رغم الانفتاح الفنى الذى يشهده العالم منذ عدة سنوات والذى لم يعد يقتصر فقط على السينما والتليفزيون بل ازداد توسعا بوسائل التواصل الاجتماعى التى تعتبر قنوات فنية وإعلامية شديدة التأثير والجاذبية إلا أن المسرح يظل كما هو أبو الفنون ، ذو طابع خاص لا يمكن أن يستبدل بأية وسيلة أخرى فمازال لديه مكانته الخاصة وقدسيته وجاذبيته التى لا يستطيع أحد أن يقترب منها لدى الجمهور الذى يحرص على الحضور لمشاهدة النجوم والاستمتاع بما يقدم له من خلال وسيلة تثقيفية وترفيهية أيضا، ودائما المسرح هو ترمومتر حساس يقيس الحالة المزاجية للمجتمع وللشارع المصرى ومن الملفت فى هذا الموسم أن مسرح الدولة يضىء أنواره المبهجة ليستقبل جمهوره فى نسبة إقبال كبيرة لم تحدث منذ سنوات وهذا يجعلنا نتساءل هل النهضة التى يعيشها مسرح الدولة هى بالفعل محاولة جادة ليعود لمكانته الأولى وعلى الصعيد الآخر هل ينجح فى منافسة القطاع الخاص؟ إليكم الإجابة فى السطور القادمة من خلال هذا التحقيق..
مسرحية سيرة الحب
فى البداية يقول دكتور عادل عبده رئيس قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية:
بالفعل المسرح يشهد نهضة كبيرة هذه الفترة ولو تحدثت عن القطاع الذى أترأسه قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية.. بالإضافة للسيرك القومى وعروضه المهمة وفرقة رضا وفرقة الموسيقى الشعبية وأنغام الشباب والشباب لايف وتحت ال18، فالحمد لله بالفعل نقدم عروضا مسرحية هامة تضاهى عروض القطاع الخاص وذلك يرجع لتقنيات المسرح الحديث الذى نملكه، مثلا كان لدينا عرض «أليس فى بلاد العجائب» وأيضا «سيد درويش» وعرض ألمظ وسى عبده وسحر الأحلام وعرض زقاق المدق وأيضا السندباد للأسرة والطفل و كلها حققت إيرادات كبيرة جدا ،وحاليا نجهز عرضا باسم «سمك فى ميه» تأليف محمد الطيب وإخراج هشام إبراهيم وعروضنا تقدم على مسرح البالون وجمصة ومحمد عبد الوهاب فى الإسكندرية، و نعتمد فى عروضنا على التقنيات العالية من ديكور وإضاءة وشاشات لأننا مسرح استعراضى يهتم بالرؤية البصرية للعروض ولدينا المزيد من العروض الأخرى التى تعتبر مفاجأة للجمهور المصرى.
وبالنسبة للقطاع الخاص يعمل يومين فقط فى مقابل القطاع العام لديه استمرارية فى العروض التى تقدم وهذا هام جدا والحقيقة هذا يعود للجهد الكبير الذى تقوم به معالى وزيرة الثقافة دكتورة إيناس عبد الدايم فهى تهتم بكل كبيرة وصغيرة سواء قطاع الفنون الشعبية أو المسرح وجميع القطاعات.
مسرحية إليس في بلاد العجائب
ويقول الفنان إيهاب فهمى مدير المسرح القومى:
الحقيقة نحن سعداء بالنهضة التى يحقهها المسرح القومى حاليا وهذا يرجع لوجود وزيرة مثقفة ودؤوبة ونشيطة جدا لأنها قبل أن تكون وزيرة هى فنانة عازفة فلوت عالمية وهذا فارق فى إيقاع الوزارة ككل وإيقاع المسرح والأوبرا بشكل خاص والحقيقة من المهم أن المناصب الإدارية يكون على رأسها فنانون وليس إداريين، وذلك يذكرنى بموقف اختيار معالى الوزيرة دكتورة إيناس لى كمدير للمسرح الكوميدى عندما كنت أعرض مسرحية سيرة الحب على مسرح البالون وكنت بطل العرض وأقوم بدور بليغ حمدى وطلعت على المسرح وقالت لى مبروك عليك المنصب وقلت لها أنا ليس لدى وقت فردت لو جميعنا قلنا لا من سيتولى المناصب؟ و إن الفنان الذى يحب بلده لابد أن يعطى وبالفعل لأننا نعمل من دافع أن هذا المنصب واجب وطنى وحب لبلدى والحمدلله وفقت فى رئاسة المسرح الكوميدى الذى تم افتتاحه فى أقل من ثلاثة شهور بعد ثلاث سنوات من التوقف ثم انتقلت للمسرح القومى الذى توليته فى ظروف صعبة جدا بعد شهر تم إغلاق العالم بسبب ظروف الكورونا ونحن أول من سبق على مستوى العالم لنقوم بالعرض «الأون لاين» حتى قبل المسرح الإنجليزى وتوالت العروض وصولا لمسرحية الحفيد التى تعرض الآن محققة إيرادات عالية لم تحدث منذ عشرات السنوات فى تاريخ المسرح القومى.
الحقيقة المسرح القومى تاريخ كبير جدا وشرف كبير لأى شخص أن يدير هذه المنظومة العظيمة التى بدأت ودشنت 1920 ونحن أمام مئوية عظيمة لمسرح عظيم ربما تعطلت لظروف الكورونا وأسباب كثيرة، المسرح القومى هو تاج من التيجان التى تنير الفن فى مصر وفى النهاية هناك منظومة كبيرة تعمل بقيادات واعية كى تحقق هذا النجاح الكبير وعلى رأسها معالى الوزيرة دكتورة إيناس عبد الدايم، كذلك المخرج خالد جلال رئيس قطاع الإنتاج الثقافى و استاذ إسماعيل مختار رئيس البيت الفنى للمسرح.
والحفيد يعد من أهم العروض فى تاريخ المسرح القومى للمخرج الشاب الموهوب محمد يوسف منصور وهو من أهم المخرجين الذين يحملون الراية القادمة وقدم من قبل مسرحية «أفراح القبة»، التى لاقت نجاحا كبيرا وأيضا حققت إيرادات كبيرة، ومن المهم عندما نتحدث عن قضية فنية.. أن أتحدث عن قضية تجارية لأن لابد أن يكون هناك عائد للبلد والحمدلله نجحنا بشكل رائع ونتمنى أن يستمر ،ولو تحدثنا عن مكانة المسرح القومى مابين الستينيات والآن أستطيع أن أقول إن هذا المسرح العملاق ناجح ومتميز فى مختلف الأزمنة منذ 1920 وله تاريخ كبيرحافل وأستمر فى الستينيات وفى عهد الفنانة القديرة سميحة أيوب والأستاذ محمود ياسين.. قدمت أعمالا هامة ، وهذا يجعلنى ازداد شرفا وفخرا ورعبا من هذا المنصب ولكن مايقدم على القومى الآن يقدم بإيقاع العصر لأنى أؤمن جدا بقضية القومية وأن الأعمال التى تقدم لابد أن تعبر عن الإنسان المصرى ولأول مرة فى تاريخ المسرح يتم عرض عن قصة الشهيد محمد معتز رشاد فى مسرحية الوصية بمساعدة إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة وبعد انقطاع كبير لسمير العصفورى عن المسرح عاد بعرض فى انتظار بابا وستتوالى العروض بسيدتى الجميلة قريبا يقدمها أستاذ محسن رزق وبطولة داليا البحيرى وأحمد وفيق وأتوقع له النجاح الكبير وأعد أن عروضنا ستملأ سماء مصر أقصد تغطى جميع المحافظات ثم استطرد حديثه عن التنافس بين مسرح الدولة والخاص قائلا الحقيقة مسرح الدولة هو الأساس وهو المفرخة الرئيسية للفنون وهو المكان الطبيعى لولادة الفن السليم وأرى أن هناك تعثرا بشكل ما فى القطاع الخاص أى المسرحيات التى تقدم داخل مصر ربما لظروف التكلفة أو أخرى ولكن الذى أستطيع أن أتحدث عنه أن الخدمة الثقافية التى تقدمها وزارة الثقافة متميزة جدا و تعمل بنجاح كبير فى جميع مسارح التابعة للبيت الفنى للمسرح و قدمت عروضا مختلفة ترضى جميع الأذواق أيضا التذكرة فى متناول المواطن البسيط وهناك قدسية فى مسارح الدولة تحديدا هناك لوائح وقوانين تضع معايير لما يقدم على مسارحها وتمنع الخروج عن النص.
ويرى الكاتب المسرحى إبراهيم الحسينى أن:
مسرح الدولة يقدم إسهاما من الممكن نتفق أو نختلف حوله، ولكن فى النهاية إسهام هام جدا بالنسبة للناس فى ظل حالة العنف التى أصبحت موجودة فى الشوارع وأماكن مختلفة من المجتمع ويأتى هنا دور الفن بأن يتدخل ويعيد صياغة القوانين الأخلاقية من جديد من خلال مجموعة من الأعمال التى تمتع العين والأذن وفى نفس الوقت تقدم قيما مختلفة للجيل الجديد من الشباب وخاصة أن الساحة أصبحت خالية أمام مسرح الدولة أى لايوجد له منافس فى ظل غياب مسرح القطاع الخاص الذى كان متواجدا بقوة وغزارة فى الثمانينيات والتسعينيات مسرح الزعيم الذى قدم العديد من المسرحيات «الواد سيد الشغال والزعيم وبودى جارد وأيضا مسرحية شارع محمد على وريا وسكينة ومسرحيات سمير غانم»، بالفعل كان جيلا ذهبيا وكانت مسرحياتهم تشكل جذبا سياحيا لجمهور الدول العربية الذين كانوا ياتون خصيصا لمصر لمشاهدة عادل إمام وسمير غانم وغيرهما.. للأسف مفتقدون لهذه النوعية من المسارح الآن وبالنسبة لمسرح محمد صبحى لايعتبر قطاعا خاصا لأنه يعمل على أوقات متباعدة وأيضا مسرح الفنان أشرف عبد الباقى لايعتبر قطاعا خاصا لأنه إنتاج يقدم ليلة واحدة ويتم تسجيلها، وما يقدمه نجومنا من مسرحيات القطاع الخاص لايقدم فى مصر فى الغالب، ولكن على الجانب الآخر يوجد مسرح الدولة من نوعية مختلفة وهو مسرح الجامعة ويقدم نصوصا عالمية لكتاب كبار وفى نفس الوقت يقدم فنا له قيمة فكرية وفنية وفى نفس الوقت الهيئة العامة لقصور الثقافة تقدم كل عام مايزيد على 200 عمل فى جميع المحافظات غير أن له دورا هاما فى توظيف وقت الشباب فى أعمال هامة ومفيدة ويقدم قيمة فنية فى نفس الوقت، الفن من واجبه تقديم محاولات لتثقيف المجتمع و دفعه ليكون أفضل ولتثبيت مجموعة من القيم الفنية أو الجمالية أو الأخلاقية عند الشباب بحيث يبنى جيلا قويا يعتمد عليه ،عروض مسرح الدولة سواء كانت فى البيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية أو البيت الفنى للمسرح أرى أنه يحاول المحافظة إلى حد كبير على انضباط الأعمال فنيا وإنسانيا بحيث يكون هناك اطمئنان من جهة الأسرة التى تذهب وهى تعلم جيدا أن هناك ضوابط أخلاقية تحكم مسرح الدولة وفى نفس الوقت هناك متعة بصرية وبالمناسبة البيت الفنى للمسرح ينتج 30 عملا فى السنة، فى النهاية مسرح الدولة يقدم خدمة ثقافية مهمة جدا وليس مطلوبا منها المكسب المادى بقدر توصيل رسائل هادفة للمجتمع ومحاولة للحفاظ على هوية الفن المصرى.
ويقول الناقد المسرحى أحمد أبو العلا:
المسرح القومى منذ نشأته وهو يقدم العروض الكلاسيكية وعروض المسرح المعاصر وعروض التراث أى النصوص التى سبق تقديمها مثل مسرح الستينيات بدليل مسرحية أهلا يابكوات وأول ما قدمت كانت عام 1987 ورجعت قدمت مرة أخرى ببطولة عزت العلايلى وحسين فهمى، ومسرح الطليعة له طبيعة خاصة وأيضا المسرح الحديث ومسرح الشباب والمسرح الكوميدى ومسرح الطفل وهذه تقسيمات المسارح التى لديها عروض نوعية، وهناك إقبالا من الجمهور وهى فرصة عظيمة للاستمرار فى النهوض بمسرح الدولة فى ظل غياب القطاع الخاص بمفهومه التقليدى القديم لأن السائح العربى الذى كان الجمهور الحقيقى للقطاع الخاص لم يعد يأتى إلى مصر، ولو تحدثنا عما يقدمه الفنان الكبير محمد صبحى، فهو ليس نشاطا دائما ولذلك لايعتبر قطاعا خاصا وأصبح يأخذ أشكالا مختلفة، أيضا هناك ظاهرة تشبه القطاع الخاص وهى العروض التى يقدمها الهواة على المسارح ولكن يسمونها عروض تجارية أى بتذاكر وهو مسرح مستقل لاتحكمه أى قواعد فى النهاية أستطيع أن أقول إنه لايوجد على الساحة المسرحية غير مسرح الدولة ولذلك لايوجد منافس لها وهذه فرصة عظيمة للنهوض وتقديم مايناسب المواطن المصرى الذى أجده فى حماس شديد للاستمتاع والمشاهدة وأيضا يذهب بعائلته لثقته الكبيرة بمايقدم تحت معايير وأخلاقيات لاتخدش حياء الأطفال وبالطبع مسرح الدولة فى تحدٍ دائم مع نفسه وبمجرد مقارنته بمسرح الستينيات سيظلم لأن على الرغم من أن عدد السكان كان 30 مليون نسمة كان يوجد غزارة فى الإنتاج وغزارة فى مسارح الدولة، ولكن الآن وصلنا أكثر من الضعف السكانى فى الوقت الذى حدث فيه تقلص لعدد الإنتاج ومسارح الدولة، وهذا على مستوى السينما أيضا كانت تنتج فى الستينيات والسبعينيات أكثر من 150 فيلما فى العام الواحد ولكن الآن بالكثير 10 أفلام.
ويقول الممثل والمخرج المسرحى عابد عنانى:
أنا خريج المعهد العالى للفنون المسرحية وأعمل فى هذا المجال منذ 20 عاما ولذلك المسرح بالنسبة لى قصية «حياة أو موت» و طوال الوقت أرى أن مصر دائما لديها مسرح جيد، وأن الدولة دائما تقدم عروضا هادفة وقوية ولكن الأزمة الحقيقية تكمن فى عزوف الناس عن الذهاب للمسرح والدليل عندما كنت أحضر عرضا جيدا وراقيا أفاجىء بوجود خمسة أشخاص فقط وأعتقد هذا يرجع لعدم عمل دعاية جيدة.. لأن الدولة لاتهدف للربح المادى بقدر الدور التوعوى والثقافى، ولكن لابد أن نعترف أن مسرح الدولة يعيش هذه الفترة نهضة مفرحة بإقبال الجمهور إليه، وأعتقد أن هذا يرجع لوجود النجوم مثل مسرحية الحفيد التى تعرض الآن من بطولة الفنانة لوسى وسامح حسين وآخرين والتذكرة أيضا فى متناول الجميع، وأن من وجهة نظرى أن المسرح ناجح فى كل الأزمنة ولا يحتاج غير طاقة الناس ودائما العنصر البشرى من أهم العناصر فى الإنتاج وهذا لم يتوقف ونحن بالفعل أثرياء بمواهبنا الشابة فى الإخراج والتمثيل والتأليف ولذلك لدينا مسارح فى قصور الثقافة ومسارح الشركات، ولكن ينقصنا تسليط الضوء بالدعاية للمسرح مرة أخرى.