى عاش معها حليم قصة حب حقيقية لم تتوج بالزواج وكانت نوال هى شقيقة المذيعة التليفزيونية هيام الرملى، وقد أحبها عبد الحليم حبا صادقا وكان يحرص على لقائها أثناء زياراته المتعددة إلى لبنان والتى رافقته فى العديد منها وكانت قريبة منه جدا وكانت نوال تنتمى لعائلة لبنانية كبيرة ولكن لم يتم زواجهما بسبب تركيز عبد الحليم الشديد على عمله وفنه حيث كان يعطى لهما كل وقته ومجهوده ويضعهما فى المقام الأول حتى قبل حياته الشخصية .
نوال الحلوات
نوال ابنة قرية الحلوات التى كان والدها الشيخ نصر الدين إمام جامع قرية الحلوات والتى ماتت منتحرة حزنا على رحيل حليم فى اليوم التالى من تشييع جنازته إذ أنها كانت ترتبط بحليم بقصة حب مجنونة ولكنها من طرف واحد وهى بالطبع من طرف الفتاة ولكن علاقتها بحليم بدأت بوصية من والدها بأن حليم مثل ابنه وقال لها عندما تضيق بك الحال« اذهبي إلى عبد الحليم فسوف يساعدك» كان الشيخ نصر الدين يقول ذلك لابنته وهو على فراش الموت لأنه كان قد أعطى حليم بضعا من القروش قبل توجه للقاهرة وكان حليم خير من تحمل تلك الأمانة وتعهد بأن يتكلف بنفقة المصروفات الخاصة بفتاة قرية الحلوات أثناء دراستها بكلية الطب ولكن نوال وقعت فى غرام العندليب فى علاقة حب قوية لم تكشف عنها إلا بهذه الطريقة المأساوية والمدوية وعن طريق الانتحار .. فما أعنف هذا الحب وما أفدح الثمن الذى دفعته تلك الفتاة المسكينة والتى راحت ضحية قصة حب صورها لها خيالها بأن حليم يبادلها نفس الشعور.
شقيقة صباح
وما بين نوال المصرية ونوال اللبنانية كان حليم على موعد مع قصة غرام أخرى كانت بطلتها هذه المرة شقيقة المطربة صباح وترتبط أغنيته «صدفة» فى حياته بهذه التجربة العابرة إذ يقول الكاتب منير عامر فى كتابه عندما سأل حليم عن حقيقة تلك القصة فرد حليم بقوله: هل يوجد رجل عاقل يمكن أن يضع نفسه بين فكى أنوثة واحدة من أسرة المطربة صباح ورد منير ومن قال إن الحب عاقل فيردف حليم: الحب مجنون صحيح ولكن كل الذى قاله كمال الملاخ كان لمحة إعجاب بواحدة تنتمى إلى أسرة فنية وكنت أريد أن أقدمها للسينما وخرجت معها عدة أيام كانت فيها البنت الحلوة المحبوبة والحبوبة ثم قلت لها إنها تستطيع أن تعتمد عليّ لتدخل إلى عالم السينما واتصلت فعلا بالمخرج عز الذين ذو الفقار الذى أبدى استعداده لعمل تجربة تصوير لها وأذكر والكلام على لسان حليم ـ أنها حضرت معى مونتاج أغنية «صدفة .. يوم ما قابلتك مرة صدفة .. يا للى جمالك أجمل صدفة» وعندما وصف حليم تلك الفتاة قال عنها : إنها من النوع الذى يعجبك وتبدو كإسبانية مدللة تجيد الرقص وأردف: والذى عاش مثلى يعلم أنه قد يوجد للحظة على القمة ولحظة أخرى على سرير المرض ويصبح التعلق بالحب هو الدليل المبهج الوحيد الذى يقول لي إن الحياة مازالت مستمرة .. صدقونى عندما أقول إن المرأة تبدو لك رومانسية وخيالية وأنها تحب الحنان ولكن هناك رادارا حساسا فى أعماقها يحسبها بكل التفاصيل فإذا ما تأكدت المرأة بأنك لست لها أو أنك متردد فى الارتباط بها فهى تبحث عن طريقة تخربشك بها وتترك آثار أظافرها على وجهك كعلامة واضحة على الانتقام.
إنها سعاد شقيقة صباح ومازال حليم يروى أسرار وتفاصيل القصة بنفسه ويقول : البداية كانت جميلة وكانت رحلة من رحلات الحنان التى تفاجأك فتشكر السماء أنها أهدتك تلك الهدية وقد قضت معى ثلاثة أيام على أساس أن يتعرف كل منا بالآخر وحضرت معى مونتاج أغنية «صدفة» كما ذكرت وقد ذهل من جمالها نصرى عبد النور مهندس التسجيل ولم تطرأ فكرة الزواج على رأسى، ولكنها جاءت على لسانها فقلت لها : إن الزواج ليس كالحب .. فالحب يهاجم الإنسان وقد لا أعجبك كزوج وبعدها بدأت هى تتعلق بمذيع مشهور وكان عمرها فى ذلك الوقت لا يتعدى 18 عاما .
دوفى الامريكية
وحليم أحب أيضا فى رحلة مرضية إلى أمريكا فتاة تسمى «دوفى» فقد ذكر فى مذكراته الشخصية أن أغرب ما فى الدنيا هو أن تحس بالحب من جديد كأن أحدا يمسح من داخلك كل الآمال السابقة ويفتح أمام عيونك نورا جديدا وتكاد ترقص من الفرحة ولكن قلبك لا يترك لك الفرصة أنه يرقص بدلا منك وتقول لنفسك ما الذى حدث لي .. هل أنا طفل صغير حتى يحدث لي ذلك ؟ ولكنى اعرف أننى تعديت الأربعين وأننى الآن أعيش فى الوهم الجميل .. أن «دوفى» ليست امرأة عادية .. إن جمالها ليس صارخا .. ولكنك تحس أنها أمريكية مختلفة .
حليمة
فى أحد الأيام التى كان حليم قد حقق فيها الشهرة وكان يذهب بين الحين والآخر للسهر فى الفنادق الكبرى أو تسجيل أغانيه فى استوديوهات الإذاعة وجد ذات يوم على باب الإذاعة طالبة من معهد الموسيقى قدمت نفسها إليه باسم حليمة فقال حليم أى خدمة .. فغضبت من الرد .. فقال حليم بعدم اهتمام أفندم .. واندفعت الفتاة فى موجة من الهجوم القاسى على حليم قائلة : أنا جئت مخصوص علشان أقولك إزاي تطلع فى التليفزيون يا أستاذ وتقول إنك بتفضل العلاج فى مستشفيات لندن وإزاي تقول إنك بتشترى هدومك جاهزة من الخارج ومش ممكن تفصلها فى مصر .. أرجوك راجع نفسك علشان إحنا بنحبك وبنحترم فنك؟
هنا شعر حليم بالاحترام تجاه تلك الفتاة الشابة ودعاها لدخول الإذاعة معه وفى ركن هاديء اُستكمل الحوار بهدوء أكثر.
قال عبد الحليم: بعد أن دمعت عيناه إن هذه أول مرة أراك فيها ولكنها لن تكون الأخيرة .. وطلب عنوانها وذهب إلى أسرتها فيما بعد مستقلا سيارة أجرة وتعرف على أسرتها المتواضعة وتكررت زياراته لهم .. وبدأت حليمة تدق الأبواب المغلقة فى قلب حليم واعتبر هو أن هذه أقوى قصة حب فى حياته بعد فراق حبيبته ديدى التى سرقها منه الموت، وغنى حليم لحليمة «أهواك» لأول مرة بالتوزيع الجديد فى منزل أسرتها وكان يقول إن حليمة فيها الكثير من ديدى .. العينان الواسعتان .. الصراحة .. الكبرياء .. حتى طول القامة .. وتعلق بها العندليب وحينما كانت تغيب عنه وتمضى أيام لا يسمع صوتها كان يشعر بالاختناق .. وكما بدأت قصتها فجأة وبلا مقدمات طويلة .. كانت النهاية فجأة أيضا حينما صحى حليم على خبر إن ابن عمها قد سبقه فى الاقتران بها والذى كان أكثر جرأة من حليم وأكثر حسما عندما طلب حليمة للزواج ووافقت الأسرة باعتبار انه لا يخطر ببال أحد منهم أن العندليب قد يكون فكر يوما فى الزواج من ابنتهم ابنة الطبقة الفقيرة الكادحة .. ولكنه فى الحقيقة كان يتمنى!.