ماذا تفعل اذا عرفت ان ايامك في الدنيا معدودة وان الموت صار هو الاقرب لك من انفاسك ذاتها ؟
ربما كانت هذه التيمة هي الاساس في العديد من الافلام و ربما تناولتها الدراما كثيرا من قبل ، لكن تبقى التيمات ثابتة و مضامين التناول متنوعة ومختلفة ، فى واحد من هذه الافلام يأتى فيلم " جلال الدين ".. الفيلم الروائي المغربي للمخرج الكبير حسن بنجلون ، الذي يشارك في مسابقة افاق السينما العربية على هامش مهرجان القاهرة السينمائي الدولي المقامة فعالياته هذه الايام .
الفيلم يشكل حالة انسانية بكل المقاييس والمعايير تصل الى حد التصوف بل ربما كانت هذه هي نهايته الحقيقية ، أما احداثه فجأت متشابكة بعذوبة شديدة لنص روائي ينقلك الى عالم أخر ، ليس فقط على مستوى الدراما ولكن ايضا على مستوى الصورة البديعة التي يبدأ بها الفيلم حيث تظهر اللقطات الأولى له على خلفية منظر طبيعي لاراضي خضراء، الا ان واقع الاحداث كان اسود ، حيث يعيش زوجان حياه سعيدة تجمهعما حالة من الحب الجميلة ، لكن تمرض الزوجة بمرض خطير يحيل حياتها الى جحيم حيث اقتراب موعد رحيلها عن الحياة ، و قدمت الدور باتقان شديد الممثلة التونسية المعروفة لدينا في مصر" فاطمة ناصر" في دور شديد التميز ، حيث الزوجة المريضة التي تعد أنفاسها في اتجاه الرحيل الى العالم الاخر وتترجى زوجها ان يعيش حياته ويستمتع بشبابه ولكنه يأبى ان يتركها بينما يشاركها في ادق تفاصيل حياتها وهو الزوج "جلال الدين" الذي ومع الحاحها في ان يحيا حياته بكل اريحية ، يلتقي بأصدقائه في احدى الحانات التي تقودها أمراة مشبوهه تقود بدورها بيت مشبوه ،و تقوده أرجله بغير وعي ربما لممارسة الرذيلة مع احدى فتيات هذه الحانة في لحظة ضعف انسانية شديدة ، جاء التعبير عنها في لقطات موحية بغير ادني ابتذال حتى ان المشهد صار مفتوحا الى نهاية الفيلم ، لا يؤكد ما اذا كان قد وقع جلال في الخطيئه ام لا ولكنه يفر الى زوجته طالبا منها السماح ايضا بغير تاكيد مباشر نفهم منه كمشاهدين ما اذا كان جلال قد أخطأ فعلا ، ام كان على وشك هذه الفعلة وهو ما توضحة الاحداث فيما بعد في أجواء من الرومانسية الممزوجة بالشجن والحزن و الغموض ربما الى حد كبير .
على جانب اخر تظهر الزوجه المريضه وهي تحتضن ابنها الشاب الذي يحكي لها عن قصة حبه لاحدى الفتيات الساقطات ولكن الأم تنصحه بأن ليس شيئا اغلى من الحب وانه قيمه يجب ان لا تضيع فتنصحه بالارتباط بها كما فعلت هي في السابق و تزوجت ابيه رغما عن كل الظروف وتركت اسرتها وسافرت وعاشت من اجله الحياه التي تمنتها ، تموت الام وفي لقطه مؤثره جدا على قبرها يكتب الاب كلمات وضعها على ورقه على هذا القبر يقول فيها " أدنيتينى حتى ظننت انك اني" وهي احدى العبارات الجميله في الفيلم الذي كتب حواره بلغة ادبية راقيه جدا ومنها مثلا على سبيل المثال لا الحصر ما كانت تخاطب الزوجه به نفسها وهي في طريقها الى النهايه وتقول كم عشت افراح أدفئتنى ودموعا غسلت احزاني ، و الأن اجد الثواني تطوى الايام سريعا واشعر باقتراب النهاية ، وعلى هذا القبر ايضا يجتمع الاب بابنه الشاب مع عروسته ليكتشف الاب المفاجاه الكبرى وان هذه العروس هي الفتاه التي التقى بها في الحانه منذ ايام ولكنه ايضا ينصح ابنه بالارتباط بها ويذهب هو ليعيش حياه التصوف مع احد الشيوخ الكبار ويعتزل الحياه ويعيش يتتلمذ على يد الشيخ المتصوف .
على الجانب الاخر نرى ان هذه الفتاه التي كانت تقوم بالافعال المشبوهه بضغط من والدتها ، تصل الى قرار ابلاغ الشرطه عن هذا البيت المشبوه لتاتي الشرطه بالفعل وتقبض على الوالده و شقيقتها ايضا ويزج بهما في السجن لمده 20 عاما ، تخرج بعدها الام والابنه وقد انتوت على الانتقام في الوقت الذي كانت تعيش فيه الابنه بعد التوبه حياه هادئه مع زوجها فيما انجبت ايضا ابنا صار يقترب من ال 20 من عمره وبالتوازي ايضا وباسلوب المونتاج على طريقه القطع المتوازى والذي ملأ احداث الفيلم ، كما جاء في الماضي قبل وفاه الزوجه و كانت هي تعاني من الام المرض و ارهاصات الاحتضار كان يجلس الزوج في الحانات ايضا، بنفس هذا الايقاع في المونتاج ننتقل بعد 20 عاما للشيخ الذي يعلم الصوفيه لجلال الدين و الذى يرحل ايضا عن الحياه ويوصى أتباعه بان جلال الدين هو شيخهم الجديد ، و صار جلال الدين يجلس بين أتباعه يتحدث عن الحب وعن الحياه وعن الانسانيه وانه ايا كانت ديانة الانسان مسلم او مسيحي او يهودي او حتى هندوسي او بوذى و مهما كان لونه احمر او اسود او اصفر او ابيض المهم ان يحيا البشر معا في حاله من السكينه والمحبه والاخوه وانها قيم لا تتبع لاي شروط او مقاييس ولكن الوصول لها هو السعاده الحقيقيه التي اذا تعاملنا من خلالها نصل اليها واذا نسيناها سنفقد كل شيء في الدنيا والأخرة ، نرى ايضا على الجانب الاخر كيف قررت الام الانتقام فاتدفع بابنتها الصغرى للذهاب الى بيت الشقيقة الكبرى تدعوها لزياره الام و تذهب على مضض و هى لا تعلم ما في داخلها بالطبع من نوايا ، تذهب اليها على غير رغبة لتفاجأ بمفاجأة العمر وان الام تحتفظ ب " سيديهات مصورة " وفيديوهات كانت قد صورتها لها و هى تمارس الرذيله مع زبائن الحانة ، لتنهار الابنه تماما ، و تعرع الى زوجها تحكي له وقد قالت لامها انه يعلم كل شيء ولكنها ايضا تصارحه بان الام تحاول تهديدها وفضحها الا انه لا يعبأ في بدايه الامر بالحدث لانه كان يعلم وقد ارتضى بها و سامحها ، ويذهب الى البيت ويقوم بالاستعانه باثنين يقومان بدورهما بحرق كل هذه الفيديوهات متصورا ان القصه قد تنتهي عند هذا الحد ولكن ما ان تعلم الام بحرق الفيديوهات الا و تقرر الامعان في الانتقام وقد احتفظت في مكان خفيا بالشريط التي صورت فيه الابنه مع جلال الدين فى هذه الليله التي تؤكد لنا انهما قد وقع فى الخطيئه بالفعل مع الابنه التي هي زوجه ابنه ، و تقرر الام ارسال هذا الشريط للزوج الذي يجلس فيه ليشاهد زوجته وهي تقوم بالخطيئه مع ابيه ، لينهار تماما حتى اننا كمشاهدين نبدأ في توقع ان الابن ليس هو ابنه ولكنه ابن ابيه ، الذي يذهب بدوره دون ان يعلم بهذه الاحداث ولكنه يعشق حياه التصوف ايضا خليفه لجده الذي يعيش معه مقررا اعتزال الحياة ، وتنتهي بنا احداث الفيلم في هذا الجو والاغنيات ذات الايقاع الروحانى الذى امتلأ بها الفيلم و خاصة في مشهد النهايه حيث رقصات المولويه الشهيره بايقاعاتها الصاخبة التي تنتهي معها الاحداث التي جاءت ممتعة الى أقصى حد بلغة أدبية وفنية ودرامية و سينمائية شديدة الرقى .