الخميس 25 ابريل 2024

كيرة والجن.. كثير من الحرب وكثير من الحب أيضاً

كيرة و الجن

13-8-2022 | 11:05

هبة عادل

عندما تصاغ أحداث التاريخ فى صورة درامية، نعلم أن تدخل خيال الكاتب سيلعب دوراً كبيراً فى هذه الصياغة، وربما لهذا الهدف تحديداً تعمد صناع فيلم «كيرة والجن» أن يكتبوا على تتر البداية عبارة: «هذا الفيلم مبنى على خيال مستوحى من وقائع حقيقية، وهو لا يعد وثيقة تاريخية»، وكأنهم يغسلون أيديهم من شبهة اتهام بأن ثمة أحداثاً غير حقيقية ستدخل نسيج العمل الدرامى، ومع ذلك جاء الفيلم وثائقياً توثيقياً، إلى حد كبير، ومبهراً أيضاً.

 هذه المرة اختار المخرج مروان حامد تحويل رواية الكاتب أحمد مراد «1919»، إلى فيلم سينمائى يحمل اسم «كيرة والجن».

يبدأ الفيلم حيث حادثة مذبحة دنشواى الشهيرة عام 1906، وصولاً لعام ١٩٥٦، حيث خروج آخر جندى إنجليزى من أرض مصر، 50 عاماً تم تلخيصها فى ثلاث ساعات من الزمن دون لحظة ملل واحدة، حيث إبهار الصورة لمدير التصوير أحمد المرسى، وسرعة المونتاج لأحمد حافظ، وتوافق الحالة الموسيقية المبهرة بإيقاعاتها المتنوعة للموسيقار هشام نزيه، فضلاً عن عبقرية تنفيذ ملابس هذه الفترة من الزمن للمبدعة ناهد نصر الله، ما جعل المنتَج النهائى يخرج بديعاً على كل المستويات.

فى حادثة دنشواى يقتل والد «كيرة» أو النجم كريم عبد العزيز، شنقاً أمام أهل قريته، ويرى الابن أباه معلقاً هكذا وكذلك أمه مسجاة قتيلة، فتستعر نار الرغبة داخله للتخلص من هذا المحتل الآثم.

على الجانب الآخر يظهر البطل الموازى فى الفيلم النجم أحمد عز الشهير بـ«الجن»، وهو يخدم فى أحد معسكرات الإنجليز، يبيع لهم السجائر وغيرها من المكيفات والممنوعات، حيث قناعته الشخصية بأنهم سادة العالم فى هذا الوقت وأن «الرزق يحب الخفية».

بينما يظهر فى الملهى الليلى النجم كريم عبد العزيز (كيرة) وقد صار طبيباً وقائداً لتنظيم قوة المقاومة الشعبية المسلحة ضد الإنجليز، وتظهر النجمة الكبيرة هند صبرى فى دور الفتاة الصعيدية المسيحية التى تعمل بالتدريس وتعيش بالقاهرة، وتحمل اسم «دولت فهمي»، التى تنضم إلى رفاقها من قوات المقاومة، والمعروف أن دولت هى أول فتاة تنضم إلى المقاومة المسلحة وذلك فى عام 1919، حيث تقوم ثورة 19 الشهيرة، وقد عمد الفيلم خلال ساعاته الثلاث إلى إظهار العديد والعديد من المعارك التى سادت العديد من المشاهد واستحوذت على الشريط السينمائى ربما بنسبة تفوق 80 % من العمل، مجسدة العديد من حركات المقاومة والنضال ومحاولات التخلص من الإنجليز وحربهم، فكانت مشاهد المطاردات والأكشن واستخدام السلاح مكثفة بعبقرية إخراجية شديدة محسوبة بدقة، حتى أنك لا تشعر بالانزعاج رغم دموية وقسوة المشاهد.

 يأتى أيضاً حدث موت والد النجم أحمد عز أو «الجن»، حيث قام بدور الأب الفنان الكبير أحمد كمال، الذى كان أحد جنود الجيش المصرى وقد صار جليساً بالبيت، ليخرج ذات يوم فى مواجهة مع أحد جنود الإنجليز الذى يقتله، حيث لم يخضع لإعطائه التحية العسكرية، وعندما يرى أحمد عز، فى مشهد أداه تمثيلياً بعبقرية كبيرة، والده مدرجاً فى دمائه، تتحول هنا كل مشاعره من خدمة هؤلاء الإنجليز إلى الرغبة أيضاً فى الانتقام منهم لصالح والده، لتحدث نقطة التحول الكبرى داخله فينضم إلى المقاومة.

 يهرب «الجن» من قوات الإنجليز بعد قتل أحد قاداتهم انتقاماً لمقتل والده، ليلتقى بأفراد المقاومة بقيادة «كيرة» فى أحد المراكب النيلية.

ووسط هذه الأحداث القاسية الدامية يتم تضفير بعد رومانسى ساد بعض أحداث الفيلم كنوع من التخفيف ربما أو أنها الحقيقة ربما أيضاً، حيث يجنح كريم عبد العزيز للتعرف على إحدى الفتيات الإنجليزيات، حيث منصب والدها بالجيش الإنجليزى، ولكنه من خلال خط رومانسى يقع على المدى البعيد فى حبها رغم أنه كان يتعرف عليها فى البداية فقط لخداعها ليعرف منها بعض أسرار الجيش الإنجليزى ولكنه يجدها مؤمنة بقضية بلاده، بينما زوجته الفنانة روبي تموت بمرض الحمى بين يديه، وقد عجز عن علاجها لتفارق الحياة وتترك له ابنة الطفل الصغير (فهمى)

.

على جانب آخر أيضاً أحمد عز يقع فى حب «دولت فهمى»، التى تحاول مراراً إقناعه باستحالة إتمام هذه الزيجة كونها فتاة مسيحية وهو رجل مسلم، ولكن قلبها يغلبها، وحين يتم القبض عليه للتحقيق معه تأتى فى واحد من أهم وأروع مشاهد الفيلم، حيث تعترف أمام المحقق الضابط الإنجليزى بأنها حبيبته وأنه حبيبها وأنه كان يعيش معها طوال السنوات الماضية وأنه لم ينضم إلى أعمال المقاومة ضد الإنجليز، وما كان من الضابط المحقق، إلا أن يصورهما وينشر الصورة فى الجرائد فيعلم الأمر أهلها فى الصعيد، ويستدعيها شقيقها، الذى قدم دوره بموهبة واعدة الفنان الشاب تامر نبيل، بحجة أن والدتها مريضة، والتى قدمتها باقتدار الفنانة العملاقة سلوى عثمان، ليقوم شقيقها الأكبر بقتلها

 

من ناحية أخرى.. يخون التنظيم أحد أفراده وهو الفنان سيد رجب فى دور «نجيب الهلباوى»، والذى يتم القبض عليه فيعترف على أفراد المقاومة ويتم القبض عليهم وإعدامهم ما عدا أحمد عز وكريم عبد العزيز، اللذين يتمكنان من الهرب واستكمال طريق المقاومة.

يلتقي كيرة والجن فى تركيا، ويلحق بهما الضابط الإنجليزى الذى لعب دوره بامتياز الفنان سام هزلدين، المصر على قتلهما ضمن أفراد التنظيم، فتقوم هناك معارك كبيرة جداً تكون نهايتها أن يقتله الفنان كريم عبد العزيز، بإغراقه فى البحر، ويقوم أيضاً أحمد عز بقتل الخائن سيد رجب، الذى ذهب وراءهما إلى تركيا وفى نهاية الأحداث أيضاً يقوم أحد الضباط الإنجليز بالانتقام لقائده، ويقتل كيرة، ليموت بين يدى صديق عمره الجن الذى يأتمنه على استكمال تربية ابنة (فهمى).

نعود بالأحداث إلى مصر وإلى نهاية الفيلم، حيث عام 1956، لنقرأ عبارة على الشاشة «رحيل آخر جندى إنجليزى من أرض مصر»، ويخرج صوت الزعيم الراحل جمال عبد الناصر قائلاً: اليوم أيها المواطنون انتهت مرحلة كبرى من مراحل الكفاح، لم نقم بها وحدنا ولكن قامت بها أجيال عدة، أجيال سبقتنا منذ عشرات السنين، كافحت وقاتلت ولم تستسلم، واستشهدوا ويظهر، اللابن فهمى وقد كبر وقام بدوره فى لقطة خاصة فى نهاية الفيلم الفنان الشاب كريم محمود عبد العزيز، وهو يجرى نحو عمه أحمد عز الذى أكمل رحلة تربيته قائلاً: «مبروك يا عمى»، بينما الدموع تسقط من كليهما حيث افتقاد كيرة الأب، لحظة الفرح هذه منذ نصف قرن من الزمن.

ربما تبدو القصة أكثر مباشرة مما عودنا عليه أحمد مراد، ولكن جودة الصورة وبراعة التمثيل وكونها وثيقة لحقبة مهمة من تاريخنا هى عوامل صنعت قوة خاصة للفيلم، وجاء امتزاج الأحداث متكاملاً ما بين الحماسة الوطنية مع الأبعاد العاطفية بكل معانى الحب للوطن وللحبيبة والصداقة، رافعاً شعار «دائماً وابداً.. تحيا مصر وتحيا الأفلام التى تمجد اسم مصر».