الخميس 25 ابريل 2024

منورة بأهلها.. الرعب إلى حد الجنون

17-8-2022 | 18:37

نصحتنى إحدى قريباتى بمتابعة مسلسل «منورة بأهلها»، حيث تعلم جنوحى لمتابعة المختلف فى عالم الدراما سواء السينمائية أو التليفزيونية، وقد وجدت فيه ما يغرى لدفعى للعمل بهذا النصح.. وقد انصعت طواعية لثقتى فى ذوقها من ناحية، ولثقتى فى أنها تحفظ ذوقى من ناحية أخرى، كما أن أبطال العمل ومؤلفه ومخرجه من الأسماء الكبيرة الرنانة فى عالم الفن والدراما، مما حوَّل النصح إلى حالة من الطاعة العمياء أمام هذا المنتج «المهم» فى أقل وصف له، منذ اللحظات الأولى للعمل تجد على تتر البداية أنه مصنف «+ ١٨»، قلت: «الحمد لله عدينا» وأضافوا: «هذا المحتوى مخصص للكبار فقط.. يتضمن مشاهد وعبارات حادة غير ملائمة لكل من هم دون الـ١٨ سنة.. لذا وجب التنويه».. والحقيقة وبعد المتابعة وجدت أنه كان من الواجب عليهم وضع تحذير من مشاهدته ليس فقط لمن هم دون الـ١٨ عاماً ولكن «ممنوع رؤيته لأصحاب القلوب الضعيفة والعقول المرهفة والنفوس الطيبة... إلخ» إلى آخره من صفات البشر الذين يندر وجودهم بيننا الآن، فعلى شاكلة «غير البشر» جاء معظم - إن لم يكن كل - أبطال هذا العمل «الرهيب»، إذا جاز التعبير.

تبدأ الأحداث فى الدقائق الأولى بالغموض، فهؤلاء أفراد عصابة، وقد اجتمعت بأحد عملائها الذى يرغب فى الإفلات منهم، ولكن ينال تهديداً مرعباً يحول دون ذلك.. كان أبطال هذه الجلسة الفنانة الرائعة ليلى علوى، فى دور يتوقف عنده تاريخها الفنى كله إلى أبعد حد.. سلوى شاهين سيدة الأعمال الثرية، التى تمارس كل أنواع الشرور «كلها» من أجل الحصول على المال من ناحية وتحقيق شهوة الانتقام لماضيها الأليم من ناحية أخرى، وقد لعبته ليلى ببراعة.. ساعدتها فيها ملامحها الجميلة التى امتزجت بالشر فى مكون درامى بديع مع أناقة الملابس وقوة التعبير، وكذلك النجم الكبير باسم سمرة فى دور «عادل الشهاوى» وهو الذراع اليمنى لسلوى فى ممارسة جميع الموبقات والمحرمات، وهذا رجل ثالث «غامض» لم يكشف عنه.. يتحدث فقط فتسمعه فى إمعان لخلق حالة من الغموض، أما الضحية فهو الفنان الشاب محمد حاتم، الذى تنتقل الكاميرا إلى بيته البسيط بالسويس مع والدته «سلوى عثمان»، وهو يخبرها بانتقاله إلى العمل فى القاهرة كمصور صحفى، حيث هوايته التى يعشقها، وإذ هو يقع أسيراً فى براثن هذه العصابة، التى تنقلنا عبر الأحداث للحياة داخل «قبو» أسفل فيلا «سلوى شاهين» حيث تمارس فيه بوحشية شديدة مسألة غاية فى البشاعة.. فهذه العصابة تجند رجالاً يتزوجون الفتيات بعد خداعهن باسم الحب.. وتقوم العصابة فور «حمل» هذه الفتيات باحتجازهن فى هذا القبو حتى تتم الولادة؛ ليختطفن أبناءهن، وقد ظنت الفتيات ونحن أيضاً أن هذا الخطف يتم لصالح بعض الأسر الثرية المحرومة من الإنجاب، إلا أن الأمر يظل غامضاً لنعرف فى النهاية ما هو أبشع بكثير، حيث تتم إجراء تجارب بيولوجية على هؤلاء الأطفال من أجل الحصول على «هرمون النمو»؛ أملاً فى الوصول إلى حلم الخلود وذلك من قبل باحثة يتضح فى النهاية أنها زوجة الضابط المسئول عن كشف أسرار هذه العصابة والتحقيق معها!!

أما محمد حاتم.. فتجنده العصابة من ضمن هؤلاء الرجال ليتزوج من «ناهد السباعى» بعد أن يوهمها بالحب، وبعد حملها تختطف إلى ذات المكان البشع لتعرف الخدعة الكبرى التى تعرضت لها.. فيجن جنونها وتعيش حالة مأساوية شديدة.. اتقنت «السباعى» تأديتها بموهبة مميزة جدًا.

ومن نفس الرجل تخدع أيضاً«غادة عادل»، التى لعبت دور ممثلة سينمائية وشقيقة «لعادل الشهاوى» الذراع اليمنى للعصابة والتى تستغلها أيضاً «سلوى شاهين» فى أعمال منافية للآداب وتهددها أيضاً فى حالة الرغبة فى التوبة، وبقدر ما كانت ملامح الدور صعبة ومركبة، تصدت لها غادة بخبرة السنوات والنضج الواضح جداً فى أدائها.

وتنتقل الأحداث إلى «مقتل» المصور الصحفى «محمد حاتم».. وكما يقال فى العمل «قتل فى نفس الليلة مرتين!!» نعم، فقد وجدت الشرطة فى أمعائه «سم».. كما وجدوه مقتولاً فى شقته بعد تأثير السم وكأن وحشاً قد خرج عليه ليأكله بأسنانه، وهى بالفعل الحقيقة التى كشفت عنها الأحداث التى سادتها العديد من مشاهد العنف شديدة الدموية.. ففى القبو الذى تمارس فيه كل الموبقات، سخروا أحد المصارعين بقوة التهديد بعد إصابة شقيقه فى حادث سير متعمد.. أن يصارع البشر.. حتى يقتلهم، وذلك فى احتفال يسعد به أحد المتابعين لهذا الحفل الرهيب، وعندما يحاول التوبة هو الآخر والابتعاد عن قتل هؤلاء الضحايا الأبرياء يخرجون له «سبعًا» جائعاًيفترسه حياً؟ ولما يعلم شقيقه بذلك.. ينتقم لشقيقه بنفس الطريقة.. فيذهب إلى «المصور» الذى صور لهم «بالسخرة» هذا المشهد «ليأكله حرفياً بأسنانه» وإنها لواحدة من مشاهد كثيرة مفزعة

ولا أدرى ما المقصود من هذا.. فهل نحن أمام مسلسل رعب؟ أم مسلسل غموض؟.. بل وقد كان الغموض مركباً جداً.

فقد كان موضوع بيع الأطفال لسبب مجهول «بالنسبة لنا كمشاهدين» أكثر دفعاًوإثارة للفضول من الكشف عن القتلة، فثمة سيناريوهات تبدو بسيطة، مباشرة فى حدوتها ولكن الحبكة الدرامية التى تنسجها تجعل منها خيوطاً متشابكة شديدة التعقيد.. تجلس لتحلها فتحيلك لما هو أعقد، وعندما تصل إلى النهاية يمكنك أن تحكى كل ما شاهدته فى سطرين، لكنها كانت على الشاشة أصعب وأعمق بكثير، بل وأطول بكثير، و«منورة بأهلها» من هذه الأعمال التى تأخذك فى سياقات متعرجة إلى رحلات بعيدة عن واقعنا.. خطوط كثيرة متوازية غير متشابكة وكأن لكل بطل حدوته الخاصة، التى تتماشى أحياناً مع الآخرين وأحياناً أخرى تبتعد عنهم جداً، وقد جاءت أسرار هذا العمل «كارثية النزعة إذا جاز التعبير».. سادية القسمات.. دامية الملامح إلى أبعد حد.. فقد زادت جرعة الغموض أكثر من كل الأعمال التى اعتدناها من المؤلف محمد أمين راضى مثلما قدم غرائب وعجائب فى «نيران صديقة»، «السبع وصايا»، «العهد»، «مملكة إبليس»، بجزئيه، «كل ما نفترق» وغيرها من الأعمال التى اعتمدت على خلق عوالم مغايرة تماماً للغة العقل المباشرة أو حتى غير المباشرة، أما العبقرى المخرج الكبير يسرى نصر الله وهو ابن سينما الكبير (يوسف شاهين) فقد استطاع فى أولى تجاربه التليفزيونية أن يرسم لنا أجواء الغموض والرهبة والإثارة بكل الأدوات، لاسيما الإضاءة التى اعتمدت على القتامة من ناحية واستخدام اللون الأحمر كثيراً من ناحية أخرى، فى تناغم بصرى عبقرى مع روح النص، أما اختياره للممثلين فكان مدهشاً، فقدمت ليلى علوى دوراً مبهراً، وقدم باسم سمرة دوراًلم أكن أتخيل غيره فيه بكل هذه الإجادة، أيضاً النجم أحمد السعدنى فى دور وكيل النيابة الذى يتولى التحقيق فى القضية جاء رائعاً، فقد كان يفك طلاسم لا ألغاز.. فالعمل درامياً صعب والمشاهد قاسية، مرهقة، ولكنها متعة هذا النوع من الدراما، التى تجذبك إليها بنفس عنف أحداثها وأنت راضٍ مستسلم، حتى وإن صدمتك نهاية مفتوحة بعد كل هذا اللهاث.. فقد أعملت عقلك و«عملت اللى عليك» أما الباقي.. فليس ملكك، حيث أتصور أن هذه النوعية من الأعمال الغامضة تظل ملكاً خالصاًلكاتبها فقط، لاسيما إذا استطاع أن يثبت ولو لنفسه أنه «فاهم بجد» كل ما قدمه لنا!!