من لا يسجل تاريخه وأحداث حياته، فلا مستقبل له، فهناك العشرات من الأشياء والأحداث والمواقف حولنا جديرة بالتسجيل والتوثيق لتبقى شاهدة حية على عصرها.. من هنا استطاع البعض من الموهوبين تفهم وحب عمل الأفلام التسجيلية سواء عن أشخاص أو أماكن أو أحداث، وصار لها مريدوها، بل والمهرجانات الفنية التى تحتفى بها وبصناعها، ومع ذلك مازلنا على الجانب الآخر نجد البعض يشكو من وجود بعض المعوقات لإنتاج مثل هذه النوعية من الأعمال المهمة.. حول أسباب قله إنتاج الفيلم التسجيلى وكيفية التغلب عليها يدور تحقيقنا التالى...
فى البداية تقول المخرجة نيفين شلبي:
هناك معوقات كثيرة تواجه صناع الأفلام الروائية القصيرة والتسجيلية تبدأ هذه المعوقات في الحصول أولا علي التصاريح الرقابية اللازمة لتصوير الفيلم، وقد يواجه المخرج صعوبات عديدة للعثور علي شركة إنتاج تساعده علي تنفيذ مهامه فقد يلجأ المخرج أو المنتج الذي ينوي عمل فيلم قصير أو تسجيلى إلي التصوير بدون تصاريح خارج القاهرة أو اختيار أفلاما مشاهدها داخلي فقط حتي لا يتورط بالتصوير بالشوارع بدون تصاريح ، حيث لا توجد مظلة قانونية تحمينا في تصوير الأفلام المستقلة، إلا أن مشاريع الطلبة يستطيعون الحصول علي تصاريح تصويرها بموجب خطاب من الجامعة مباشرة.
وتضيف: تبقي المشكلة الأهم بعد إنتاج الفيلم هي عملية تسويقه بالقنوات المصرية وللأسف بعضها غير مهتمة بنوعية هذه الأفلام ولا تميل لشرائها، وقد يلجأ بعض المخرجين للعمل في قنوات أجنبية ولكن هذا ليس بالسهل دائما، لذلك يفقد الفيلم أهم عنصر وهو الترويج في المحطات التلفزيونية فينتهي الحال بكثير من المخرجين بالتوقف عن صناعة هذه الأفلام حيث لا يوجد أي مردود أو عائد مادي يساند صناع الفيلم التسجيلى أو القصير للإستمرارية، وفقط نجد ضالتنا في المهرجانات أحيانا التي تحقق نجاحا وانتشارا أدبيا في الوسط السينمائي.
أما المخرج مجدى أحمد فيقول: توجد جهتان فقط لإنتاج الأفلام الروائية القصيرة والتسجيلية..هما المركز القومى للسينما والتليفزيون، وهما اللذان يتوليان زمام الأمور فى إنتاج هذه الأفلام، ومع قلة إنتاجهما لم يتواجد الفيلم بالشكل الذى تعودنا عليه، خاصة أن الشركات الخاصة لم تعد ترغب حالياً فى إنتاج هذه النوعية من الأفلام التى لم تحقق لها الربحية على الإطلاق، فانصرفت عن إنتاجها.
ويكمل قائلاً: هناك معوقات أخرى يواجهها الفيلم الروائى القصير والفيلم التسجيلى..يتمثل أهمها فى عدم وجود دور عرض كافية تعرض هذه الأفلام، مع غياب دور القنوات التليفزيونية التى لم يجذبها شراء هذه الأفلام، وكذلك المنصات الإلكترونية التى توجد بكثافة لم تكن الحل الأمثل لهذه الأفلام
.
من جانبه يرى المنتج جمال العدل أن تكلفة هذه النوعية من الأفلام تعد باهظة جداً، فى وقت لا تلقى فيه القبول الجماهيرى أو المردود الاقتصادى الذى يناسب ما تم إنفاقه عليها، أيضاً مع زيادة الأسعار على مستوى العالم فى إنتاج صناعة السينما تتأثر الأفلام الروائية بالأوضاع الاقتصادية العالمية الراهنة، وهذا لا يعنى أن نقلل من قيمة هذه الأعمال وقيمة الموهوبين الذين يقفون وراءها، حيث نكتشف من خلال هذه الأفلام العديد من المخرجين الجدد الذين يتم ترشيحهم لإخراج الأفلام الطويلة، وعندما يعم الازدهار السينمائى سيشمل هذا الازدهار بالتأكيد الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة والتسجيلية والوثائقية، وكافة أنواع الأفلام.. وهو ما يتطلب تكاتف جهود المنتجين من ناحية والمحطات الفضائية العارضة من ناحية أخرى، حيث إن تدخلها فى الإنتاج يفرق الكثير.
ويقول الناقد طارق الشناوى: كان هناك قرار وزارى صدر فى الستينيات يقضى بأن يسبق عرض الفيلم الروائى الطويل فيلم تسجيلى قصير، وكان معظم دور العرض تابعة للدولة، وكان من السهل تطبيق هذا القرار، ولكن بعد رواج دور العرض الخاصة أصبحت غير ملزمة بتطبيق هذا القرار وأصبحت تفكر فى الأمور المادية التى تجلب الإيرادات، ومع الوقت اختفى هذا القرار ولم يفكر أحد بإعادة تفعيل القرار، خاصة أن الفيلم الروائى القصير أو الفيلم التسجيلى دورهما العمل على تثقيف الجمهور، ونوعية هذه الأفلام مرتبطة بشغف الجمهور وإذا تراجع هذا الشغف أو مات فلن يجد له صدى أو قبول عند الجمهور.
ويضيف الشناوى: لا توجد جهة غير المركز القومى للسينما التابع للدولة وبعض الشركات الخاصة القليلة هى التى تنتج أفلاماً قصيرة وتسجيلية، والتلفزيون قام فى فترة من الفترات بإنتاج هذه الأفلام ولكنها كانت أفلام عن المساجد والقصور، ومعظمها دعائية مباشرة ولا يوجد بها فن، لذلك تراجع الفيلم التسجيلى ولم يعد الجمهور يطلبه، والحل فى وجود الفيلم القصير الجيد وإدراك المغزى منه.
ويوضح الناقد كمال رمزى أن الفيلم التسجيلى وأيضاً الروائى القصير كان له تواجد منذ السبعينيات من القرن الماضى، وكان يفرض على دور العرض تشغيل فيلم قصير بمحتوى فنى جيد قبل عرض الفيلم الروائى الطويل، ومنذ ذلك الحين أصبح للفيلم التسجيلى أهمية كبرى فى جميع دور العرض السينمائى، فالدعم الأول كان يأتى من دور العرض، وقد حققت بعض الأفلام للروائية القصيرة نجاحاً كبيراً فى هذه الفترة مثل فيلم «الفيل الأزرق» الذى كان يعرض قبل فيلم «البوسطجى» فكان يتمتع بشعبية كبيرة كغيره من الأفلام القصيرة وكان له حضور طاغٍ.
ويضيف رمزى: بمرور الوقت تضاءلت أهمية الفيلم الروائى القصير، وكذلك الفيلم التسجيلى فى السينمات، ومنذ مطلع الألفية الجديدة لم نجد أفلاماً قصيرة بالشكل المعتاد، وربما أصبح الموضوع تجارياً بشكل بحت أكثر من كونه تثقيفياً، غير أن الحركة النقدية فى مصر للفيلم الروائى القصير والتسجيلى لم تعطهما حقهما بشكل كافٍ.