الجمعة 26 ابريل 2024

ماذا ننتظر من هانى شاكر؟

3-8-2022 | 14:08


 

 

 

 

أخيراً وبعد أخذ ورد، وافق مجلس إدارة نقابة المهن الموسيقية على قبول استقالة نقيب الموسيقيين المطرب الكبير هانى شاكر التى قدمها منذ أسابيع، واضعاً نهاية غير سعيدة لتجربة كنت أتمنى لها أن تستمر لوقت أطول حتى ينجز آخر جيل العمالقة ما بدأه من تطهير للساحة الغنائية من دخلاء المهرجانات (ديزل وشطة والعصابة وحنجرة والعفاريت) وما شابه، لكن الرجل الذى غنى على مدى خمسين عاماً لأرق المشاعر الإنسانية وأصدقها لم يستطع تحمل هذه الغوغاء الموسيقية، وفضَّل الانسحاب من هذا التلوث؛ حفاظاً على اسمه وتاريخه وبراءته الطفولية التى لازمته طوال سبعين عاماً هى كل عمره ربما يستطيع استعادة ضحكته النقية التى غابت عنه – أو كادت – طوال فترة توليه مسئولية نقابة الموسيقيين.

وربما كان الصخب والتناحر سمة غالبة داخل تلك النقابة منذ نهاية زمن الكبيرين الراحلين أحمد فؤاد حسن وصلاح عرام، لكنه كان دائماً صخب المتناحرين على المناصب والساعين إليها بشتى الطرق حتى لو بالخروج على القانون فى بعض الأحيان، صخب تحكمه مصالح شخصية ونزعة فردية لا تتوقف عند الصالح العام، أما صخب مرحلة هانى شاكر فكان منزهاً عن الهوى أو المصلحة الشخصية، كان أقرب للسباحة ضد تيار من الإسفاف الفنى والفوضى الغنائية، أراد أن يوقفه من تربى على قيم الغناء الصحيح، فتلاطمت عليه الأمواج، وتدافع المتضررون وهم يلبسون ثوب المسكنة والبراءة، يختلقون له المشاكل ويضعون فى طريقه العراقيل ويصورونه عبر الفضائيات التى فتحت لهم هواءها على أنه قاطع للأرزاق ومفرق للجماعات، وحتى أولئك الذين لم يكن لهم لا ناقة ولا جمل فى معارك النقابة راحوا يتهمون الرجل بأنه يقف ضد الإبداع وحرية التعبير، فى وقت كان من المفترض أن يتكاتف كل من يتدثرون برداء الثقافة والتحضر مع النقيب فى معركة التطهير، لكن هانى شاكر وجد نفسه مطالباً بخوض معركتين: واحدة ضد هؤلاء الدخلاء على الغناء، وأخرى ضد المتشدقين بالحرية من أصحاب «الحنجورى» الذين تركوا الكرة تتدحرج منذ الثمانينيات حتى وصل انحدار الذوق العام إلى ما وصل إليه، ولو كان هؤلاء قد أيقنوا أن حريتك تنتهى عند حرية الآخرين، وأننى لست مضطراً إلى القبول بإيذاء أذنى حتى يمارس هذا أو ذاك حريته فيما يتصور أنه غناء لربما استطعنا – على الأقل – الإبطاء من انحدار كرة الثلج، لكن أنصار نظرية العملة الجيدة والعملة الرديئة لا يريدون أن يدركوا أن الردىء ساد، وأن الضجيج زاد، وأصبحت مواجهته تحتاج إلى معركة كتلك التى خاضها هانى شاكر، ولا أدرى اليوم هل وصلنا الآن إلى القاع الغنائى أم أن هناك ما هو أسوأ؟!

على أيه حال فسوف يذكر التاريخ الفنى لهانى شاكر أنه حاول.. حتى لو خانه قصر نفسه وقلة حيلته وهوانه على من كان يظن أنهم فى خندقه يحاربون معه معركة الدفاع عن الذوق العام، ولئن كانت معركته كنقيب قد انتهت عند هذا الحد فإنه مطالب باستعادة كامل نشاطه الغنائى، وإمتاعنا بمزيد من فنه الراقى ربما – وأقول ربما - تستطيع العملة الجيدة أن تطرد العملة الرديئة.