عشرات الأعوام، ومئات بل آلاف الأفلام السينمائية المصرية التى تم إنتاجها عبر أكثر من مائة عام، سواء عن طريق الجهات الخاصة أو الحكومية والأرشيف السينمائى الضخم فى حاجه للاحتفاظ به، فما السينما إلا نقل حى للتراث الإنسانى بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ومع قدم عمر هذه الأفلام وسوء عوامل تخزينها تحتاج من وقت لآخر لإجراء عمليات ترميم حتى يصبح الحفاظ عليها هو الوسيلة الوحيدة للاحتفاظ بهذا التراث وهذه الروائع العظيمة التى تعب عليها صناعها، هذه الأفلام تتعرض عبر الزمن للعديد من العوامل التى قد تؤدى إلى تلفها سواء كانت عوامل الزمن أو التعرض للضوء أو التلوث أو ربما اللجوء لطرق تخزين خاطئة؛ ما يجعل ترميم النسخ الأصلية أمراً واجب الحدوث لحمايتها من التدهور والضياع والاندثار
.
هذه القضية لطالما شغلت المهتمين والمسئولين عن صناعة السينما، وأُقيمت من أجلها ندوات خصيصاً فى كبرى المهرجانات السينمائية الدولية، حتى أننا نذكر قولاً شهير للدكتور خالد عبد الجليل مستشار وزيرة الثقافة لشئون السينما، حيث أكد قائلاً: لو أن الدنيا بأسرها وقفت ضد مشروع «السينماتيك» فإننى لن أتوقف عن السعى عليه؛ لأنه يحمى تراثنا وتاريخنا.
حول هذه القضية المهمة وأهمية الاحتفاظ بالإنتاج السينمائى الذى يجب أن تتكاتف من أجله جميع الجهود، وحول التحديات التى تواجه عمليه ترميم النسخ الأصلية والاحتفاظ بها، وأهميه هذا المشروع وما يواجهه من عقبات، نستمع إلى نخبة من المتخصصين للتعرف على آرائهم فى هذا التحقيق
فيلم انت حبيبي...
فى البداية يقول الناقد الفنى عصام زكريا: «فكرة إعادة ترميم الأفلام المصرية هى دائماً مطروحة بقوة منذ زمن بعيد، خاصة أن هناك المئات من النسخ التى ضاعت ولم يوجد لها بديل، ومع وجود التكنولوجيا الحديثة استطاعت حفظ بعض النسخ من الضياع ولكن فى الوقت نفسه نطالب بوضع قانون يحافظ على تراثنا السينمائى من التلف أو الضياع، مع طبع الآلاف من النسخ حتى تتيح لنا تواجد الفيلم باستمرار، فالنسخة (السينماتيك) الأصلية هى ملك للمنتج وحده، وبمرور الوقت قد تضيع هذه النسخة الأصلية، لذلك يتوجب حفظها، خاصة الأفلام القديمة التى قد تندثر مع الوقت.
ويضيف زكريا: لابد من الحفاظ على هذا التراث السينمائى، خاصة أنه عرضة للتحلل والانقراض والهلاك، وأقترح نظاماً للترقيم لكل النسخ الأصلية السينمائية وتخصيص ميزانية لحفظ هذا التراث.
ويقول الناقد السينمائى أشرف غريب: المشكلة الأساسية تكمن فى أن النسخة النيجاتيف الأصلية ليست ملكاً لجهة معينة، فهى مملوكة للمنتجين والموزعين وبعض الشركات الخاصة، وحتى نستطيع أن نحفظ هذه النسخ نقوم بتأجير أماكن لحفظ هذا التراث السينمائى من الضياع، فهى ليست مملوكة للدولة حتى يتسنى لنا أن نتحكم فى هذه النسخ، ومن الصعب أن تجبر الشركات الخاصة على الحصول على النسخة الأصلية وإيداعها بطريقة معينة.
ويضيف غريب: صحيح أن التكنولوجيا الحديثة أسهمت بشكل أو بآخر فى الحفاظ على بعض السينماتيك النيجاتيف وطبع العديد من النسخ «البوزتيف»، إلا أنه ينصح بإعادة طبع هذه النسخ من خلال ترقيمها، خاصة أن الكثير من الأفلام تعرضت للضياع بسبب حرق استديوهات مثلاً أو عوامل الزمن، فالحل هو أن النسخة الرقمية تحل محل السينماتيك حتى نستطيع أن نحافظ على التراث السينمائى بشكل علمى صحيح
المومياء.
ويقول المخرج سعد هنداوى: كانت هناك محاولات كثيرة من الناقد المعروف سمير فريد مع المسئولين والوزارات لإنشاء سينماتيك مصرى دوره الحفاظ على هذا التراث السينمائى والنيجاتيف منذ أن بدأت السينما، خاصة أنها تستحق أن نسجل ونحفظ تراثنا، ونحن لدينا خبير ترميم وهو دكتور مجدى عبدالرحمن خبير ترميم فى معهد السينما، وهو خبير عالمى يتواصل معه الناس من الخارج للحفاظ على الأفلام القديمة فى الخارج وإعادة ترميمها، ويطلعهم على كل تفاصيل النيجاتيف، فهو أكثر دراية من غيره فى مصر بهذا الموضوع.
ويضيف هنداوى: كانت هناك مشاكل فى ترميم بعض الأفلام فى فترة الثمانينيات وصعوبة عمل «اسكانر» للفيلم، وواجهنا صعوبات كثيرة فى الحفاظ على أفلامنا من الضياع، وعلينا أن نبحث فى تراثنا القديم وعمل ترميم له وحفظه بشكل يسهل الوصول إلى النسخة الأصلية فى أى وقت بالطرق الحديثة، وإنشاء سينماتيك مصرى، وكانت هناك محاولات جدية فى ترميم بعض الأفلام التسجيلية للمخرج خيرى بشارة احتفاءً به فى مهرجان الإسماعيلية، وكذلك أفلام للمخرج شادى عبدالسلام، ورغم هذه المجهودات الذاتية إلا أن المهرجان أو المركز القومى للسينما غير قادر بمفرده على إعادة الترميم، فلابد من تدخل الدولة بقوة فى التصدى لهذا الأمر، لإحياء هذا التراث السينمائى فهو عمل وطنى لابد من إنجازه مع الاستعانة بالخبراء لأن السينماتيك له شروطه ومعاييره فى إيجاد منطقة جافة للحفاظ على النسخة الأصلية للفيلم، وقد واجهت صعوبة فى تجربة حفظ فيلم مثل «كرسى عنخ آمون الذهبي» للمخرج شادى عبدالسلام، إنتاج ١٩٨١ وذهبت به إلى فرنسا مع الخبراء لحفظه وإعادة ترميمه، واكتشفنا أن هناك سوء تخزين للنيجاتيف، وبدأ يفقد بريقه وألوانه وصورته، ولكن تم إنقاذه وحفظنا نسخة الفيلم، وهذه التجربة ستتكرر مع كل الأفلام، فهذا تراثنا ويمثل هويتنا وهذا دور الصحافة أيضاً للإلحاح عليه للحافظ على هذا التراث السينمائى، والوزيرة الدكتورة إيناس عبد الدايم متفهمة لهذا الموضوع بل وتدعم الفكرة.