من المعروف أن «فرقة رضا» هى أول فرقة للفنون الشعبية فى مصر، وهى التى اعتمدت على الرقص والاستعراض والغناء طوال مسيرتها، ورغم الصعوبات التى واجهت الفرقة عند تكوينها وبداية عملها بسبب كلمة «الرقص»، فقد أوضحت الفرقة لمعارضيها وجمهورها الخط العريض الذى ستسير عليه، حيث وكان الرقص قبل «فرقة رضا» يقتصر فقط على بعض الراقصات، وبعضهن خريجات كازينو بديعة مصابنى ومع هذا استطاعت الفرقة الوليدة أن تكبر وتنجح عبر مشوار طويل حافل بالنجاحات التى أفرزت العديد من القصص والكواليس، وكذلك الكثير من الأسماء اللامعة فى مختلف مجالات الفن، كما سنعرف من خلال السطور التالية...
فرقة الفن الراقى
كانت حركات الرقص الشرقى قبل «فرقة رضا» تعتمد على حركات محددة تقوم بها الراقصة، لكن فكرة تكوين فرقة للفنون الشعبية وُلدت فى مخيلة الفنان محمود رضا وزوجته، فقد تعلم الرقص فى باريس، وأيضاً عمل مع إحدى الفرق هناك، وهو الذى مارس العديد من الرياضات التى تساعد على ليونة ومرونة الجسد، منها الجمباز والسباحة وأيضاً تعلم فن الباليه، وهو أيضاً بطل مصر فى الجمباز فى دورة هلسنكى عام 1952.. وكانت فكرة إنشاء الفرقة تعتمد على الرقص المحتشم التعبيرى، الذى يشارك فيه الرجال مع النساء، ويخرج فيه محمود رضا وفرقته التى كونها مع شقيقه الفنان على رضا عن إطار الرقص الشرقى صاحب الحركات التقليدية الرتيبة، لذا كان على محمود رضا أن يثبت أهداف فكرته التى تعتمد على الرقص الشعبى، من خلال لوحات أو تابلوهات فنية مستمدة من البيئة الشعبية، فكانت البداية الصعبة التى تستلزم دراسة كل الفنون الشعبية، مما دعا محمود رضا إلى أن يطوف بكل أقاليم مصر من شرقها لغربها، ليعرف كيف يرقص الفلاحون فى ريف مصر وصعيدها، وأيضاً رقصات أبناء النوبة وسيوة وكل المحافظات الساحلية والحدودية، وحتى الرقصات الشعبية القاهرية.
وإن كان محمود رضا مؤسس الفرقة، قد استقى من كل الأقاليم عاداتهم الشعبية ومناسباتهم ليعبر عنها بالرقص، فكان لزاماً عليهم أن يضعوا لكل فقرة راقصة سيناريو يحدد البداية والمضمون ثم النهاية، لذا اعتمدوا فى بادئ الأمر على السيناريست محمد عثمان الذى شارك معهم فى اختيار اسم الفرقة، لتكون «فرقة رضا» بدلاً من فرقة محمود رضا أو فرقة الفنون الشعبية.. ومن الطبيعى أن تكون هناك موسيقى لوضع الألحان للفقرات الراقصة، فتم الاعتماد على الموسيقار على إسماعيل، وهو الذى شارك معهم منذ البداية لتعبر ألحانه عن مضمون الرقصات الجماعية للفرقة.
أول فرقة حكومية
بدأت «فرقة رضا» أولى حفلاتها على مسرح «الأزبكية» فى أغسطس 1959، وقدمت فيه 8 رقصات شعبية، ونالت استحسان الجماهير، فهى الفرقة التى يستطيع كل أفراد الأسرة رؤيتها وحضور حفلاتها التى تقام على مسارح كبيرة، والتى تعتمد على الفلكلور الشعبى ، وانتقلت الفرقة بعد تقديم عروضها لمدة شهر على مسرح «الأزبكية» إلى مسرح «متروبول» بالعتبة، ثم مسرح «دار الأوبرا» بالعتبة لمدة عام، ثم إلى مسرح نقابة المهندسين بشارع رمسيس، وفكر محمود رضا بعد نجاح الفرقة أن يضم أفراداً جدداً لها فأضاف 6 شباب مع 6 بنات ليصبح مجموع الراقصين 24 راقصاً وهو معهم، وقد لاقت تشجيعاً كبيراً من قبل الدولة، فوقع الاختيار على «فرقة رضا» بداية من عام 1960 لتشارك فى كل الحفلات وقامت وزارة الثقافة فى بداية عام 1961 بضم الفرقة لتكون أول فرقة فنون شعبية تتبع الدولة، وكانت الفنانة فريدة فهمى ابنة الدكتور حسن فهمى، الذى دعم الفرقة ووقف بجانبها، هى أول راقصة شعبية، وأصبحت منذ التأسيس هى نجمة الفرقة الأولى وكان رقصها تعبيرياً محتشماً سواء كانت بمفردها أو ضمن الراقصين والراقصات.
فاجعة نديدة فهمى
قد لا يعرف الكثيرون أن فكرة تكوين «فرقة رضا» بدأت بين الحبيبين محمود رضا ونديدة فهمى شقيقة فريدة فهمى، وابنة الدكتور حسن فهمى، فحسب ما جاء فى مجلة «الكواكب» عدد 13 سبتمبر 1960، فقد أُصيبت عائلتى رضا وفهمى بفاجعة كبرى وهى الموت المفاجئ لزوجة محمود رضا وهى الفنانة نديدة فهمى، التى أكد محمود رضا أن فكرة تكوين الفرقة كانت فكرتها، وهى التى كانت تصمم ملابس الفرقة، وكان عندها من الطموح ما يدفعها لبذل كل الجهد من أجل دعم وإنجاح الفرقة الوليدة، وكانت نديدة قبل الزواج عضوة بنادى «هليوبوليس» ويتردد اسمها كأشهر سباحة، وتقرب منها محمود وطلبها للزواج بعد أن تخرج فى كلية التجارة وتم تعيينه فى إحدى شركات البترول، وكان وقتها أيضاً نجماً للرقص، وقد تزوجا رغم علم محمود بأنها مريضة روماتيزم على القلب، فحاول منذ زواجه بها أن يجعل كل أيامها سعادة، لكنها كانت تجهد نفسها وتسهر دائماً من أجل تصميم ملابس الفرقة للتابلوهات الاستعراضية، وكانت آخر ملابس صممتها هى أزياء لوحة مولد النبى، وفى الإسكندرية سقطت صريعة المرض، ومكثت بالمستشفى الإيطالى عشرة أيام، بعدها انطفأت شمعتها إلى الأبد ليحترق زوجها وأسرتها حزناً عليها مع رحيلها فى 9 سبتمبر 1960.
بائع العرقسوس فى برلين
فى فترة قصيرة انطلقت شهرة «فرقة رضا»، رغم الأحزان التى داهمت مؤسسيها، فحسب ما جاء فى تقرير مجلة «الكواكب» عدد 8 أغسطس 1961، فقد سافرت «فرقة رضا» فى جولة فنية بدأتها قبل شهر من هذا التاريخ، بناء على دعوات من دول وسط وغرب أوروبا، وجاء التقرير بعنوان «بائع العرقسوس يدخل برلين»، وتأكد فيه أن الجولة الفنية للفرقة ستمتد إلى اليابان والصين والفلبين، وعلى مسرح «الكونجرس هال» فى برلين وهو أكبر المسارح فى ألمانيا، بدأت «فرقة رضا» تابلوهاتها الشعبية، ومنها «بائع العرقسوس» و«على الزراعية» و«عقلة الأصبع»، وكان الجمهور يشغل نصف المسرح فقط، بسبب قلة الدعاية قبل حضور الفرقة، فخرج الجمهور مبهوراً بما رآه من تابلوهات راقصة، وحدثت ضجة كبيرة أثمرت عن زحام شديد فى الليلة التالية، ولم يعد هناك مكان لقدم فى المسرح الذى شهد من قبل مهرجان برلين السينمائى الدولى، وفى اليوم التالى أشادت صحف برلين بـ«فرقة رضا»، ومنها مجلة «ريفى فيلم» التى أكدت أن ما رأته من فنون «فرقة رضا» يدل على تقدم مصر فى فن الباليه، وإن الفرقة درست كل شىء حتى الإخراج المسرحى نفسه، وأنهم قد اشتموا رائحة مصر وريفها والقاهرة فى تلك التابلوهات، وانتقلت الفرقة إلى مدينة «براون شفيج» ثم إلى «هامبورج» ثم «بون» ، وفيها رقصت على مسرح «بتهوفن هال»، وتخليداً لذكرى بتهوفن قدمت «فرقة رضا» تابلوهاً راقصاً باللغة الألمانية، أبهر الجمهور الألمانى، وكان السفير المصرى إبراهيم صبرى قد حضر حفل الافتتاح الأول، ودعا ما يقرب من 50 سفيراً ودبلوماسياً على الحفل.
الدفع.. أو الحبس
ووجب أن نؤكد أن جولة «فرقة رضا» استمرت شهرين كاملين، كان الشهر الأول فى الاتحاد السوفيتى ويوغسلافيا، بناء على تكليف من الدولة ضمن اتفاقيات التبادل الثقافى، مما يعنى أن «فرقة رضا» تقدم فنها فى البلدين وتقوم الدولتان المضيفتان بتحصيل الإيراد لنفسيهما، أما الغرض من الحفلات فى البلدين، فكان مكسبهما المادى مع تعريف شعبيهما بالفنون الشعبية المصرية، وكان الشهر التالى جولة حرة فى ألمانيا قدمت الفرقة فيها 15 حفلة، حسب ما أكد على رضا مخرج الفرقة لمجلة «الكواكب» في عدد 24 أكتوبر 1961 فى حواره مع المجلة تحت عنوان «مؤسسة المسرح تهدد فرقة رضا بالحبس»، فعندما جاءت الفرقة من جولتها فى أوروبا وجدت فى انتظارها مفاجأتين، إحداهما ضمها إلى التليفزيون بمميزات سخية مع توفير مسرح ومضاعفة رواتب الفرقة وتوفير الملابس والديكورات وكل ما يلزمها.. أما المفاجأة الثانية فقد تمثلت فى تهديد مؤسسة المسرح لـ«فرقة رضا» بالحبس والحجز على ممتلكاتها، وكان مطلبها أن تسدد الفرقة إيجار مسرح الأوبرا وقدره 910 جنيهات عن عام مضى.
«فرقة رضا» فى السينما
بعد جولتها الأوروبية وضمها إلى التليفزيون العربى، انتبه السينمائيون إلى النجاح المدوى للفرقة الجديدة وفنها الأصيل، لذا سارع الموزع صبحى فرحات بالتعاقد مع «فرقة رضا» للمشاركة بجميع أبطالها فى فيلم «أجازة نص السنة»، وحسب الإعلان الذى نشر فى «الكواكب» عدد 10 أكتوبر 1961، فقد جاء فيه أن «المتحدة للسينما» تقدم لأول مرة «فرقة رضا» للفنون الشعبية فى أضخم إنتاج بالألوان، والبطولة فى الفيلم لزبيدة ثروت ورشدى أباطة وفريدة فهمى ومحمود رضا، والإخراج لعلى رضا، والقصة والسيناريو الحوار لمحمد عثمان، والموسيقى والألحان لعلى إسماعيل، ومن الواضح أنه تم تعديل البطولة فيما بعد لتقوم بها الفنانة ماجدة فقط أمام محمود رضا وفريدة فهمى مع كل أفراد الفرقة، وذلك فى فيلم «أجازة نص السنة» وبعد النجاح الساحق للفيلم تكررت التجربة فى فيلم «غرام فى الكرنك» عام 1967، وفيه كانت البطولة كاملة لمحمود رضا وفريدة فهمى مع أمين الهنيدى وعبد المنعم إبراهيم، وقد شارك محمود رضا وفريدة فهمى من قبل فى أفلام عديدة، لكنه كان راقصاً فقط أو مدرباً للرقص، بداية من عام 1949 وحتى بطولة فيلم «أجازة نص السنة» لتأتيه البطولة الأخيرة فى فيلم «حرامى الورقة» عام 1970، وكان سبب قلة مشاركة «فرقة رضا» فى السينما المصرية هو قرار وزير الثقافة آنذاك ثروت عكاشة، الذى يرى أن الفرقة يجب أن تدخر وقتها وجهدها للمسرح، وكان يمنحها فقط تصريحاً بفيلم واحد كلما طلبوا.
أشهر نجوم الفرقة
من الواضح أن «فرقة رضا» قد اعتمدت فى بدايتها على الهواة ونجوم من الشباب، فقد كان نجم الغناء الأبرز فيها هو المطرب الشعبى محمد العزبى، الذى انطلقت شهرته من «فرقة رضا»، حيث شارك كراقص ومطرب بالفرقة، فحسب ما جاء فى مجلة «الكواكب» عدد 14 أكتوبر 1958، تحت عنوان «أومباشى يودع هواه» كان محمد العزبى مجنداً بمصلحة السواحل، وباقٍ على إنهاء خدمته ثلاثة أشهر، وكان قبل التجنيد قد التحق بركن الهواة فى الإذاعة كمقلد للفنان محمد عبد المطلب، وناشد العزبى الإذاعة عبر «الكواكب» أن تنقله من «ركن الهواة» إلى «البرنامج العام» ليقدم أغنيات فردية، لكن سرعان ما اختطفت «فرقة رضا» محمد العزبى ليكون أحد نجومها البارزين.. ومن نجوم «فرقة رضا» أيضاً النجمة هناء الشوربجى التى بدأت انطلاقتها الفنية من خلال «فرقة رضا» وقد شكلت تلك المرحلة فى حياتها الفنية أهمية قصوى، فقد اختارها مؤسس الفرقة محمود رضا بعناية شديدة وكانت أحد أهم عناصرها، وفيها تعرفت على مصمم الاستعراض الشهير حسن عفيفى وتزوجته، وعن هذه الفترة تقول هناء: إنها قضت أجمل أيام حياتها بالفرقة، ومنها دخلت عالم التمثيل، خاصة بعدما حققت الفرقة نجاحات وشهرة عالمية، والفنان حسن عفيفى الراقص ومصمم الاستعراضات مع محمود رضا كان من ألمع الأسماء التى أفرزتها الفرقة، واشتهر بعد ذلك كمصمم استعراضات فوازير نيللى وشريهان وغيرهما، وضمت الفرقة العديد من النجوم منهم حسن السبكى وعمر فتحى ومحمد رءوف الذى تمنى أن يكون مطرب «فرقة رضا» وكان بالفعل، بل وأصبح أحد أهم نجومها، وكانت دراسته بالكلية «باليه وإيقاع حركى»؛ ما جعله يطلب من محمود رضا المشاركة بالاستعراض مع الغناء بدلاً من الوقوف على يمين المسرح للغناء فقط، وبالفعل شارك معهم فى رقصات «الحجالة» و«الأقصر» و«صيادين السمك» وغيرها.