كنت أقرأ عن رواية قرية ظالمة "أورشليم" وعظمتها، وكلما سألت لأقتنى الكتاب وأقرأه كاملا لا أجده، إلى أن قادتنى المصادفة لأفوز بنسخة منه من إحدى دور النشر وهو كتاب تستطيع أن تقول إنه رواية تحكى قصة يوم واحد منذ قرون مضت، وهو ذاك اليوم الذى اتفق فيه اليهود على صلب السيد "المسيح" عليه السلام وأملوا على الحاكم الرومانى ذلك للتنفيذ...ولكنه أيضا رؤية فلسفية متعمقة فى النفس البشرية تعكس وجهة نظر صاحبها الطبيب والأديب محمد حسين كامل أستاذ جراحة العظام وأول رئيس لجمعية جراحى العظام وأول رئيس لجامعة عين شمس"إبراهيم باشا" ١٩٥٠ إذ اختاره د.طه حسين لهذه المهمة ولم يكن يعرف عميد الأدب العربى أنه قد اختار أديبا، فالرواية صدرت ١٩٥٤ ونال عنها جائزة الدولة التقديرية فى الأدب ١٩٥٧ وهو الوحيد الذى جمع بين التقديرية فى الأدب والعلوم الطبية حيث نال الثانية ١٩٦٦..فقد وصف الكاتب يوم الحكم على المسيح بالصلب بأنه يوم اختلف فيه العامة والخاصة فهذه زوجة ممثل الادعاء تثنى زوجها ليعيد النظر فى الحكم والتاجر يحاول بكل ما أوتى من حجة أن يقنع العامل الذى يصنع الحديد المطلوب بأنهم ليسوا جزءا من الجريمة...ويشير إلى أن هكذا ترتكب الجرائم الكبرى دون عقاب إذا توزعت المسئوليات على الجماعة...ويذكرنى هذا بمبدأ أبى لهب الذى كان يخطط لمقتل سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام حين اختار من كل قبيلة شابا ليتفرق دمه بين القبائل..حتى الحواريون تلامذة السيد المسيح اختلفوا فيما بينهم أيمنعون الحكم الظالم بالقوة وهذا كان رأى بعضهم أم يمتثلون له تنفيذا لما كان ينادى به السيد المسيح بعدم استخدام القوة والدعوة إلى الرحمة والتراحم...ويؤكد الكاتب أنكم إذا كنتم تريدون الحق الثابت فابحثوا عنه فى غير هذه الدنيا أو عند غير الإنسان..ويتطرق الكاتب إلى واقع عشناه منذ سنوات قريبة وكأنه كان معنا ..انه سيحل للناس القتل والإيذاء باسم الدفاع عن الدين وحماية العقيدة حينا وحينا آخر باسم الدفاع عن الوطن ويحذر من الأمرين ويقول إن هذه الجماعة تضع الدين فوق الله الذى يأمر بالحب لا بالقتل والله كفيل بحفظ دينه وليس فى حاجة إلى عبيد خاطئين ينقذونه.. وأنهم إنما يدافعون عن مصالحهم ومزاياهم ويتدثرون بعذر الدين...ويسوق مثلا بأن من يعتقدون أن الجماعة أهم من الفرد وأنهم يسوقون أن الجماعة يجب أن تسعد وأن ترتفع حتى ولو لم يسعد أفرادها فهذا وهم كبير... ويضيف أن الجماعات لا ضمير لها فيمكنها ارتكاب كل الجرائم دون عقاب رادع ...وفى الكتاب عبارة شدتنى بقوة وهى..أن الإنسان حيوان خلقه الله من تراب ثم نفخ فيه ما جعله إنسانا ولم يكن هذا النفخ فيه سوى الضمير.. وفى مقدمة الكتاب يقول إن الضمير هو قبس من نور الله... وإن الإنسان بدون الله لامعنى لعمله وإن ما يميز الإنسان عن الحيوان هو الضمير، والضمير هو الله وبدونه لن تكون إنسانا...وفى قصة مريم المجدلية التى جاءت وهى خاطئة وتعترف بخطئها وغسلت بدموعها قدمى السيد المسيح عليه السلام وجففته بشعرها وطمأنها بغفران الله لها وتململ بعض ممن حوله فقال قولته الشهيرة: "من كان منكم بلا خطيئة فليلقها بحجر"،.. وننتهى بكلمات من كتاب العالم والأستاذ"أن طبيعة العقل أن يكون دليلا هاديا وطبيعة الضمير أن يكون رادعا" وكما نقول نحن دائما إذا كنا نريد أن نسير فى الاتجاه الصحيح فعلينا أن نخالف هوى النفس.